إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / غزو العراق عام 2003




مواقع عسكرية قًصفت بالذخائر الذكية
موقع سد الحديثة
مجموعة صور لصدام حسين
محمد سعيد الصحاف
مجلس الحكم العراقي
آية الله علي سيستاني
أركان النظام الصدامي
المظاهرات تعم مدن العالم
بليكس والبرادعي
تحطيم تمثال صدام حسين
صدام حسين لحظة القبض عليه
كولين باول
عناصر القيادة السياسية العسكرية في الحرب
قادة المعارضة العراقية

أهم المدن العراقية
مناطق الاحتلال (سبتمبر 2003)
مناطق القاعدة (ديسمبر 2006)
مناطق القاعدة ديسمبر 2007
أوضاع فرق الحرس الجمهوري
محاولة اغتيال صدام
محاور التقدم الرئيسية والمساعدة
مخبأ صدام حسين
مستويات هجمات قوى التمرد
الأهداف الإستراتيجية في وسط بغداد
الليلة الأولى لقصف بغداد
الهجوم على مطار صدام الدولي
التمرد والعصيان
انتشار قوات التحالف
الحلقة الدفاعية حول بغداد
اقتحام الفرقة الثالثة لبغداد
توزيع قوات الحرس الجمهوري ومواقع قوات التحالف
حصاد ثلاثة أسابيع من المعارك
سيناريو الحرب البرية المتوقع
غزو العراق
قوات التحالف في الحرب
قاعدة العديد الجوية بقطر

معركة الاستيلاء على جزيرة الفاو
أقسام العراق الطائفية والعرقية (بالمحافظات)
المحافظات العراقية
التوزيع السكاني للأكراد بين دول المنطقة
التوزيع السكاني في المحافظات
تحرك القوات الأرضية والقوات الخاصة
خرائط الجمهورية العراقية



بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث الثاني عشر

تحليل النتائج العسكرية

أولاً: قوات التحالف

عللى الرغم من قصر الفترة الزمنية التي استغرقتها العمليات العسكرية في العراق، إلا أنها كانت ذاخرة بالنتائج وغنية بالخبرات والدروس المستفادة، على الصعيدين الإستراتيجي والتعبوي، بأبعادهما المختلفة، بدءاًً بتحريك القوات بأفرعها المختلفة من مناطق تمركزها في القواعد العسكرية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها إلى أرض مسرح العمليات في الخليج، وإجراءات الحشد والانتشار، وأعمال الاستطلاع الإستراتيجي بأبعاده الفضائية والجوية والبرية، وأعمال المخابرات والقوات الخاصة للتحالف داخل الأراضي العراقية، وإعداد مسرح العمليات في الخليج، والتدريب على العملية الهجومية في أرض العمليات وأجوائها للتأقلم عليها، وإدارة الحرب النفسية ضد القوات العراقية.

بالإضافة لدروس مهمة، فيما يتعلق بالتطوير الذي أُدخل على الأسلحة والذخائر والمعدات، لتكون ذاتية التوجيه، والإعداد اللوجستي للقوات قبل الحرب وأثناءها، والتطوير الذي أُدخل على أساليب قتال القوات البرية والجوية لتحقيق مهام القتال بأسرع وقت وأقل تكلفة. إلى جانب أساليب الخداع الإستراتيجي والتكتيكي التي نُفذِّت أثناء الحرب، وأعمال القيادة والسيطرة على القوات، والمعاونة الجوية القريبة للقوات البرية، واستخدام القوات الخاصة، وتعزيز المناطق التي استولت عليها، وتأمين خطوط المواصلات الطويلة، وكيفية الدفاع عن السكان المدنيين ومواجهة أعمال المقاومة الشعبية، وعمليات الانزال الجوى والتعاون مع الميليشيات الصديقة، واتخاذ القرارات أثناء إدارة العمليات وإيصالها تعليمات قتال إلى القيادات الدنيا في الوقت المناسب، وأعمال الحرب الإلكترونية وحرب المعلومات. إلى غير ذلك من الموضوعات الإستراتيجية والعسكرية، التي عكفت مراكز الدراسات الإستراتيجية والمؤسسات العسكرية في العالم على دراستها، لاسيما أن العمل العسكري كان بالغ الضخامة، والصورة واسعة مختلفة الألوان ومتعددة الجوانب.

