إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



(تابع) رسالة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" إلى الشعب اللبناني حول الحوادث الجارية في لبنان
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 5،ص 441 - 444"

         ثانيا: اتخذ نشاط الفئة المشبوهة في قيادة الجيش نمطا متصاعدا في مواجهة العمل الفدائي وذلك في نهاية 1968. فإذا بقوات الجيش اللبناني تفرض طوقا عسكريا على منطقة الجنوب وتقوم بسلسلة من الإجراءات غير العادية لمنع وصول أي إمدادات للفدائيين وتبدأ بعمليات قصدها التحرش بالفدائيين. ورغم كل الأعمال الاستفزازية التي أقدمت عليها الفئة المشبوهة في قيادة الجيش اللبناني فإن الفدائيين احتفظوا بضبط النفس وقرروا عدم الاستجابة أو الرد على أي استفزاز بغية عدم الانجرار إلى ردود فعل محلية لا طائل تحتها ولا تخدم إلا تلك الفئة المشبوهة ومراجعها الإمبريالية.

         ثالثا: وحين تحرك الشعب اللبناني العظيم يوم 23 نيسان (أبريل) 1969 احتجاجا على تصرفات الفئة المشبوهة في قيادة الجيش وتعبيرا عن مساندته للثورة الفلسطينية بدأت تتكشف أول خيوط المؤامرة التي أعدتها السلطات المشبوهة. فقد أطلقت قوات الأمن اللبنانية بأوامر من قيادتها المشبوهة وبتواطؤ المسؤولين السياسيين المتظاهرين بتأييد العمل الفدائي نيران مدافعها الرشاشة على المظاهرات السلمية التي قام بها المواطنون في صيدا وبيروت وطرابلس وبر الياس، وكانت المجزرة المؤلمة التي سقط فيها حوالي 30 شهيدا.

         رابعا: لقد كان تدبير هذه المجزرة حدثا مفاجئا وغير مفهوم في أول الأمر إلى أن بدأنا نعى النيات المبيتة من وراء هذه المجزرة التي أعدتها الفئة المشبوهة في السلطة السياسية والعسكرية. فقد علمنا أن هذه الفئة المشبوهة تحاول الزج بالعمل الفدائي في قضايا لبنان الداخلية لتحقيق أغراضها الحقيرة سواء في تملق بعض المشاعر الطائفية أو في عقد تحالفات مع الأجنبي. فقررت الثورة الفلسطينية في ضوء هذه الاعتبارات أن تفسد الخطة على هذه الفئة وأن لا تفسح المجال للعابثين المجرمين أن يجروها مع سائر فئات الشعب اللبناني إلى مزالق الاقتتال والتناحر المحلي الذي لا طائل تحته.

         خامسا: رغم الدماء البريئة التي سفكت ورغم أن الفئة المشبوهة في قيادة الجيش والحكومة استطاعت أن ترفض مطالبة الجماهير بالتحقيق مع المسؤولين المجرمين الذين افتعلوا مجزرة صيدا وبر الياس وبيروت ورغم الحملة التشهيرية التي شنتها أجهزة الفئة المشبوهة ضد العمل الفدائي، رغم كل ذلك ومنعا لأية مضاعفات داخلية لا تخدم إلا إسرائيل والإمبريالية فقد رضيت الثورة الفلسطينية التفاوض مع السلطة اللبنانية تحت شعار التنسيق في شهر أيار (مايو) سنة 1969. وجاء المندوب الشخصي للرئيس عبد الناصر السيد حسن صبري الخولي للوساطة على هذا الأساس. ووصل بيروت وفد منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة السيد ياسر عرفات للتفاوض مع السلطات اللبنانية على هذا الأساس نفسه وهو التنسيق.

         ولكن الفئة المشبوهة نفسها عادت إلى رفض مبدأ التنسيق رغم تظاهرها بالموافقة بادئ الأمر. وقد تحملت الثورة الفلسطينية تدخلات هذه الفئة وأكاذيبها ونفاقها وتلونها واتخاذها لمواقف متناقضة، حرصا منها على الابتعاد عن المهاترات ومنعا لهذه الفئة من أن تستغل قضية العمل الفدائي لتحقيق أغراضها الإقليمية الضيقة.

