إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الكويت منذ النشأة حتى الاتفاق البريطاني ـ العثماني، عام 1913





أمراء أسرة الصباح
نسب آل رشيد
حكام الكويت من أسرة الصباح
حكام بني خالد

منطقة "كاظمة" القرين
آسيا التركية
الخليج العربي عام 1774
الكويت تحت اسم الكويت والقرين
الكويت عام 1863
الكويت في 29 يوليه 1913
الكويت في 29 يوليه 1913(إنجليزية)
الكويت في أواخر القرن التاسع عشر
توزيع القبائل العربية في الخليج
خريطة هولندية



ثانياً: كيان الكويت المتميز، واستقلالها عن الدولة العثمانية، وعلاقاتها بالقوى المجاورة

ثانياً: كيان الكويت المتميز، واستقلالها عن الدولة العثمانية، وعلاقاتها بالقوى المجاورة

1. الكيان المتميز

يمكن الاستدلال على أن الكويت، استطاعت أن تحقق لنفسها كياناً ذاتياً مستقلاً، ومتميزاً، من خلال تحليل بعض الأحداث والوقائع التاريخية التي تؤكد صحة ذلك. ولعل أول ما يلفت النظر، اعتماد الكويتيين على أنفسهم، في حماية بلادهم وأموالهم وأرواحهم من الهجمات الكثيرة، التي كانوا يتعرضون لها، خاصة من قبائل بَني كعب، والمنتفق، وغيرها من القبائل، التي كانت كثيراً ما تغِير على الكويت، من دون أن يتلقوا عوناً أو مساعدة من السلطات العثمانية، في البصرة، أو في بغداد، لصد تلك الإغارات. بل إن أهالي الكويت شيدوا، عام 1760، في عهد الشيخ صباح الأول بن جابر، سوراً من الطين حول مدينتهم، يعصمهم من مهاجميهم، بلغ طوله 750 متراً، وجعلوا له ست بوابات، أو دروازات، وكان كافياً، آنذاك، لحماية الكويت.

وعلى الرغم من الفترة المبكرة، التي ظهرت فيها الكويت، فإن حكامها بدأوا يقيمون علاقات بينهم وبين القوى الأوروبية، الموجودة في تلك المنطقة، مثل الهولنديين والبريطانيين.

وقد بدأت العلاقات الخارجية المبكرة للكويت، منذ قيام المستعمرة الهولندية في جزيرة "خرج"، عام 1752، إذ ارتبط حاكم تلك المنطقة، البارون كيفهاوزن (Kuiphausen) ، بعلاقات وثيقة مع شيخ الكويت. كما أخذت السفن الهولندية تتردد على مينائها. وطلب كيفهاوزن، عام 1756، من رؤسائه، في شركة الهند الشرقية الهولندية، إقامة علاقات مباشرة بشيخ الكويت، صباح الأول بن جابر، الذي أثنى عليه وعلى حُسن معاملته السفن المارّة بمدينته. واللافت في تقرير كيفهاوزن ما أشار فيه إلى توسّطه، لدى شيخ الكويت، لتدبير سفر مجموعة من الإنجليز إلى حلب، عبر طريق الكويت الصحراوي. مما يوضح أن شيخ الكويت، كان في وضع يجعله يتعامل معاملة مستقلة مع حاكم المستعمرة الهولندية، وأنه كان قادراً على فرض شروطه.

وفي الحقيقة، أن الوكالات التجارية الأوروبية، العاملة في البصرة، كانت تنظر، دائماً، إلى الكويت على أنها خارج نطاق التبعية العثمانية، وأنها كانت تحتفظ، دوماً، بكيانها المستقل عن الدولة العثمانية. ومما يؤكد ذلك، الانتقال المتكرر للوكالة البريطانية، التابعة لشركة الهند الشرقية البريطانية، من البصرة إلى الكويت. فقد كانت المرة الأولى، التي انتقلت فيها الوكالة إلى الكويت، في أبريل 1793، واستمرت فيها حتى أغسطس 1795. وكان ذلك إثر خلاف بين مانيستي، مدير شركة الهند الشرقية، ومساعديه هارفورد جونز، وجون رينو، وبين السلطات العثمانية، مما جعلهم يتخذون قرارهم بنقل الوكالة من البصرة إلى الكويت، كإجراء تأديبي لتلك السلطات. وتكرر نقل الوكالة في مناسبات أخرى، بين عامَي 1821 و1822. ويرجع سبب الانتقال الأخير، إلى أن الجو السياسي في بغداد والبصرة، كان مهيأً لعداء سافر بين الوالي المملوكي، داود باشا (1817 ـ 1831)، والإنجليز. إذ تعمد الوالي إهمال نصوص "الفرمانات" العثمانية، المتعلقة بالامتيازات الأجنبية، وحين احتدم الخلاف بينه وبين كلوديس جيمس ريتش(Claudius James Rich) ، الممثل السياسي في المعتمدية البريطانية، في بغداد، حاصر داود باشا المعتمدية، في مارس 1821. وعلى أثر ذلك، أصدر ريتش، أوامره إلى النقيب تيلور (Tylor)، المسؤول عن الوكالة التجارية البريطانية، في البصرة، بإغلاقها، والانتقال بها إلى الكويت.

