إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) خطاب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في أبناء فلسطين بمنطقة أريحا
"الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1965، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 1، ص 78 - 82"

والصعوبات. والمنعرج لا ينتبه اليه في غالب الاحيان من تسيطر عليهم العواطف لان العاطفة تأبى الا ان تسير في خط مستقيم لكن عندما يدرك الزعيم ان الخط المستقيم لا يمكن ان يوصل الى الغاية فانه يضطر لاتباع المنعرج فيبدو في الظاهر وكأنه ترك الهدف جانبا الأمر الذي يثير ضجة الاتباع وفي هذه الحالة يجب على القائد ان يفهمهم انه اضطر الى ذلك اضطراراً وانه سيعود الى الطريق بعد اجتياز الصعوبة التي واجهته وتسلق الجبل الذي اعترضه وان يقنعهم بأن امكانياته المتواضعة فرضت عليه ذلك وانه لن ينسى الهدف بل سيواصل بعد تخطي تلك العقبات السير حتى يصل اليه.
        ويبدو ان هذا الامر قد تعذر على كثير من الزعماء العرب. والواقع ان الكارثة التي منينا بها ووقوفنا على حدود فلسطين العربية دليل على ان القيادة لم تكن موفقة فان عجز الجيش عن تحقيق النصر مع توفر الحماس يدل على خطأ القيادة وبدون شك وكما قلت لكم فاننا نعمل بجد واجتهاد على رفع مستوى القيادة وجعلها في مرتبة مسؤولياتها  بالاجتماعات الدورية وبمؤتمرات القمة وغيرها لكن هذا وحده لا يكفي بل لا بد لامثالكم سواء في المشرق او في المغرب من ان لا يعرقلوا بحماسهم المتدفق عمل القادة وان لا يدفعهم تمسكهم بالخط المستقيم الى وضع الصعوبات في طريق تنفيذ الخطة التي ربما استقر عليها رأي الساسة. ولا شك في انه لا يمكن لاي زعيم عربي يتهم لحديثه عن الحل المنقوص أو عن الحل الوقتي بالخيانة ويوصف بانه صنيعة الاستعمار ان يواصل عمله في اتون من المهاترات.

         ولكي لا يعطل الشعب تنفيذ الخطة يجب ان تكون له - وهذا ما توفر في تونس والحمد لله - ثقة في زعمائه وفي قادته وفي المسؤولين حتى يمكنهم من حرية التصرف والوصول الى الهدف. وقد حدث لي كثيرا أن اضطررت سعيا وراء التحكم في بعض المواقف إلى الموافقة على تحقيق غاية من الغايات في عدة مراحل وعندما كان الشعب يبدي شيئا من الاحتراز نقنعه بان لا بد من التمسك بحبل التعقل والتفهم والاعتقاد بان المعركة لا بد ان تكلل بالنصر وخصوصا وان الخصوم اصبحوا منهارين وعلينا ان نواصل تشتيت صفوفهم  من جهة وكسب بعض الانصار من جهة ثانية وهذا لا يمكن ان يتم اذا تمسكنا بسياسة (الكل او لا شيء) التي اوصلتنا في فلسطين الى هذه الحالة واصابتنا بهذه الهزائم خصوصا وقد ابينا الا ان نتجاهل وجود اليهود والا ان ننكر التطورات والمعطيات الجديدة والا ان نستهين بما حققه اليهود ونبالغ في تقدير قوة العرب وكفاءة جيوشهم.
        وما كنا لننجح في تونس خلال بضعة سنوات لولا اننا تخلينا عن سياسة (الكل او لا شيء) وقبلنا كل خطوة تقربنا من الهدف رغم ان فرنسا كانت ترضى بها على اساس انها اخف الضررين وظنا منها انها ستبقى وتضمن بذلك التوازن وما بقي من نفوذها

<3>