إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



الجلاء في عهد الثورة
1 - محاضر المفاوضات - تابع (1) محضر الاجتماع الذي عقد في رئاسة مجلس الوزراء يوم 27 أبريل 1953
"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 704 - 712"

البريطانية من الناحية المادية. كرمز للكفاح المرير الذى ليس له ما يبرره بين شعبى مصر والمملكة المتحدة، فإن هناك ناحية أخرى أخطر فى طبيعتها من الناحية الأولى. وإننى أقصد بذلك أزمة الثقة التى اقتلعت أساس التفاهم والصداقة بين الشعبين. وكانت النتيجة أن نشأت مشكلة لها الصدارة بين مشكلات العالم.

          وما اجتماعنا اليوم إلا تعبير عن رغبتنا فى حل تلك المشكلة وتسويتها نهائيا على الوجه اللائق وبدون تسويف، حتى لا يفوتنا القطار وتتضخم المشكلة ويفلت زمامها من أيدينا فتفشل محاولاتنا لإيجاد حل سلمى لها.

        فليس أمامنا سوى طريقين علينا أن نختار بينهما. أحدهما التمادى فى عدم الثقة والاستمرار فى الصراع حتى يتم انسحاب القوات البريطانية الذى ليس منه بد، تاركا وراءه العداوة والبغضاء. والآخر طريق الحقائق وبعد النظر، الطريق الذى يؤدى سلميا إلى هذا الانسحاب، والذى يعيد لنا الثقة والوفاق. ولست أذكر إلا لماما فى تاريخ العلاقات الدولية موقفا يبدو فيه طريق الاختيار واضحا مثل موقفنا هذا.

        ولم أكن فى حاجة إلى القول بأن الدافع لمحادثاتنا الحاضرة هى رغبتنا فى إزالة السبب الرئيسى لسوء التفاهم والمانع الأساسى للوفاق بين بلدينا، وهذا السبب وهذا المانع هو وجود قوات بريطانية على أرض مصرية. وكلما أسرعنا فى وضع حد لهذا العامل الهادم لعلاقتنا كان هذا أفضل، حتى يسود الوفاق، وتقوم الثقة المرتقبة بيننا على دعائم أقوى، ونجنى ثمار الإخاء كأعضاء فى مجموعة الدول الحرة.

        إن مصر الحرة القوية الحاصلة على حقوقها، لهى بدون شك حصن أفضل للأمن والسلام مما إذا كانت مقيدة بالأغلال، مثقلة بالأحمال، تستفزها قوات أجنبية ترابط فى أرضها. وإنى أناشدكم ألا تذكروا كلمة الفراغ المزعومة، التى يقال إنها ستنتج عن انسحاب القوات البريطانية عن مصر. وإنما الفراغ العميق والذى ينذر بالسوء حقا لهو الفراغ الناشئ عما سوف يحدثه الموقف الحالى من هدم وتخريب. فإن النوايا الطيبة والصداقة الوطيدة لتتحطم نهائيا بين أى جماعتين، ما دام أحدهما يحاول أن يفرض نفسه بالقوة على الآخر. فلنزحزح إذاً هذه الصخرة التى تعوق طريق التفاهم بيننا. ولننحها فى الحال ولنتطلع إلى آفاق جديدة.

        إن مصر، مصر الحرة، لسوف تتطور بسرعة وبقوة حتى تستطيع أن تملأ أكثر من الفجوة التى تتخلف عن انسحاب القوات البريطانية. فلسوف، تملأ هذه الفجوة لا بالقوات والمعدات وحدها بل بحماس أبنائها المتدفق المنبثق عن كلمة الحرية السحرية؛ وهذا الحماس لا يقل أهمية عن القوات والمعدات. وإن مصر لتؤمن إيمانا قويا باعتمادها على نفسها، وهى عازمة على أن تكرس قواتها بسواعد أبنائها ومواردها فى أرضها لإنشاء قلعة سلام وأمن تصد أى عدوان. كما

<2>