وطبقاً لما جاء في تقارير شركة الهند الشرقية البريطانية، فإن النقيب تيلور، انتقل بالوكالة إلى جزيرة في الكويت، لم تحدد تحديداً قاطعاً، وأغلب الظن أنها جزيرة فيلكا. ولم يرجع إلى البصرة، إلاّ بعد أن أذعن داود باشا لمطالب الإنجليز. ولعل أبسط ما يستنتج من ذلك، أن تبعية الكويت للعثمانيين، كانت واهية، إذ لم تكن خاضعة لنفوذ أي من والي بغداد، أو والي البصرة، وإلاّ كان في مقدور أي منهما تضييق الخناق على الوكالة البريطانية، حتى بعد انتقالها إلى الكويت.

2. استقلال الكويت، في تقارير الرحالين الأوروبيين

سجل العديد من الرحالين الأوروبيين معلومات مهمة عن وضع الكويت، المستقلة عن الدولة العثمانية، خلال فترة حكم الشيخ جابر، وابنه صباح. ويبرز من بينهم الرحالة بكنجهام(Buckingham) ، عام 1816، الذي لفت نظره احتفاظ الكويت، دوماً، باستقلالها، في حين خضع كثير من مناطق الخليج الأخرى للحكم الأجنبي، مشيراً إلى البرتغاليين، والأتراك العثمانيين. وأكد أن سكان الكويت معروفون بأنهم أكثر أهل الخليج حباً للحرية والإقدام.

أمّا الرحالة ستوكلر(Stocqueler) ، الذي كان قد نزل بالكويت، وقضى فيها بعض الوقت، في فبراير 1831، فسجّل أن زعامة الكويت كانت لشيخها، الذي لم يكن في حاجة إلى الاحتفاظ بجيش دائم، لعدله وسماحته وشيوع الأمن في بلده.

وفي عام 1865، وصف الرحالة وليم بالجريف(William G. Palgrave) ، إمارة الكويت بأنها تتمتع بسمعة جيدة، في الداخل والخارج، وذلك بسبب إدارتها السياسية الحكيمة، فالضرائب على الاستيراد منخفضة، والسكان محبون للصداقة، ومرساها جيد، مما جلب إليها مئات السفن، وفُضّلت على غيرها من موانئ الخليج. ولعل من أهم ما أورده بالجريف، في خريطة شبه الجزيرة العربية، التي جاءت في صدر كتابه، رسمه حدود الكويت رسماً واضحاً، مشابهاً، إلى حدٍّ كبير، لحدودها الحالية.

أمّا المعلومات التي سجلها المقدم لويس بيلي(Lewis Pelly) ، فلها أهميتها الخاصة، لأنه لم يسجل عن الكويت ما هو متعارف عليه لدى الرحالين، فقد كان يشغل منصباً سياسياً مرموقاً، وهو إدارته للمقيمية البريطانية في الخليج (في الفترة من 1862 إلى 1872)، ومن ثَم، تكتسب تقاريره عن الكويت، خلال زيارته إياها، في بداية الستينيات من القرن التاسع عشر، أهميتها الخاصة.

ولعل التقرير، الذي وضعه حول الكويت، عام 1863، يُعد من أهم تلك التقارير على الإطلاق. إذ تحدث بيلي، في صدر تقريره، عن الحكومات في منطقة الخليج، وأيها تتبع شاه الفرس، وأيها تتبع السلطان العثماني. وذكر إمارات أخرى، تخضع لشيوخها العرب المستقلين، من دون خضوع لشاه أو سلطان. وكان من بين تلك الإمارات، إمارة الكويت، التي أفاض في الحديث عنها، وذكر أن سياسة حكّامها هي الحفاظ على الأمن والسلامة، في داخل المدينة وخارجها، وتنبّأ لها بمستقبل زاهر، كمرسى للبواخر، ومحطة للبرق.