وخلال كل هذه الأعمال القتالية، كان واضحاً مدى حرص القيادات العسكرية الأمريكية على تطبيق مبادئ الحرب، من حيث الحشد الذي حشد بأكبر قوة عسكرية في تاريخ المنطقة، مع تركيز الجهود الرئيسة في الاتجاه الجنوبي من الكويت، إلى جانب جهود ثانوية من اتجاهات الشمال، حيث تركيا، ومن الغرب، حيث الأردن. أما مبدأ المفاجأة فلم يكن من السهل تحقيقه بالنظر لضخامة الحشود العسكرية البرية والبحرية والجوية وصعوبة إخفائها، فقد كان معروفاً للجانب العراقي أماكن حشد القوات وأحجامها وأنواعها وتسليحها، بل والتوقيت المتوقع لبدء الحرب، ولكن استعيض عن ذلك بأعمال الخداع التي مارستها قوات التحالف على المستويين الإستراتيجي والتكتيكي، وهو ما تمثل أولاُ في عدم توجيه ضربة جوية وصاروخية مركزه على النحو الذي نفذ في حرب عاصفة الصحراء، عام 1991، بل كان التمهيد النيراني بالطيران والمدفعية مصاحباً لحركة وهجوم القوات البرية، كما تحققت المفاجأة بالاستخدام الجيد لنوعيات من الأسلحة والذخائر الذكية الموجهة. (اُنظر ملحق الأسلحة والذخائر الذكية التي استخُدمت في حرب العراق)

أما أكبر عمليات الخداع التي حققت مفاجأة لم تكن تخطر على بال "صدام حسين"، فقد تمثلت في نجاح المخابرات الأمريكية في شراء واستقطاب قادة فرق الحرس الجمهوري، بما أدى إلى سرعة اقتحام قوات التحالف لبغداد، فضلاً عن الاستيلاء المبكر على المعابر والجسور على نهري دجلة والفرات، ومنع القوات العراقية من نسفها. أما المبادأة، فقد كان واضحاً منذ بدء العمليات أن قوات التحالف قد أحرزتها واحتفظت بها طوال فترة العمليات، ولم تعط أى فرصة للقوات العراقية أن تنزع المبادأة منها.

وفيما يتعلق بمبدأ التعاون، فقد كان بارزاً ومحققاً تماماً بين القوات البرية والقوات الجوية، التي وفَّرت معاونة نيرانية مستمرة وموقوتة في كل المعارك البرية التي جرت طوال فترة الحرب، بالإضافة لعمليات الإنزال الجوي، وفي توفير المعلومات الكاملة والموقوتة لمستويات القيادة المختلفة من مصادر ومعلومات فضائية وجوية وبشرية. وعن مبدأ الانتشار فقد راعته قوات التحالف في نشر قواتها وتحركها تحسباً لاستخدام العراق أسلحته ذات الدمار الشامل.

كما كان مبدأ الاقتصاد في القوة محققاً بدرجة كبيرة، حتى إن وزير الدفاع الأمريكي "دونالد رامسفيلد" واجه انتقادات حادة بسبب عدم دفعه قوات إضافية كافية لتغطية مسرح العمليات العراقي، وكان رده على ذلك بأن ما تحرزه القوات الأمريكية من تفوق تقني في الأسلحة والمعدات والذخائر، يمكنها من تعويض النقص الملحوظ في حجم القوات البرية، بل وتنفيذ جميع المهام القتالية المكلفة بها، دونما حاجة لزيادتها، لاسيما وأنها تعتمد أساليب قتالية جديدة ومتطورة، مثل "الصدمة والترويع"، فاجأت العدو وحققت تدميره واستسلامه والاستيلاء على أرضه بأقل قدر من القوات، وفي أزمنة قياسية. وأضاف رامسفيلد أن قيادة القوات في الجبهة لو احتاجت قوات إضافية فسترسل في التوقيت المطلوب. وهو ما أقره الجنرال فرانكس قائد القيادة الوسطى، الذي أكد أنه ليس في حاجة إلى مزيد من القوات.

