إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



(تابع) البيان السياسي لجبهة التحرير العربية
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5، ص 353 - 355"

لأي ثورة عربية. وقد تجلى هذا المنطق، وما يزال، بالتمسك بمبدأ السيادة داخل كل قطر، وبرفض الاعتراف بعلاقة الغزو الصهيوني وإقامة دولة إسرائيل بالأوضاع الداخلية للأقطار العربية، وبارتباطات الأنظمة الرجعية مع الاستعمار.

        كانت هذه الأنظمة ترفض، مثلا، استخدام سلاح البترول للضغط على الدول الاستعمارية، وإلغاء المعاهدات والقواعد الأجنبية في بعض الأقطار كجزء من عملية المواجهة العربية لإسرائيل.

        وهكذا، تبقى مساهمة الدول العربية في تحرير فلسطين في مستوى المعونات والهبات والتبرع، مما يعني مسخا لحجم المشكلة وتجاهلا لعمقها وإنكارا لواقعها الصارخ غير المجهول بأنها غزو صهيوني استعماري.

        إن الأنظمة العربية، كما كانت دائما، لا تريد أن تترك الثورة العربية في فلسطين تصل إليها والى أوضاعها الاجتماعية والسياسية، وهي لذلك تستخدم حصر القضية بالفلسطينيين كأسلوب رشوة ترد به عن نفسها تفاعلات هذه الثورة.

        ولا تختلف بعض الأنظمة العربية التقدمية وبعض الحركات اليسارية في الوطن العربي عن الأنظمة الرجعية، من حيث منطقها في قضية فلسطين إلا بالكم والدرجة وليس بالنوع. وهي تبني يساريتها الزائفة، بل تطرفها في هذه اليسارية، على سكوتها المشبوه والمتآمر عن هذا الارتباط العضوي بين قضية فلسطين وبين الوحدة، وتسليمها بواقع التجزئة والعمل القطري هو التعبير عن هذا السكوت.

        ولقاء الرضى والتقدير والدعاية في الأوساط العربية والدولية، تطالب هذه الجهات جميعها العمل الفدائي بتجاهل الارتباط العضوي بين تحرير فلسطين وحركة الثورة العربية، والاكتفاء بطرح المسألة على نطاق المعونة والنخوة والنجدة الأخوية.

        إن المطلوب تكرار تجربته اليوم، قد جربه العرب خلال خمسين عاما. فمنذ يوم وعد بلفور، ومن الثورة الفلسطينية المتعاقبة، وحرب عام 1948، وسلسلة الأحداث التي أوصلت إلى قيام دولة إسرائيل، اتضح عجز الثورات التي بقيت محاصرة ومخنوقة.

حرب التحرير الشعبية:
         إن الرد العربي على الغزو الصهيوني الاستعماري الذي يحمل المناعة في وجه تآمر القوى المعادية لفك العمل الفدائي عن الثورة العربية هو في رفع كل مستويات الثورة العربية ونواحيها لتتجمع وتتركز وتتلخص في الكفاح الشعبي المسلح صعودا به نحو تحقيق حرب التحرير الشعبية.

        إن حرب التحرير الشعبية لا تكون قد انطلقت فعلا واستحقت هذا الاسم، إلا عندما تأخذ المقاومة العربية حجمها الشعبي الضخم، واضعة ثقل التفوق العددي عند العرب، في وجه التفوق التكنولوجي الاستعماري والصهيوني، آخذة صورتها الحقيقية كمد عربي واسع وجارف يصادم مجموعة عنصرية مصطنعة ومجلوبة من أطراف العالم، وقواعد استعمارية عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية مزروعة زرعا في الأرض العربية، مستخدمة كل الإمكانات والطاقات والوسائل الهائلة التي يمتلكها الشعب العربي كله.

        إن مهمة هذه الحرب الشعبية أن تجند الشعب العربي  كله، عن طوع وحرية، وتدخل كل عربي في المعركة جنبا إلى جنب مع الجيوش العربية التي هي في تكوينها شعبية وكادحة، وفي روحها باسلة ومؤمنة، انطلاقا من أن هذه المعركة تحتاج إلى اشتراك كل عربي فيها.

        إن حرب التحرير العربية، وهي تشكل تيار الكفاح المقدس ضد وجود العدو الاستعماري الصهيوني ومصالحه حيث كانت على طول امتداد الوطن العربي، تشكل إحدى الجبهات العالمية الأساسية في مقارعة الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وتبني الأساس الراسخ لمجتمع إنساني تسود فيه الحرية والسلام وينتفي فيه كل شكل من أشكال الاستغلال.

        لقد قصرت الحركة العربية الثورية في بناء الثورة العربية، لانها لم تعط هذه الثورة صورة الكفاح الشعبي المسلح، وسيبقى الكفاح الشعبي المسلح مقصرا عن الوصول إلى مستوى حرب التحرير الشعبية إذا لم  يتصل بمبادئ العقيدة العربية الثورية.

القومية والاشتراكية والديمقراطية:
         إن العمل الفدائي المؤهل لان يمثل وجود الأمة العربية الكامل في فلسطين، هذا الوجود الكامل الذي لا غنى عنه في تحقيق التكافؤ مع القوى الهائلة التي يضعها الاستعمار والصهيونية والرجعية في المعركة، هو الكفاح الشعبي المسلح المتصف بصفات القومية والاشتراكية والديمقراطية.

        إن قومية الكفاح الشعبي المسلح من شأنها أن تؤمن امتداد الوعي إلى كل أجزاء الأمة بالخطر على وجودها من الغزو الصهيوني والاستعماري والالتزام بالتصدي لهذا الخطر.

        إن توجه العرب نحو فلسطين يصنع الوحدة وهو يحرر فلسطين، وبقدر ما تعيد الوحدة لفلسطين حريتها، فان فلسطين تعيد للعرب وحدتهم. إن فلسطين هي طريق الوحدة والوحدة هي طريق فلسطين، وكل محاولة للفصل بين الشعارين ووضع الواحد في وجه الآخر هي أضعاف لمعركة التحرير وإساءة إليها مثلما هي أضعاف للوحدة وإساءة إليها.

        وبعد اليوم لن يقبل الشعب العربي وحدة إلا إذا كانت متوجهة منذ البدء نحو التحرير، ولن تقوم وحدة إلا على يد الجماهير المتوجهة نحو فلسطين. كما أن الشعب لن يصدق بقدرة جبهة على التحرير، إلا إذا سارت إليه بقوة الوجود العربي كله، أي بقوة الرابطة القومية المجسدة بأداة قومية وبتنظيم يضم مقاتلي الوطن العربي كله.

        واشتراكية هذا الكفاح هي وحدها القادرة على توعية جماهير الشعب العربي الكادحة، وتعبئتها تعبئة ثورية، ورفع مستواها وتنظيمها وكفاءاتها، عازلة بذلك كل الطبقات والمؤسسات والأنظمة المرتبطة تاريخيا بمصالح الاستعمار ووجوده السياسي والاقتصادي، والمتضررة من الأجواء الثورية التي يولدها الكفاح المسلح في فلسطين

<2>