وإضافة إلى الشهادات والتقارير، نجد أن الخرائط الجغرافية تبرز كيان الكويت المتميز، ويتمثل ذلك في خمس خرائط، من القرنين، الثامن عشر والتاسع عشر

أ. خريطة هولندية، رسمها الأخوان أوتنز(R.& J. Ottens) ، للدولة العثمانية وفارس. يعود تاريخها إلى أوائل القرن الثامن عشر. وتبدو فيها الحدود، بين منطقة الكويت والدولة العثمانية، واضحة تماماً. وظهر فيها اسم كاظمة الكويت، للدلالة على منطقة الكويت. (أُنظر خريطة هولندية)

ب. خريطة آسيا التركية. وهي خريطة فرنسية، تنتمي إلى جيل من الخرائط المتشابهة، ظهرت في منتصف القرن الثامن عشر. وقد رسمها هيراولي(Herauli) ، وطبعت في باريس. (أنُظر خريطة آسيا التركية)

ج. خريطة كارل ريتر(Carl Ritter) ، وهو عالم ألماني، يُعَدّ أحد مؤسسي علم الجغرافيا الحديثة. وقد جاءت صورة الكويت، ضمن خريطة شبه جزيرة العرب، نقلاً عن كتابه "علم الأرض"(Earth Science) ، الذي نشر في 19 مجلداً، بدءاً من عام 1817 إلى عام 1859. وتظهر الكويت على الخريطة تحت اسم الكويت أو القرين (Kueit or Korein) ، في دائرة تحيط بموقعها الحالي، وتضم جزيرتَي وربة وبوبيان، وأجزاء من جنوبي العراق.

    وهذه الخرائط مطبوعة في برليـن، ومحفوظـة في مكتبة جامعة "كمبريدجCambridge" ، تحت الرقم (Maps C. 336. 58. 1). (أُنظر خريطة الكويت تحت اسم الكويت والقرين).

د.  خريطـة شبـه الجزيـرة العربيـة، الـواردة في كتـاب الرحالـة وليـم بالجريف عن رحلاته في شبه جزيرة العرب، عامَي 1862 و1863. ومُيِّزت فيها الكويت بلون مستقل تماماً عن الوحدات السياسية الأخرى في المنطقة، والمتمثلة في الدولة العثمانية شمالاً، ونجْد جنوباً. ويلاحظ أن حدود الكويت الشمالية، تشتمل على جزيرتَي وربة وبوبيان، والجانب الغربي من الجزء الجنوبي من شط العرب، ويضم، كذلك، أم قصر ومعظم الفاو. (أُنظر خريطة الكويت عام 1863).

هـ..   خريطة فريدة، وردت في ( Harmsworth's New Atlas). وهي غير مؤرخة. ويعتقد أنها تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر. ويلاحظ فيها امتداد الكويت إلى داخل العمق العراقي. (أُنظر خريطة الكويت في أواخر القرن التاسع عشر).

    وتوضح هذه الخرائط الخمس، أن الكويت كانت قائمة، من وجهة النظر التاريخية، بكيانها الإداري، وحدودها السياسية، التي كانت واضحة المعالم، قبْل ظهور العراق الحديث.

3. التوازن في علاقات الكويت بالدولة العثمانية، والنفوذ البريطاني

شهدت السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، كثيراً من المتغيرات السياسية، التي أثرت في علاقات الكويت بالقوى المجاورة لها. لعل أبرزها استعادة الدولة العثمانية لسلطتها القوية في العراق، بعد أن نجح العثمانيون، الوافدون من الآستانة، في القضاء على النظام المملوكي فيه. فخلصهم من داود باشا، أخر أولئك المماليك، وأكثرهم نفوذاً. فضلاً عن تزايد النفوذ البريطاني، الزاحف من مسقط إلى الساحل الجنوبي للخليج، ونجاح البريطانيين في توقيع معاهدة الصلح البحري "معاهدة الصلح العامة. (أُنظر وثيقة ملخص لمواد معاهدة الصلح البحري البريطانية بين الجنرال وليم جرانت كير، وشيوخ الإمارات العربية، المطلة على ساحل الخليج، في شأن تنظيم قواعد الملاحة، وحركة السفن في الخليج في 21 يناير 1820) و(وثيقة أصل مواد معاهدة الصلح البحري البريطانية بين الجنرال وليم جرانت كير، وشيوخ الإمارات العربية، المطلة على ساحل الخليج، في شأن تنظيم قواعد الملاحة، وحركة السفن في الخليج في 21 يناير 1820) في 21 يناير 1820، مع شيوخ الإمارات العربية المطلة على ساحل الخليج، في شأن تنظيم قواعد الملاحة وحركة السفن في الخليج[1]  ، وما تبعها من فرض معاهدات الصلح البحري.