أما مبدآ التأمين الشامل والروح المعنوية، فهما مرتبطان بعضهما ببعض وكانا محققين بتوفير الاحتياجات اللوجستية، من وقود وذخائر وقطع غيار وغذاء ومياه ومعدات ومهمات وخدمات طبية مع القوات، منذ بدء تحركها وأثناء المعارك، حيث كانت تُنقل إليها في نهاية كل يوم قتال عبر قولات إدارية مُؤمنَّة، حتى لا تتعرض لهجمات المقاومة العراقية، فضلاً عن الإمداد الجوي عند اللزوم. كما أن الوقفة التعبوية التي جرت في منتصف أيام الحرب، حققت فرصة لراحة الجنود، ما أدى إلى المحافظة على الروح المعنوية. أما رفع الروح المعنوية لمستوى أعلى، فكان محققاً بتوالي الانتصارات التي حققتها القوات على الأرض، وتقدمها السريع نحو المدن الرئيسة والعاصمة والاستيلاء عليها، وقلة الخسائر البشرية.

رغم ما وصفه الجنرال فرانكس، قائد الحملة الأمريكية في العراق، بأن ما حققته قواته من انتصار حاسم على القوات العراقية "كان عملاً رائعاً"، ودلَّل على ذلك بأن الخطة التي حددت 47 يوماً للوصول إلى بغداد، أمكن لقوات التحالف أن تحققها في 21 يوماً فقط. إلا أن بعض الخبراء اعترضوا على هذا التقييم؛ إذ إن قوات التحالف حاربت عدواً ضعيفاً، ما لا يُعد مقياساً للنجاح. وقد كشفت الحملة على العراق عن وجود فريقين للرأي في وزارة الدفاع وهيئة الأركان المشتركة، حول تطوير القوات المسلحة الامريكية وحجمها؛ الفريق الأول، وكان يقوده وزير الدفاع رامسفيلد، يسعى حول تطوير القوات المسلحة الأمريكية وحجمها من قوة عسكرية ضخمة قادرة على شن حربين ونصف حرب في آن واحد، وهو الخط الذي كان سائداً في فترة الحرب الباردة، إلى قوة أكثر خفة ومرونة وذات رشاقة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة. أما الفريق الثاني فيضم الجنرالات التقليديين، الذين يعتقدون أن مثل هذا التحول في ظل مناخ دولي غير آمن، ليس في صالح الولايات المتحدة الأمريكية. فبقدر ما يحدثه من تغير في القوة الفعلية، بقدر ما يشكله من تهديد خطير للعسكرية الامريكية، ويدلِّلون على ذلك من التجربة التي خاضتها قوات الفيلق الخامس في جنوب العراق، عندما تعثرت أمام الهجمات المتتالية للميليشيات غير النظامية العراقية، وبرزت مشكلة تأمين خطوط الإمداد الطويلة، والحاجة إلى قوات إضافية للمحافظة على الاتزان الإستراتيجي للقوات في أرض العمليات، ما اضطر البنتاجون إلى إرسال قوات إضافية للعراق، وإن لم تستخدم بسبب تغلب قوات الفيلق الخامس على هذه المشكلة.

أما واضع نظرية "الصدمة والرعب"، الخبير "هارلان أولمان"، فقد اعترف بأن أحداث ما بعد الحرب كشفت عن تناقض في نظريته، بالنظر لبروز الحاجة إلى قوات أكبر لحفظ الاستقرار، أشد من الحاجة إلى هزيمة العدو في الحرب.

