إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس جمال عبدالناصر، في اجتماع دعا إليه الاتحاد العام للعمال

الانحرافات ولكن ذلك كان لابد من علاجه بأسلوب يأخذ في اعتباره الكثير من الملابسات والأوضاع. قلت لكم إن هذه الطبقة العسكرية السياسية كانت قد وصلت إلى حيث اعتبرت نفسها وريث شرعي للثورة أو بمعنى أدق وريث للحكم أو بمعنى أكثر تحديداً إن الثورة بالنسبة لهم أصبحت هي الحكم، والحكم بالنسبة لهم أصبح مظاهر ومغانم. وبعد النكسة، بعد 9 و10 يونيه هذه الطبقة أدركت إنها تواجه اختبار حياة أو موت، وحين أصدرت القرار يوم 11 يونيه بتغيير كل قيادات القوات المسلحة، فإن هذه الطبقة وجدت إنها سوف تفقد كل شئ واستغلت هذه الطبقة كل مقدس حتى الصداقة بين الأخوة، وكل شئ كنا نعرفه، وبدأ الأمر في التفكير في الاستيلاء على سلطة القيادة العليا للقوات المسلحة، كان تفكيرهم كله في السلطة، وكان تفكيرهم كله في مراكزهم، وكانت هذه بالنسبة لي معركة جانبية مرهقة ومضنية. ولأن هذه المعركة اشتركت فيها عناصر من القيادة العامة السابقة ومعها عناصر من إدارة المخابرات العامة في أوضاعها السابقة، وكان لابد أن نقبل المواجهة مع هذه العناصر والتي كشفت الظروف عن انحرافاتها.

          وهكذا كان التحرك لضرب المؤامرة، وكان التحرك في نفس الوقت لإعادة جهاز المخابرات إلى وظيفته الطبيعية للعمل ضد أعداء الوطن وليس لمجرد السيطرة داخل هذا الوطن. وأنا زي ما قلت لكم بالنسبة لهذا الموضوع تجئ دور المحاكمات، المحاكمات أثارت كلام كثير، وأنا عارف إنها أثارت كلام كثير، وكنت عارف من البداية إنها سوف تثير الكثير من الكلام. كان في استطاعتنا زي ما قلت لكم إن إحنا نأجل المحاكمات أو نخلي المسئولين في الاعتقال إلى حين إزالة آثار العدوان، وكان من الممكن جعل المحاكمات سرية. في الحقيقة زي ما قلت لكم إن أنا رفضت، كنت أريد بكشف مراكز القوى القديمة أن يكون واضحاً أن مجتمعنا بعد تجديد الثورة في 9 و10 يونيه لم يسمح بمراكز قوى جديدة. لأن أي مراكز للقوى مهما تصورت إنها دعمت نفسها بوسائل السلطة سوف تقع يوماً تحت طائلة العقاب. وهذا معناه له أهميته في رأيي، وكنت من ناحية أخرى أريد بالمحاكمات أن تكون إعلاناً واضحاً بأن الثورة قادرة على أن تبرئ نفسها من كل انحرافات وأن تكون المحاكمات نفسها رمزاً ومعنى جديداً هو نفسه معنى العزم على صيانة الطهارة الثورية والنقاوة الثورية. وكنت من ناحية ثالثة، وهذه نقطة هامة في تقديري، أريد أن تكون المحاكمات العلنية بمثابة عملية نقد ذاتي تقوم بها الثورة لنفسها. كان في استطاعتنا أن نخفي أن ما كشفته المحاكمات، وكان في استطاعتنا حرصاً على سمعة الثورة أن نحيط كل شئ بالكتمان. لكن ذلك في رأيي معناه خطأ سياسي فادح، كان لابد للثورة أن تقوم بعملية نقد ذاتي لنفسها، إن ذلك حدث في إطارها وفي حكمها، وإن ذلك أمكن حدوثه في عهدها. إن القصاص الشريف والكريم كان يحتم مثل هذه العملية في النقد الذاتي.

          فإذا لم تكن الثورة قادرة على أن تمارس النقد الذاتي بالنسبة لنفسها وبالنسبة لقوى كانت تنتمي إلى صفوفها وإن كانت قد تخلت عن مبادئها. إذن فهي ثورة غير قابلة للتجديد، تجمدت وتحجرت، وهذا أخطر ما يصيب الثورات. وبصرف النظر عن المرارة التي أحس بها وأنا أتابع وقائع المحاكمات، ولقد كانت هذه المرارة بالتأكيد لدى كل الشعب بمثل ما كانت لدي. فإنني أعتز بأننا استطعنا بواسطة المحاكمة أن نقوم بهذه

<17>