وقد جعلت تلك المتغيرات السياسية الكويت أمام خيارات صعبة، وهو ما دعا حكامها إلى التقدم خطوة في الطريق العثماني، وهو تقدم محسوب، على أساس أنه الطريق الأقل خطراً. فهو على الأقل لن يؤثر في "الوضع الخاص" للبلاد، ككيان متميز، والأهم من ذلك، أنه لن يؤثر في مصالح طبقة التجار، التي أصبحت تشكل العمود الفقري للحياة الاجتماعية في الكويت.

وفي ظل تلك المتغيرات، كان على حكام الكويت، أن يوازنوا علاقاتهم بتلك القوى، لا سيما العثمانيين والإنجليز. وقدِّر للشيخ جابر الصباح، أن يواجه تلك التحديات الجديدة. فأثبت أنه على قدر كبير من الكفاءة وبُعد النظر، في التعامل مع هذه المتغيرات السياسية، بما يحفظ للكويت كيانها. فحين أحس أن هناك ضغطاً من قِبل الإنجليز، يرمي إلى بسط نفوذهم على الكويت، كدفعها إلى الارتباط بمعاهدة الصلح البحري، ورفع رايتها، بادر، عام 1829، إلى رفع الراية العثمانية، للاحتماء بزعامة الدولة العثمانية الإسلامية، فضلاً عن تحقيق ضمان للسفن الكويتية، أثناء إبحارها، لعدم وجود اعتراف بالرايات المحلية، بالنسبة إلى القوى العربية، التي لم تنضم إلى معاهدات الصلح البحري[2].

وعلى الرغم مما أشار إليه لوريمر (J. G. Lorimer) مؤرخ حكومة الهند البريطانية، في دليل الخليج، من أن ما يرسله شيخ الكويت إلى الآستانة من مواد عينية كان اعترافاً من جانبه بالنفوذ العثماني، فإن تلك المواد كانت هدايا، ورمزاً إلى الصداقة والولاء الديني لخليفة المسلمين. بل إن كميات التمور، التي أشار إليها لوريمر، كانت تؤكد خضوع مناطق في جنوب البصرة لسلطة شيخ الكويت. ناهيك أنه ليس هناك ما يثبت أن الكويت، كانت تدفع ذلك "الخراج"، بانتظام، إذ إن حاجة الدولة العثمانية إلى مساعدة سفن الكويت، للدفاع عن شط العرب، كانت تدفعها إلى التجاوز عن تلك المدفوعات، بل إلى دفع مبالغ سنوية، غير منتظمة، إلى شيوخ الكويت، مقابل حمايتهم لشط العرب، وجنوب البصرة من الاعتداءات القبَلية، التي كانت تتعرض لها.

4. علاقات الكويت بالقبائل العربية المجاورة

أ. العلاقة بين الكويت والأحساء (بَني خالد(

يشير بعض المصادر إلى أن علاقة العتوب، منذ استقرارهم بالكويت، ببَني خالد، قد حددتها اتفاقية صداقة وحُسن جوار بين الجانبَين. عقدها الشيخ عبدالله الأول بن صباح الأول، نيابة عن والده، مع شيوخ بَني خالد. (أُنظر شكل حكام بني خالد) وجسدت نوعاً من الولاء، تمثّل في تعهّد العتوب معاداة أعداء بَني خالد ومصادقة أصدقائهم. وبغض النظر عن الجدل، الذي يمكن أن يُثار حول هذه المعاهدة، فالمؤكد أن عتوب الكويت، استمروا على ولائهم لبَني خالد، حتى العقد السادس من القرن الثامن عشر. فعندما بدأ الضعف يدب في بَني خالد، منذ بداية النصف الثاني من القرن الثامن عشر، نتيجة بروز الصراعات الداخلية حول الرئاسة والحكم، وتنامي الأخطار الخارجية، اتجهت القبائل والجماعات، التي كانت تدين لهم بالزعامة والولاء، إلى ممارسة نوع من الاستقلال الذاتي. وقد تحقق هذا الوضع، بالنسبة إلى الكويت، خلال العقد السادس من القرن الثامن عشر. في إطار رصد وتحليل العلاقة بين عتوب الكويت وبَني خالد، فمن المهم الوقوف على أبعاد موقف العتوب من الصراع بين بَني خالد والسعوديين، والذي انتهى بسقوط بَني خالد وتلاشي نفوذهم في الأحساء عام 1795. فقد كان بَنو خالد حاجزاً، حمى الكويت من السعوديين. ولذلك، فإنه لدى سقوط بني خالد، أصبح إخضاع السعوديين للكويت أمراً محتملاً.