وتوقع "آرثر سبوريسكى" ـ جنرال أمريكي يدير مكتب تحويلات القوات في البنتاجون ـ أن تكشف تحليلات العمليات في العراق عن "ديناميكية جوية أرضية جديدة"، تُعبِّر عن شكل جديد في العلاقات بين أعمال الحروب البرية والجوية، وتعاون أوثق بين الاثنين. وأن الذي سيفرض ذلك هو التطوير المتوقع في أجهزة الاستشعار عالية الحساسية، والتي على اتصال بأجهزة استطلاع واستخبارات رفيعة المستوى، ومنتشرة عبر شبكة قيادة وسيطرة قوية وسريعة في أفعالها، حيث ستصبح السرعة في العمليات المقبلة عنصراً بالغ الأهمية في تحقيق النصر.

إلا أنه رغم التطور الحاد الذي وقع في أنظمة التسليح والمعدات الأمريكية، فإن قدرات القوات الأمريكية على خوض حرب مدن طويلة المدى قد تستمر شهوراً، حتى تحقق تأمين السيطرة عليها، وفرض الاستقرار، لا تزال دون المستوى، وتحتاج إلى تطوير في أساليب ووسائل القتال داخل المدن. وهو ما ثبت بعد انتهاء الحرب وسقوط نظام "صدام حسين"، فقد تكبَّدت القوات الامريكية في العراق من أجل تأمين مدنه، من هجمات الميليشيات المسلحة، خسائر جسيمة، أضعاف ما تكبدته في الحرب. لذلك حذَّر بعض المفكرين العسكريين الأمريكيين والمختصين في الحروب طويلة الأمد، من الاستسلام للاحساس الخادع بالأمن والناتج عن التفوق التكنولوجي، وأن بإمكان القوى الدولية المضادة للولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل أن تطور وسائل مضادة لعناصر التفوق التكنولوجي الأمريكي؛ من ذلك الحصول على أجهزة تشويش روسية، يمكن أن تعيق عمل أجهزة التوجيه والملاحة GPS، واستخدام إجراءات مضادة يسيرة تحدث انحرافات في محاور تحديد الاتجاه، وأيضاً في التنسيق، وأن الحصول على مثل هذه الأجهزة في المستقبل سيكون متاحاً وبأثمان رخيصة.

ولعبت الحرب النفسية دوراً بارزاً في تحييد قطاع كبير من الجيش والسفن العراقية، باستغلال كراهيتهم للنظام الحاكم ورئيسه، وذلك عبر إلقاء 40 مليون منشور قبل الحرب وأثناءها، وعبر الإذاعات الموجهة، والرسائل التي استهدفت القادة العراقيين أو البريد الإلكتروني، وهو ما يُعبِّر عن تجديد في استخدام أساليب الحرب النفسية. أما أساليب شراء قادة الخصم، فقد عبَّر عنها الجنرال فرانكس عندما قال "أنه أمكن تحييد فرق في الحرس الجمهوري في الحرب عندما شراء قادتها بأقل من ثمن صاروخ واحد توماهوك (105مليون دولار)".

وارتبط نجاح الحرب النفسية مع أنشطة الاستخبارات الامريكية، ونجاح القوات الخاصة في تنفيذ مهامها، قبل الحرب وأثناءها، حيث شارك في هذه الحرب حوالي عشرة آلاف جندي قوات خاصة، في أكبر انتشار لهم شمال وجنوب ووسط وغرب العراق، كانت تشكل رأس الحربة في تقدم القوات الامريكية والبريطانية، وعند التقدم نحو بغداد. فقد تمكنت مجموعات قتالية سرية منها من التسلل إلى العراق في طائرات (كومباتالون MC-130)، المجهزة تجهيزاً خاصاً يمكنها من استخدام طرق السيارات في الشوارع مدارج للهبوط المفاجئ على القوات العراقية في خطوطها ومواقعها الخلفية، وفي تسلل قوات (دلتا) إلى داخل بغداد وتكريت، لتخريب الاتصالات وقطع كابلات الألياف البصرية واستهداف القادة العراقيين، وإنشاء شبكة من العملاء العراقيين. وقد أمكن لأحد رجال الدين في البصرة من إيواء 12 جندى قوات خاصة، وصلوا في سيارات خفيفة إلى منطقته، وإخفائهم عن فدائيي صدام، حيث شكلوا قاعدة لإطلاق عمليات خاصة في جنوب العراق.

