إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



( تابع ) بيان الشيخ بيار الجميل، رئيس حزب الكتائب اللبنانية، أمام المؤتمر العام السابع عشر للحزب في 27 سبتمبر 1974

جريدة " النهار "، العدد الصادر في 28 سبتمبر 1974، ص 3 - 4.

الثورة  أخطار هذا التورط، إلا متأخرة، بعدما اكتمل تقاسم دور الدولة ومسؤولياتها، وانتشرت ظاهرة التسلح والسلاح والميليشيات. وكانت هذه الحال. وكان الوضع الشاذ الذي ينذر بأوخم العواقب، فما العمل؟

         قبل كل شيء، إن الحملة على الميليشيات، لئلا تكون ظالمة، يجب أن تستهدف مباشرة أسبابها البعيدة القديمة، وإلا بدت تحريضاً يزيد من حجم الميليشيات بدلا من أن يقلل منه ويرده إلى أصغر الأحجام. ولو أنصفنا، لاعتبرت حملتنا نحن بالذات على الوضع الشاذ، حملة مباشرة وفعالة على الميليشيات، ونحن، في أي حال، ضد مبدأ العنف في الصراع، ضد الثورة المادية، ضد الميليشيات ونعتبر أيضا أن بلداً يكون السلاح فيه في يد ليست يد رجل أمن، لهو بلد في منتهى التخلف وأقرب إلى الجماعة القبلية منه إلى المجتمع المتحضر.

         يبقى هنا أن نبحث عن صيغة تعيد للدولة أدوارها، دورها الأمني على الأقل منعاً للفتنة التي تؤذي الثورة بالمقدار الذي تؤذينا نحن بالذات. وهي محاولة لم تعد مستحيلة في نظرنا بعد ما زالت الأسباب وتلاشت الأصوات التي كانت توحي إلى الثورة أن الدولة تعمل على تصفيتها! فهل من المتعذر أن نتعاون، ( الثورة ) ونحن، وكل من له علاقة بهذا الشأن، على إقامة سلطة قوية فعلية فوق الأراضى اللبنانية، نرتاح إليها، لبنانيين، وفلسطينيين، ويطمئن الجميع إلى قدرتها على حماية أرواح الناس وكرامتهم، وعلى حماية الثورة وكرامتها؟ نحن، في أي حال، على استعداد للتنازل عن كل ما آل إلينا من أدوار الدولة في حماية أنفسنا، عن الميلشيات وصلاحها، عند أول بادرة تؤكد لنا أننا، فعلاً، في حمى الدولة. فالتسلح والسلاح ليس هواية عندنا، ناهيك بأن همومنا هموم جماعة تريد لبنان وطنا مستقراً ودولة في المعنى الصحيح، فلمثل هذا كانت الكتائب. ولم يخطئ الذين قالوا عنها مرة إنها ( حزب الدولة )، ولو كان ذلك على سبيل المزاح، ولكن هل بمجرد أن ألغينا الميليشيات أو تنازلنا عنها للسلطة، تصبح هذه فعلاً قوية قادرة والسلامة مؤمنة؟! لو كان هذا الافتراض صحيحاً، لكانت السلطة قد تصرفت، تلقائياً، بما يوحي بذلك، فيسقط مبرر الميليشيات، أو تسقطه هي بنفسها، لإرادتها القوية الصريحة! لكن المسألة إن قدرة الدولة لا ترتهن بخضوعنا نحن لها واطمئناننا إليها، إنها تحتاج إلى خضوع الأفرقاء الآخرين واطمئنانهم أيضاً.

         فلنتصرف جميعاً على هذا الأساس، إلا إذا كانت الثورة على وشك أن تنتصر، و( العودة ) قد باتت قريبة. فلا معنى، في هذه الحال، لإنهائها عن الأهم؟- كما يحار بعضهم أن يقول، وانسب لنا ولها، ان نتركها تحصر جهدها في اتجاه مؤتمر جنيف، والأمم المتحدة حيث تنتظرها المعركة الديبلوماسية الفاصلة! وهو منطق مقبول فيما لو كانت الطريق إلى جنيف وسواها، طريقاً مأمونة. العكس هو الصحيح. فلأن المرحلة مرحلة حسم، والمعركة الدبلوماسية على أشدها، يكون ضرب المقاومة أفضل وسيلة لعرقلة تقدمها. فإذا أمنها في لبنان، وأمن لبنان أيضاً، شرطان أساسيان لضمان الفوز في المعركة ونتائجها. وماذا أيضا لو تأجل موعد الحسم وتأخرت العودة وطال الانتظار وطالت الثورة أيضا واستمرت أوضاعها هذه الأوضاع؟ في مطلق الأحوال، لا غنى لها ولنا عن حد معين من التضامن فيما بيننا، كي لا تكون يوما حملاً ثقيلاً على لبنان يتأفف منه ويتبرم. ولا غنى عن التضامن هذا أيضاً، كي لا نظل نعاني ظروف الثورة ونتائجها من دون أن تكون لنا يد أو كلمة في ما تخطط له وتبنى. فإذا كان المصير مشتركاً إلى هذا الحد والخلاص أيضاً، أو الهلاك، فمن بديهيات الشركة ألا تكون حصتنا فيها حصة الفريق الذي يعاني ولا يسأل.

         ألسنا شركاء فى ( رأس المال ) وشركاء فى الجهد كذلك، وفي المجازفة والرهان وفي الأرباح والخسائر، وربما الخسائر قبل المكاسب؟ فكل خطوة تقررها الثورة، ترهن خطانا وتؤثر في مصيرنا، الأمر الذي يقضي بألا نكون

<11>