ويمكن القول إن الصراع بين بني خالد والسعوديين، منذ عام 1793، كانت له أبعاده الدينية والاقتصادية والسياسية، فقبْل بروز دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتحالفه مع محمد بن سعود، أمير الدرعية، عام 1745، كان أهالي نجْد يَعُدّون بَني خالد أقوى جيرانهم، ويسعون إلى رضاء شيوخهم بالطرق كافة. وحينما كان زعماء القبائل العربية، في نجْد، يمتنعون عن تقديم الهدايا وفروض الطاعة، كان شيوخ بَني خالد يغزونهم، ويعودون محملين بالغنائم. وقد رفض بَنو خالد الدعوة الإصلاحية، منذ البداية. فَتَحْتَ ضغط زعيمهم، سليمان بن محمد آل حميد، اضطر عثمان بن حمد بن معمر، أمير العيينة، إلى طرد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، صاحب الدعوة الإصلاحية في نجد[3]. مما دفع الداعية إلى حمل دعوته، والذهاب بها إلى الدرعية. وبعد تحالفه مع محمد بن سعود، أمير الدرعية، وتحوّل الدعوة الدينية إلى دعوة سياسية، وجّه بَنو خالد العديد من الحملات ضد الدرعية، خلال الفترة من 1745 حتى 1765، إذ كان في مقدورهم نقْل الصراع إلى أرض نجْد، ولذلك وقف السعوديون منهم، خلال هذه الفترة، موقف الدفاع، لا الهجوم. وابتداءً من عام 1765، بدا بَنو خالد أكثر ضعفاً، نتيجة لتفاقم الصراعات بين شيوخهم، من جهة، وتنامي قوة السعوديين، من جهة أخرى، الذين نجحوا في تركيز سلطانهم وقوّتهم في نجْد. ولذلك، بدأ السعوديون يهاجمون الأحساء، منذ عام 1783، وكثفوا هجماتهم، خلال الفترة من 1785 حتى 1795، فتمكنوا من القضاء، نهائياً، على نفوذ بَني خالد، بعد حكمٍ دام مائة وثلاثين عاماً. وفي عام 1795، عَيَّن الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، سليمان بن محمد بن ماجد، أول حاكم سعودي للأحساء، لا ينتمي إلى قبيلة بَني خالد.

إزاء تزايد هجمات السعوديين على بَني خالد، لم يهبّ عتوب الكويت إلى نجدتهم، إذ إن شيخهم، كان متردداً بين أمرَين. أولهما، أن يقدّم الدعم والمساندة إلى بَني خالد، ومعنى ذلك أن يستمر ولاء الكويت لهم، إذا ما خرجوا منتصرين. وثانيهما، أن يساعد السعوديين على القضاء على بَني خالد، وبذلك، تتخلص الكويت من تبعيتها لهم. ولذلك، فضّل شيخ الكويت البقاء على الحياد، على الرغم من أنه كان أكثر تعاطفاً مع بَني خالد، وآوى زعماءهم الذين فرّوا من وجه آل سعود، ولم يفصح عن عدائه للسعوديين، لإدراكه حقيقة الخطر السعودي، وتخوّفه منه. فإمارة الكويت، كانت تتمتع بالاستقلال، بمعنى عدم التبعية الفعلية، سواء للعثمانيين أو لبَني خالد، وليس هناك ما يضمن احتفاظها بهذا الاستقلال، في ظل سيطرة السعوديين

ب. علاقات الكويت بنجْد (آل سعود)

