إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



(تابع) تصريح لمصدر مسؤول في بغداد حول رسالة الرئيس جمال عبد الناصر إلى الرئيس العراقي أحمد حسن البكر
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 635 - 638"

تحشده وعلو همته ومعنوياته ومقدار كفاءته. ثم جاءنا أخوة سودانيون وليبيون آخرون فاستنكروا اتهام العراق، واستغربوا أيضا استمرار حملة التشكيك، وظهر أخيرا انها حملة تمهيد للاستسلام. وكنا في ملامح تقدير الموقف نرى انه من خطل الرأي ان يقف ستمائة وخمسون ألف جندي عربي وراء قناة السويس والتي طولها مائة ميل بينما يترك الأردن وجبهته ستمائة وخمسون كيلو مترا يعتمد على قوة اقل، وأوضحنا في مؤتمرات سابقة أهمية الجبهة الشرقية وعدم جدوى التقدم في سيناء لوجود صعاب ومحاذير كثيرة الا ان المصريين كانوا يرفضون ذلك. وأخيرا تبين انهم غير جادين في الحرب وكانوا يريدون الخلاص بمقترحات أميركية أو غيرها.

          وجاء في رسالة الرئيس عبد الناصر انه لم يكن في استطاعته ان يترك فرصة للتحرك تلوح أمامه انتظارا لأفكار لم تتبلور بعد، ولم تتحدد وسائل تنفيذها، ولم يقم دليل على ان القائلين بها على استعداد لتدعيم ما يقولونه بالتنفيذ العملي لالتزاماتهم.

          ان الرئيس عبد الناصر والسادة الرؤساء في مؤتمر طرابلس وأعضاء الوفود يعرفون كيف ان الوفد المصري برئاسته كان هو السبب في منع هذه الأفكار من التبلور، وهو يعلم بانه لم تطرح في مؤتمر طرابلس الأول أفكار مشتتة بل مشروع متكامل يهدف التحرير الكامل لفلسطين. ومن المؤسف ان الرئيس عبد الناصر كان المعارض الرئيسي للمشروع ورفض أية فكرة للهجوم والتحرير. وحتى بعد ان أجبر على ذلك فانه قال لبعض الرؤساء انه لا يلتزم بما وقع عليه.

          وأما بصدد المسيرة التي جرت في بغداد فأعجب العجب ان يحتج عربي على ان تتصرف الجماهير العربية الفلسطينية والعراقية، وهي الجريحة بآثار النكبة، باتجاه رفض ما يراد لها من ذل وعبودية أبدية. كما لم نسمع سيادته يرفع يد الاحتجاج حين جرى مثل هذا في الأردن ولبنان ومصر نفسها، وحين وصلت العواطف إلى ابعد مما جاء في العراق وإلى الحد الذي تعرض لشخص سيادته.

          ويبدو ان الرئيس عبد الناصر اراد من وراء احتجاجه اتهام جماهير الأمة العربية بانها مسيرة وغير مخيرة، وأنها لا تتحسس قضاياها المصيرية دون محرك لها أو تحريض، وذلك لإيهام الرأي العام العالمي والعربي من أن الأمة العربية توافقه على قبوله الحلول الاستسلامية، وان ما جرى كان بفعل التحريض.

          وهنا لا بد من ان نلفت انتباه سيادته إلى ان مسيرات بغداد هي الوحيدة من بين المسيرات والمظاهرات التي عمت ارجاء الوطن العربي والتي لم تجر فيها هتافات ضده، ولم تمزق صوره، كما حدث في المظاهرات الأخرى المشابهة في عمان ولبنان ومناطق أخرى.

          ان هذه الجماهير كانت تساعد الرئيس المصري لكي ينهض من كبوته فلا يلجأ إلى مزيد من التنازلات المهينة للأمة العربية والتي يأنفها الشرف العربي. هذا علاوة على ان المسيرة نظمها ودعا اليها رجال المقاومة باعتبارهم الممثلين الحقيقيين لشعب فلسطين بعد ان أقدمت سلطات الرئيس عبد الناصر على غلق مقراتهم ومطاردتهم في مصر وغلق اذاعاتهم.

          اما ان يطلب منا الرئيس المصري ان نضغط على عواطف الجماهير ونكبت ارادتها الحرة الملتهبة ونمنعها من الانطلاق لانها تعبر في موقفها المتمرد هذا عن موقف مناقض لموقفه فهذا ما لا نؤمن به ولم يكن يوما من سلوكنا.

          وجاء في رسالة الرئيس المصري ما يستلفت النظر ويثير العجب، فقد قال سيادته انه يتساءل لماذا لم تتلق القوات العراقية في الجبهة في أي وقت من الأوقات أمرا بالاشتباك مع العدو.

          ونسى الرئيس المصري ان الذي يصدر الأمر هو وزير دفاعه الفريق أول محمد فوزي القائد العام، ونسي سيادته ان أمور الحرب ليست فوضى يقوم بها كل حسب هواه، فهناك القيادة العامة وهي مصرية، وهناك قيادة الجبهة الشرقية لقيادة القطاعين السوري والأردني، وان القطاعات العراقية بامرة القطاع الأردني عند تواجدها في الأردن.

          ونسى وهو العسكري بان لهذه القوات العراقية واجبات حددتها مؤتمرات وزراء الدفاع ورؤساء الأركان، ونسي السيد الرئيس عبد الناصر ان قائده الفريق اول محمد فوزي كان يرفض أن تتحرك الجبهة الشرقية حتى ولو هوجمت الجبهة المصرية، ويرفض ان تقوم الجبهة المصرية بالتحرك اذا ما حصل هجوم على الجبهة الشرقية. والانكى من ذلك انه رفض حتى مساعدة القطاع الأردني للقطاع السوري او بالعكس عند حصول اعتداء على أحدهما. وقد نوقش كثيرا في هذا الموضوع من قبل الممثلين العراقيين في مؤتمرات وزراء الدفاع ورؤساء الأركان وببرقيات وكتب رسمية ونداءات تلفونية كان فيها الجيش العراقي مثالا للنجدة والتضحية وكان نصيبنا السكوت أو الرفض أو التعنيف كما جرى في مؤتمر طرابلس الأول عندما طرح تحرك القوات العراقية خلال العدوان الصهيوني على جنوب لبنان لاننا هاجمنا دون ان نستلم أوامر من القائد العام لنجدة لبنان.

          ان من المؤسف جدا ان يتعرض السيد عبد الناصر إلى الجيش العراقي البطل الذي يشكل مفخرة للأمة العربية

<2>