إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



(تابع) التقرير العسكري الذي أعدته اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي وقدمته إلى المؤتمر القومي
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 577 - 579"

          وفي 8 نيسان (ابريل) الماضي وقبل مرور شهرين على الجريمة الأولى، قامت إسرائيل بجريمة أخرى، فضربت مدرسة بحر البقر الابتدائية وقتلت 31 مدنيا من بينهم 30 تلميذا أعمارهم ما بين السادسة والثامنة عشرة، دفنوا جميعا في جحيم من النيران تحت الأنقاض.

          ان الجرائم البشعة التي هزت ضمير العالم والتي كانت تستهدف تدمير الانتصار المصري وإشاعة الخوف والذعر بين المدنيين، لم تكسر صمود الشعب المصري ولم تقلل من ارادة النضال فيه، بل على عكس ما توقع التخطيط العدواني، كانت حافزا لزيادة الإصرار والتصميم على ملاقاة العدو في كل مكان وعلى إفساد مخططاته.

          لقد استطاع شعبنا واستطاعت قيادتنا وقواتنا المسلحة، في ظروف حسب العدو انه وصل بها إلى تحقيق مخططه العدواني وفرض الاستسلام على شعبنا، استطاعت هذه الارادة المجتمعة والمتلاحمة ان تدعم من دفاعاتنا الجوية في عمق الأرض المصرية، حماية لمصانعنا التي بناها الشعب بالعرق والتضحية، وحماية للمدنيين الذين تفرض كل القوانين الدولية والإنسانية، حتى على العدو، عدم تعريض سلامتهم للخطر في وقت الحرب.

          لقد كانت الاستراتيجية التي رسمها العدوان المتآمر للوصول إلى غايته المرسومة في فرض الاستسلام علينا، تعتمد أساسا على الغارات الجوية ذات الثقل، لضرب مواقعنا في القناة، وضرب الأهداف العسكرية والمنشآت الاقتصادية في عمق الأراضي المصرية، وإشاعة الخوف والفزع والذعر بين المدنيين، وكان نجاحنا في دعم دفاعاتنا الجوية في الصمود إيذانا بتقويض هذه الاستراتيجية العدوانية، و إيذانا بانحسار زمام المبادرة من يد العدو، الذي استمر يتشدق طويلا بان طائراته النفاثة ستظل تطير فوق القاهرة أو أي مكان في مصر ولن تلقى أدنى مقاومة.

          ولجأ العدو بعد فشل غاراته في العمق إلى آخر محاولة يسلكها منعا لإرادة التحرير العربية، من ان تستغل تحركها للوصول إلى هدفها النهائي، وذلك بالغارات الكثيفة بعشرات طائرات الفانتوم والسكايهوك التي تلقي بالاف الأطنان من القنابل الأميركية يوميا، على جبهة القناة، على توقع ان يؤدي ذلك إلى عدم التمكن من إقامة الدفاع الجوي القوي على خط المواجهة في قناة السويس، وبالتالي عدم التمكن من استكمال القدرة على التحرير.

          على ان قواتنا المسلحة ماضية في عزم الرجال وصلابة الأبطال، في ملاقاة العدو في كل موقع، بخبرات قتالية تتزايد يوما بعد يوم، وتتصاعد معها قدراتها على ضرب مناورات العدو وافساد خططه، مهما استخدم فيها من أحدث وسائل التفوق العلمي والتكنولوجي. التي تمده بها آلة الحرب الأميركية. ينم عن ذلك حصاد الأيام الخمسة الأولى من شهر تموز (يوليو) الحالي التي أسقط فيها أبطال دفاعنا الجوي خمس طائرات فانتوم، وثلاث طائرات سكايهوك.

          لقد جرى خلال هذا العام المزيد من تحديد مجالات الحركة أمام العدو حتى يكاد ينحصر مسرح عملياته الأساسي في منطقة المواجهة على امتداد قناة السويس، وهو يلقي في هذه المنطقة بكل ثقله وبتفوقه الجوي، مستعينا بكل ما وصل اليه العلم الاميركي، ومزودا بأحدث المخترعات الالكترونية التي توصلت اليها الولايات المتحدة الأميركية، في معركة محمومة لا يتردد فيها عن المخاطرة بأي عدد من الطائرات ما دام تعويضها مؤكدا من جانب الولايات المتحدة الاميركية، وصولا إلى هدفه في شل قدرة الجبهة المصرية وحركتها من أجل الانتقال إلى مرحلة التحرير. والعدو يعلم ان كل عجز أو قصور عن تحقيق هذا الهدف سوف يجعله عاجزا تماما عن مواجهة مرحلة حرب التحرير. وهو لذلك يقامر بآخر اوراقه في مواجهة التصميم المصري على انتزاع المبادرة منه هذه المرة أيضا.

          ان أبناءنا في القوات المسلحة الذين يعطون من الجهد والتضحية أكثر مما يخطر على خيال، في هذه المرحلة المصيرية من مراحل المعركة، ومعهم أبناء الشعب العامل في مواقع العمل التي تحتاج إلى عهد العطاء وبذل الفداء،  يمثلون الجدار الصلب الذي ستتحطم عليه خطط العدو.

          ان العدو وهو يقامر، يعرف جيدا انه لن يستطيع الاستمرار في هذه المقامرة ولذلك ترتفع صيحاته اليوم بدعوة مفتوحة لتدخل أميركي سافر، تحت دعوى من الكذب والتمويه بان الخبراء السوفييت هم الذين تسببوا في اسبوع تساقط الطائرات في تتابع سريع على جبهة قناة السويس، هذا الكذب والخداع الذي لم يصدقه أحد حتى الذين روجوه.

<2>