أدرك السعوديون أهمية الكويت، كميناء تموين لنجد، ومركز مزدهر للتجارة. وخلال الفترة من 1793 حتى 1797، أي فترة وجود الوكالة التجارية لشركة الهند الشرقية البريطانية، في الكويت (1793 ـ 1795)، شن السعوديون العديد من الحملات، والغارات المسلحة على الكويت، لمعاقبة القبائل المعادية لهم، التي لجأت إلى الكويت. وإن كانت المصادر قد أبرزت حملتَين. الأولى، وقعت في عام 1793، وقادها إبراهيم بن سليمان بن عفيصان. والثانية، كانت في عام 1797، وقادها مناع أبو رجلين. وفي الحملتَين، كان النصر حليفاً للسعوديين على الكويتيين، ولكنهما لم تحققا هدف السعوديين في السيطرة على الكويت. ويُذكر أن أهل الكويت جهزوا، عام 1797، حملة للأخذ بالثأر، كما تعاون أهل الكويت مع حملة ثويني بن عبدالله، زعيم المنتفق، التي وجهها ضد السعوديين، عام 1797. وإزاء التهديد السعودي، أقام أهل الكويت السور الثاني حول مدينة الكويت إمعاناً في حمايتها. وفي عام 1803، استجاب شيخ الكويت، مُكرَهاً، لطلب أمير السعوديين[4]، الخاص بمشاركة السفن الكويتية سفن عتوب البحرين والقواسم، في تظاهرة بحْرية إلى مسقط، لإرهاب حاكمها. وفي عام 1804، غزا سعود بن عبدالعزيز الكويت، وعسكر بجيشه في قرية الجهراء، ولكنه انسحب منها، من دون أن يشتبك مع أهلها في قتال.

وبعد عام 1811، بدأ تهديد السعوديين للكويت يتراجع، نتيجة لتقلص وجودهم العسكري في شرقي شبه الجزيرة العربية، على أثر هجوم قوات والي مصر، محمد علي باشا، عليها، ناحية الغرب، وهو ما اضطرهم إلى سحب قواتهم من الساحل الشرقي، لمواجهة الخطر القادم من الغرب. واللافت أن شيخ الكويت، رحّب بالتقدم، الذي أحرزته القوات المصرية الزاحفة إلى نجْد، بل ساعدها، أثناء حصارها الدرعية، عاصمة الدولة السعودية الأولى، التي سقطت عام 1818.

وبعد سقوط الدرعية، هاجم تركي بن عبدالله آل سعود، عام 1830، أخلاطاً من قبائل سبيع وبني حسين وغيرهم، وهم نازلون بين حفر الباطن، والوقبا. ثم سار حتى نزل الصبيحية، قرب الكويت. ودخل بعض جنوده لقضاء حوائجهم منها، وقدم الهدايا إلى شيخه الكويت، جابر بن عبدالله بن صباح.

ومهما يكن من أمر، فإن السعوديين، لم يتمكنوا من إخضاع الكويت، على الرغم من الحملات العسكرية المتعددة، التي شنوها ضدها، فظلت محتفظة باستقلاها. وثمة عدة عوامل، ساعدت الكويت على الاحتفاظ باستقلالها، وعدم خضوعها للسيطرة السعودية.

(1) اضطرار السعوديين، ابتداءً من عام 1796، إلى المحاربة في غير جبهة. فقد استهدفتهم هجمات أشراف مكة، من جهة، وحملة والي بغداد العثماني، التي كان يقودها الشيخ ثويني بن عبدالله، شيخ المنتفق، من جهة ثانية، فضلاً عن زحف القوات المصرية إلى نجْد والأحساء، بعد عام 1811، من جهة ثالثة.

(2) قوة الكويت بصفة عامة، وقوة أسطولها البحري، وارتفاع مستوى تسليحها بصفة خاصة. في حين لم يكن للسعوديين قوة بحرية، سوى قوة حلفائهم القواسم، التي كانت أضعف من أن تواجه أسطول الكويت. ولذلك، كانت حملات السعوديين على الكويت، حملاتٍ بريةً، بالأساس.

(3) وجود الوكالة التجارية لشركة الهند الشرقية البريطانية في الكويت، خلال الفترة من أبريل 1793 حتى أغسطس 1795، أسهم في حفظ استقلال الكويت، وعدم خضوعها للسيطرة السعودية. وهناك العديد من الشواهد، التي تؤكد مساهمة الوكالة التجارية في الدفاع عن الكويت، تجاه التهديد السعودي، تحقيقاً لمصالح بريطانية محض، في المقام الأول. فقد حرصت الشركة على عدم سيطرة أي قوة على الكويت، نظراً إلى أهميتها الإستراتيجية، بالنسبة إلى الوجود البريطاني في الخليج. وإمعاناً في هذا الحرص، نقل البريطانيون مقر الوكالة التجارية لشركة الهند الشرقية البريطانية، من البصرة إلى الكويت، خلال الفترة من 1793 حتى 1795.

