إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


       



البيان السياسي لجبهة التحرير العربية
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5، ص 353 - 355"

البيان السياسي لجبهة التحرير العربية.

 

عمان، 30/8/1969

(الأحرار، العدد 647، بيروت،
19/9/1969، ص 14)

 

        لقد أيقظت هزيمة الخامس من حزيران (يونيو) امتنا على إنها كادت، في غمرة الانهماك في معالجة مشاكلها وأمراضها الذاتية، أن تنسى العدو الذي كان في عام 1948 سبب تنبهها إلى هذه المشاكل والأمراض.

        وأوجد الخامس من حزيران (يونيو) جوا من الموضوعية والنقد الذاتي، ورفع عن الحياة العربية ضغوط الصيغ القديمة من التعصب الفئوي، والتزمت الحزبي، واحتكار الحقيقة، والاستئثار، والتنافر بين الأنظمة الثورية، وأفسح المجال للمراجعة وإعادة النظر في المفاهيم والمؤسسات. وهذا الجو اكثر ما يكون ملاءمة لحاجة العمل الفدائي وروحه وطبيعته، حيث ينتفي كل استئثار وكل انفراد وكل ضيق وكل تنابذ.

        فأمام الاستعمار العالمي والصهيونية والرجعية، تقف الأمة العربية مهددة في وجودها، لا تجد طريقا للخلاص إلا تضافر القوى الثورية وتجنيد طاقات الأمة كاملة في المعركة.

        إن عامين انقضيا على الهزيمة قد أكدا حاجة العمل الفدائي إلى وثبة جديدة تكمل المسيرة المجيدة التي اختطها أبطال هذه الأمة حين اختاروا طريق الكفاح المسلح، وتجعل العمل الفدائي أقوى وأمنع في وجه خطر التطويق والمحاصرة الذي تتعرض له الثورة العربية في فلسطين.

        إن هذا الخطر يتجسد، بصورة خاصة، في محاولة حصر الثورة في نطاقها القطري، وقطع شريان الحياة الذي يصلها بمنابع القوة والقدرة والكفاءة في جماهير الثورة العربية تطلعا إلى اليوم الذي يصبح فيه بالإمكان ضرب الثورة في فلسطين.

تضخيم القدرة الفلسطينية:
         لقد استفادت القوى المعادية المتآمرة من حاجة العمل الفدائي الماسة، وخصوصا في منطلقه، إلى تأكيد الشخصية الفلسطينية انتزاعا للإرادة الشعبية من وصاية الأنظمة. وإبرازا لصورة الحق الضائع والشعب المشرد في فلسطين، كي تتظاهر بموالاة هذه الشخصية والاعتراف بها بل ومساعدتها عمليا على الظهور. وقصدها إعطاء هذه الشخصية طابعا منعزلا عن الشخصية العربية، بل ومتنافرا معها حيث يمكنها ذلك. وهي تزين للعمل الفدائي إمكانية التحول إلى نظام آخر بين مجموعة الأنظمة العربية، تتمثل فيه هذه الشخصية بأكمل صورها.

        إن هذه القوى تضخم مرحليا من قدرة الشخصية الفلسطينية المنفصلة عن الشخصية العربية على القتال والصمود والتحرير الكامل، لتصل في النهاية إلى غايتها في دعوة الفلسطينيين إلى التخلي عن القتال والصمود والتحرير الكامل، بحجة عدم قدرتهم وحدهم على ذلك.

        وهكذا، تكون هذه القوى قد نقلت أبناء فلسطين من الأمل إلى اليأس غير المبرر.

        وقد استفادت القوى المعادية أيضا من تخلف الحركات العربية الثورية عن تلبية الحاجة للمباشرة الفعلية بالعمل الشعبي المسلح في فلسطين، لتصور الثورة العربية بصورة التخلي عن قضية فلسطين، لتقول بأن المرحلة السابقة كانت مفرطة بفلسطين لانها كانت مرحلة الثورة العربية، بينما الحقيقة هي ان المرحلة السابقة لم تكن مرحلة الثورة العربية، بدليل انها لم تكن قد وصلت إلى صورتها الصحيحة في حمل الجماهير العربية للسلاح. وإذا كان حمل السلاح قد كان واردا جزئيا ومؤقتا بالنسبة إلى هذه الثورة، فانها لم تكن تنظر إليه كقانون دائم للثورة وطابع ملازم لها.

الارتباط بالوحدة العربية:
         ومنذ أن انطلق العمل الفدائي، وهو هدف لمحاولة تشترك فيها جهات عديدة ترمي إلى منع الثورة في فلسطين من الارتباط العلني والصريح والمبدئي بالوحدة العربية.

        إن الأعداء يعرفون الخطر على مصالحهم في إعلان وتوكيد مبدأ الارتباط بين تحرير فلسطين والوحدة العربية، لانهم يقدرون حيوية هذا المبدأ وتجاوبه مع الواقع العربي ومع استعداد الجماهير العربية في كل قطر. لذلك، فهم مستعدون لتقديم التنازلات وأحيانا المعونات من أجل الوقوف في وجه هذا الارتباط.

        انهم فعلوا ذلك مع كل ثورة عربية في كل قطر، وهم اليوم يكررون الشيء نفسه مع ثورة فلسطين.

        إن هذه الجهات لا تقتصر على الدول الاستعمارية التي يريحها طرح كل قضية عربية على انها قضية قطر، وتصر بنوع خاص على عدم الاعتراف بوجود أي علاقة لقضية فلسطين مع الأمة العربية ووجودها ووحدتها ونهضتها. بل تشمل أيضا معظم الحركات اليسارية التقليدية الغربية غير الشيوعية والأنظمة الرجعية العربية. ولم تنج من أثرها بعض الفئات اليسارية القطرية في الوطن العربي.

        فالحركات اليسارية الغربية التقليدية كانت تتسابق في تأييد ثورة الجزائر بشرط واحد هو أن تبقى جزائرية، وبعضها اليوم يشترط الشرط نفسه في تأييد العمل الفدائي. وتفسير هذا الموقف إن الحركات ما تزال تحت تأثير النفوذ الصهيوني داخلها الذي لا يتسامح أبدا في أي مساندة تعطي لعمل عربي ذي طبيعة قومية، كما انها غير مقطوعة الصلة تماما بالمصالح الاستعمارية، فهي تستطيع أن تتخذ موقف معارضة لأشكال معينة من الاستعمار، ولكنها لا تستطيع المضي إلى آخر الطريق في مقاومة كل أشكال الاستغلال والنفوذ الاستعماريين اللذين تشكل الوحدة العربية قضاء مبرما عليهما.

        وكان هذا دوما منطق الجامعة العربية والأنظمة العربية الرجعية، سواء بالنسبة لقضية فلسطين أو بالنسبة

<1>