إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



(تابع) النص الكامل للبيان الذي ألقاه وزير المستعمرات في مجلس العموم في 24 نوفمبر 1938
"ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 669 - 675"

الشنيعة جزافا لجنودنا واننى أطلع على الشىء الكثير من هذا القبيل في وزارة المستعمرات ولكن لم يسبق لى قط أن وقفت على بينة تثبت هذه التهم بل على العكس من ذلك ان العالم بأجمعه بعلم أن احتلال مدينة القدس القديمة الذى جرى منذ بضعة أسابيع كان مثالا للطريقة التى يستطيع فيها الجنود البريطانيون أن يقوموا بمنتهى النجاح بعملية عسكرية دقيقة في وسط جماعة من الاهلين المدنيين بصورة مستوفية للمبادىء الانسانية بأكملها.

       ولكن المشكلة الحقيقية في فلسطين ليست مشكلة عسكرية بل هى مشكلة سياسية. ان في استطاعة جيوشنا أن تعيد النظام الى نصابه ولكنها لن تستطيع ان توطد اركان السلام. فذلك أمر يترتب على الحكومة وعلى هذا المجلس الاضطلاع به. ان بسط المشكلة القائمة في فلسطين هو أمر في غاية السهولة وقد اتت لجنة بيل على بيانها بصورة باهرة في تقريرها ولا حاجة لتغيير أية كلمة أو حرف من تحليل المعضلة كما ورد في تلك الوثيقة القيمة. أن فلسطين بلاد صغيرة ولكنها تعد عظيمة القدر من الناحية الروحية. فالصبغة الروحية التى تتصف بها لا تدانيها فيها أية بلاد أخرى في العالم. فهى تضم بعض الاماكن المقدسة للديانات العالمية الثلاث العظمى. ولكنها في غاية من الصغر من حيث المساحة وان كانت تربتها خصبة وتعطى أثمارا وافرة فان أكثر أراضيها صخرية أو جبلية ومعظمها صحراوات مجدبه. تلك هى حالة هذا المسرح الصغير التى تمثل عليه اليوم فاجعة من أعظم الفواجع. والميدان يشتمل على فريقين متنازعين - فلنبدأ باليهود أولا. ان فلسطين كانت موطنا لهم منذ الفى سنة ولكنهم منذ ذلك الزمن فرقوا وشتتوا في جميع أنحاء المعمورة. انهم شعب لا بلاد له ولكن كثيرا منهم استحث خطاه خلال السنوات العشرين الماضية راجعا الى فلسطين مستندا الى أحكام صك الانتداب الذى ايدته أكثر من خمسين دولة وعهد فيه الى بريطانيا العظمى بادارة البلاد. ولست اعتقد ان في وسع أى منصف أن يدعى أن بريطانيا العظمى لم تقم خلال هذه السنوات - العشرين بما تقتضيه عليها التزاماتها من تسهيل هجرة اليهود الى فلسطين فمنذ سنة 1922 دخل فلسطين ما يزيد على ربع مليون يهودي واستوطنوها وكانت أعمالهم فيها موجبة للاعجاب فقد حولوا كثبات الرمال الى بساتين للبرتقال وساروا في زراعتهم ومستعمراتهم شوطا بعيدا حتى ابلغوها الاراضى الجرداء الواقعة على الحدود. وبنوا مدينة جديدة تضم نحو 140 ألف نسمة في مكان لم يكن فيما مضى سوى شاطىء مقفر. ولا يستطيع الانسان أن يتكهن عن المدى الذى كان من الممكن ان تبلغه أعمالهم لو كانت فلسطين خالية من السكان وسلمت اليهم بكامله. ان اليهود الموجودين فى فلسطين يقيمون فيها بناء على حق وليس كمنة. أما الآن وقد أصبحوا غرضة للاضطهاد في أوربا الوسطى فان رغبتهم في العودة الى موطنهم الحاص قد تضاعفت مائة مرة عن ذي قبل. ولم تبلغ مأساة اى شعب من الشعوب التى لا وطن لها ما بلغته مأساة اليهود في هذا الاسبوع كما ان عطف مواطنينا وتلهفهم لصنع كل ما في وسعهم لمساعدة اليهود المضطهدين لم تبلغ قط مثل ما بلغته اليوم. ولكنى آمل ألا ندع سبيلا لشعور الاستقطاع الذى يملأ نفوسنا من جراء الكارثة التى جر اليها هذا الشعب فنمكن ذلك الشعور من التأثير على حكمنا الهادىء المنصف على المشكلة الصعبة في فلسطين اليوم.

       وأرانى مضطرا الى الادلاء بكلمة على سبيل التحذير فاننا عندما وعدنا بتسهيل انشاء وطن قومى لليهود في فلسطين لم نكن نتوقع قط ان يحدث هذا الاضطهاد

<2>