وبعد عام 1840، خفّت حدّة الاحتكاك بين الكويت والسعوديين. إلاّ أن ذلك لم يتحول إلى خط ثابت في العلاقة بينهما. إذ ارتبط بطبيعة الصراعات والتوازنات والتحالفات، بين القوَّتَين الأساسيتَين والمتنافستَين في نجْد، وهما: آل سعود وآل رشيد. ففي عام 1841، لجأ إلى الكويت خالد بن سعود بن عبدالعزيز، بعد أن استرد الحكم منه عبدالله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود. وفي عام 1860، غزا عبدالله بن فيصل بن تركي جموع قبيلة العجمان ومن حالفها من عشائر المنتفق، بسبب غاراتهم على حدود الدولة السعودية. وكانوا قد اتخذوا من الجهراء مركزاً لنشاطهم ضد السعوديين. فانتصر عليهم وشتت جموعهم. وفي العام التالي، 1861، غزاهم أيضاً، وهربوا إلى داخل الكويت، فطاردهم حتى ساحل البحر، حيث مات من العجمان وحلفائهم عدد كبير، غرقاً. ولكن هذا الأمر لم يترك أي عواقب سلبية بين السعوديين وآل صباح، فلم يعد عبدالله بن فيصل من الكويت، إلاّ بعد أن تبادل رسائل الصداقة والمودّة، مع حاكم الكويت.

وفي عام 1863، نشأت علاقة ودّية، بين شيخ الكويت، صباح الثاني، وحاكم نجْد، فيصل بن تركي. وفي عام 1866، قدم الأمير السعودي عبدالله بن فيصل بن تركي، عوناً لشيخ الكويت على نزاع بينه وبين العثمانيين. وقد عادت العلاقات العدائية بين الكويت والسعوديين، مرة أخرى، عام 1872، حين غزا الأمير سعود بن فيصل بن تركي، أمير السعوديين، مدينة الكويت، لكن شيخها استطاع أن يتغلب عليه، ويجبر قواته على الفرار. وفي عام 1884، تقريباً، بدا أن شيخ الكويت كان يساند محمد بن عبدالله بن علي بن رشيد (1871 ـ 1897)، أمير حائل ونجْد، الذي بدأ يهاجم السعوديين.

وفي عهد مبارك بن صباح الثاني (1896 ـ 1915)، تشابكت علاقات الكويت بنجْد تشابكاً معقداً جداً، وبخاصة في ضوء تصاعد الصراع بين آل سعود وآل رشيد. فقد وقف شيخ الكويت إلى جانب آل سعود، ضد عدوّه اللدود، وحليف الأتراك، عبدالعزيز بن متعب بن عبدالله آل رشيد (1897 ـ 1906).(أُنظر شكل نسب آل رشيد) وتبادل الجانبان العديد من الهجمات. وبعد أن قوّض ابن رشيد عرش آل سعود، في الرياض، لجأ الأمير عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود، وابنه عبدالعزيز، إلى الكويت، حيث استضافهما شيخها، معمقاً العداوة بينه وبين ابن رشيد. وفي موقعة الصريف، عام 1901، هزمت قوات ابن رشيد القوات الكويتية هزيمة شديدة. وانتقم شيخ الكويت، بعد ذلك، لهذه الهزيمة، فساعد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على احتلال الرياض، والقضاء على خصمه، عبدالعزيز بن متعب آل رشيد قضاءً نهائياً.

ج. علاقات الكويت بالبحرين (آل خليفة)

"آل خليفة"، هم من العتوب، الذين أسهموا مع أقاربهم آل صباح، في تأسيس إمارة الكويت، في نهاية القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر. وقد دفعتهم أسباب عدة إلى مغادرة الكويت، وتأسيس إمارة خاصة بهم، في الزبارة، في قطَر، خلال الفترة من 1762 حتى 1766. ويؤكد أغلب المصادر، أن العلاقة بين عتوب الكويت (أُسرة الصباح)، وعتوب الزبارة (آل خليفة)، كانت تقوم على أساس الصداقة والتعاون، وبخاصة في المجالات العسكرية والتجارة. ففي عام 1708، اشترك عتوب الزبارة مع عتوب الكويت في الحرب ضد عرب بَني كعب. ومن القضايا المهمة، التي شكلت محوراً للعلاقة بين أسرتَي الصباح وخليفة، قضية فتح العتوب للبحرين، ما بين عامَي 1782 ـ1783، التي كانت تحت حكم الشيخ نصر آل مذكور، وهو من عرب بوشهر، في ظل السيادة الفارسية عليها.