         ولكن الثورة الفلسطينية وفاء منها لمبادئها ولدماء شهدائها أصرت على الاحتفاظ بحقها في حرية الحركة ضد العدو.

         سادسا: وتكررت بعد ذلك تحرشات الفئة المشبوهة بالعمل الفلسطيني والفدائيين الفلسطينيين وباللاجئين الفلسطينيين بدون مبرر وبلا انقطاع وتعمدت الفئة المشبوهة القيام بإجراءات استفزازية ضد مخيمات اللاجئين، فطوقتها وفرضت عليها إجراءات عسكرية صارمة واعتقلت عددا كبيرا من المواطنين الفلسطينيين. وفي الجنوب لم تنقطع استفزازات السلطة لحظة، سواء ضد السكان اللبنانيين في القرى الجنوبية الذين يعاونون الثورة الفلسطينية أو ضد قوات الفدائيين. وقد أصبحت استفزازات هذه الفئة المشبوهة ضد الثورة الفلسطينية وضد الشعب اللبناني مسألة يومية هدفها الواضح تفجير الوضع ودفعنا للاستجابة لهذه الاستفزازات اليومية. ومارسنا ضبطا للنفس غير عادي وذلك لمعرفتنا بنيات هذه الفئة المشبوهة وقصدها المتعمد بإشعال جو الاضطرابات والفوضى مبررا وحجة لتنفيذ مخططاتها في التسلط الداخلي. وتحملنا كل أذى هذه الاستفزازات وضغوطها اليومية حرصا منا على سلامة لبنان وسلامة الثورة الفلسطينية معا، وعدم جرنا لنكون طرفا في صراع داخلي ذميم على المغانم والأسلاب.

         سابعا: ولكن هذه الفئة التي هزمتها ثقتنا بالشعب اللبناني العظيم وسياستنا في ضبط النفس لم تكن لتقف عند حد. وقد حاولت هذه الفئة ارتكاب سلسلة من العمليات الإجرامية وفي مقدمتها مؤامرة لحرق بيروت تعزوها للمنظمات الفدائية وتجعل منها وسيلة وجسرا تعبر عليه لتنفيذ أطماعها من جهة ولتصفية العمل الفلسطيني من جهة أخرى. ولكن وعي الثورة الفلسطينية وتنبهها الكامل وترقبها الدقيق لكل التحركات المشبوهة استطاعت إفساد هذه الخطط ومواجهة الأجهزة التي تقف وراءها بكل شيء وتحميلها المسؤولية كاملة.

         ونحن لا نريد أن نخوض في تفاصيل هذه القضية الحساسة شعورا منا بضرورة تضييق دائرة الأزمة وإطفاء نيران الفتنة ونرجو أن لا تضطرنا تطورات الأحداث إلى كشف الستار عن كل شيء.

         ثامنا: وفي هذه الأثناء كنا نرصد سلسلة طويلة من الاتصالات جرت عبر حدود لبنان الجنوبية ولئن كنا الآن في صدد تحليلها ووضعها في إطارها الصحيح إلا أننا نجزم منذ الساعة بارتباطها بالمجزرة التي دبرتها الفئة المشبوهة في الجيش ضد أهالي مجدل سلم والفدائيين وارتباطها بالخطة الأساسية التي تستهدف تفجير الوضع الداخلي لأغراض تتصل بالصراع على السلطة عام 1970 من ناحية وتسديد فواتير محلية وعربية للمراجع الإمبريالية الأميركية من ناحية أخرى.

         وليست تصريحات ايغال آلون نائب رئيس وزراء إسرائيل، حول ضمان إسرائيل للوضع القائم في لبنان وبيانات وزارة الخارجية الأميركية وتحركات قواتها في منطقة شرق البحر المتوسط إلا مصداقا لما نقول في إطار الخطة الصهيونية - الإمبريالية - الرجعية المتناغمة لتطويق العمل الفدائي تمهيدا لضربه.

<2>