وبإيجاز، فإن علاقة الكويت بالبحرين، تحت حكم آل خليفة، كانت تقوم على الصداقة والتعاون. ويمكن تفسير ذلك بعدة عوامل منها: الخلفيات العرقية والتاريخية المشتركة، بين أسرتَي الصباح وخليفة، ووجود بعض الأخطار والتحديات المشتركة، التي مثلت تهديداً لدويلات العتوب، في الكويت، والزبارة، والبحرين، وبخاصة من قِبل القبائل العربية، القاطنة في الشاطئ الفارسي للخليج، وهي عرب بندريق[5]، وعرب بوشهر، وعرب بَني كعب.  



[1] كانت ظروف السلطات البريطانية في الهند مهيأة، عام 1819، أكثر من أي وقت مضى، لتدّخل عسكري واسع النطاق في الخليج العربي، وتأكيد سيطرتها البحرية على الطرق المؤدية إلى المحيط الهندي. وكان إيفان تبيان، حاكم بومباي، في ذلك الوقت، من أنصار التدخل العسكري في الخليج العربي، فعرضت عليه مشروعات عدة، للتدخل، اختار منها المشروع الذي يعرض إنشاء قاعدة بريطانية في رأس الخيمة، والتدخل العسكري السياسي في الخليج (رسالة من هاستنجز، الحاكم العام، إلى حكومة بومباي، بتاريخ 7/11/1818،F.R.P. Vol. 32) ومن ثَم خرجت حملة بحرية كبرى من بومباي، في 3 نوفمبر 1819، تتألف من ست سفن حربية كبرى، علاوة على عدد من السفن الصغيرة، ووصلت إلى رأس الخيمة، في أوائل ديسمبر 1819، لإجبار شيوخ ساحل الخليج (الساحل المهادن) وأمرائه على الدخول في معاهدات الصلح البحري. وكانت النتيجة الأساسية لحملة 1819، هي دخول شيوخ الإمارات العربية الساحلية في معاهدات مختلفة، جعلت لبريطانيا يداً في شؤون جنوبي شرقي بلاد العرب. وعمدت بريطانيا إلى معاهدات منفردة مع معظم رؤساء القبائل، الذين لهم سلطة مستقرة في المنطقة، الواقعة ما بين قطَر وحدود سلطنة عُمان. كما وقعت معاهدات مشابهة مع مشيخات أبوظبي وأم القوين، وعجمان، والشارقة، ورأس الخيمة، في 21 يناير 1820. ومن الواضح أن معاهدات عام1820، كانت تمنع اشتباك العرب بالسفن البريطانية، ولم تقصد منع الاشتباكات بين القوى العربية المختلفة.

[2] عندما اضطربت الملاحة في الخليج، ولمدة سنتَين، بدءاً من عام 1833، بسبب الصراع بين مشيختَي الشارقة وأبوظبي، ثم بسبب الاضطرابات الداخلية في مشيخة أبوظبي، كان لتلك الاضطرابات أكبر الأثر في حياة القواسم، وبني ياسر، أكبر قبيلتَين بحريتَين في ساحل الصلح البحري، فتوقفت أعمال الغوص لصيد اللؤلؤ، وساءت أحوالهم المعيشية، إلى حدٍّ كبير. وهو العامل الرئيسي، الذي مهّد لعقد أول هدنة بحرية، في 21 مايو 1835، حين اجتمع رؤساء المشيخات والإمارات، المطلة على ساحل الخليج، عند المقيم السياسي البريطاني، وتعهدوا بعدم اللجوء إلى الاشتباكات البحرية فيما بينهم، أثناء موسم الغوص. ثم تحولت الهدنة، فيما بعد، لتكون لمدة سنة كاملة، تجدَّد سنوياً، بالاتفاق مع المقيم السياسي البريطاني.

[3] دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب تقوم على أساس الدعوة إلى الوحدانية، وعدم الشرك بالله، والعودة إلى أصول الإسلام الصحيح، كما جاءت في القرآن والسُّنة، ومحاربة البدع والخرافات. وقد أطلق صاحب الدعوة، الشيخ محمد بن عبدالوهاب، على أتباعها اسم الموحدِّين. أمّا اسم الوهابيين، فقد أطلقه عليهم أعداؤهم، فضلاً عن شيوع استخدام الكلمة من قِبل الباحثين، العرب والأجانب

[4] هو سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود، حكم (1803 ـ 1814)

[5] توجد `بندريق` إلى الشمال من "بوشهر". وكان يحكمها الشيخ "مير هنا". وينتمي عرب بندريق إلى قبيلة بني صعب العُمانية.