ومما لا شك فيه أن التفوق الجوي والبحري الأمريكية، بالإضافة لاستخدام ذخائر جوية وبرية ذاتية التوجيه، وأقمار تجسس واتصالات، ومعدات القتال المتطورة، ووسائل نقل جوية وبرية تزيد من خفة حركة القوات، إلى جانب القيادة والسيطرة الفاعلة في الميدان، والتنسيق والتعاون بين جميع أفرع القتال، وعلى مختلف المستويات، والتدريب الجيد والقدرة اللوجستية على الوصول بالإمدادات لأى مكان في المسرح، مع الاستخبارات المستمرة والفاعلة. كل ذلك وغيره كان وراء النجاح الذي حققته قوات التحالف في تنفيذ أهدافها ومهامها الإستراتيجية في الحرب، ما يدل على أن التفاعل بين الأسس العسكرية الأساسية والتكنولوجيات المتقدمة، مع التقدم الكبير في إحلال المعلوماتية في شبكات الجيش والبحرية والطيران والمارينز، وفي المراقبة الإلكترونية والجوية، لاسيما مع الطائرات من دون طيار، التي يتوقع لها مستقبلاً باهراً في الحروب القادمة، والهجمات الجوية ذات الطبيعة الجراحية في تدمير أهداف حساسة وذات أهمية إستراتيجية، سيوضع كل ذلك من التوجهات الرئيسة، لتطوير القوات المسلحة في الدول لشن حروب المستقبل.

وحول أهمية العمليات الجوية في حروب المستقبل، فقد أكدتها الحرب الأخيرة في العراق، حيث بدأ نشاط القوات الجوية الأمريكية في التزايد من 144 طلعة/ يوم في بداية الحرب، إلى ألفي طلعة/ يوم، في 23 مارس، كان منها 900 طلعة مهمات قصف جوي، معظمها ضد قوات الحرس الجمهوري. وذلك مع اقتراب الفرقة الثالثة والمارينز من بغداد. ومن بين 30.002 قنبلة وصاروخ أُلقيت على العراق أثناء الحرب، كان من بينها 20.627 ذخائر ذكية، أي بنسبة 68.7% كانت موجهة بالليزر والأقمار الصناعية، في مقابل 7% خلال حرب الخليج عام 1991، وهذه الدقة تتمتع بها أيضاً الصواريخ كروز الـ 750 توماهوك التي أُطلقت في الحرب.

أدى وجود أعداد كبيرة من طائرات المعاونة القريبة في الجو (مقاتلات وطائرات عمودية هجومية)، إلى تحقيق مرونة كبيرة في العمليات الجوية، لاسيما مع توفر الاتصالات المباشرة بين القوات البرية وطائرات المعاونة القريبة. فعلى سبيل المثال ـ وطبقاً لتصريح سكرتير القوات الجوية "جيمس روش" ـ قصفت طائرات التحالف أكثر من 500 هدف دون تخطيط مسبق، وطبقاً لاختيار الطيارين وطلب قادة الوحدات البرية حتى مستوى الكتيبة، وهو ما يعني درجة عالية من المرونة والديناميكية في العمليات الجوية، ساعد على ذلك توافر نوعيات مختلفة من الذخائر في الطائرات، فأحد الأهداف الإستراتيجية المهمة ضُرب، على سبيل المثال، بـ21 نوعاً من الذخائر. ومما ساعد على توفير هذه المرونة أن أوامر قتال الطيران التي كانت تصل إلى حاملات الطائرات أصبحت الآن تتلقاها على موقعها بالإنترنت، بالإضافة لاستخدام الإنترنت أيضاً في الرد على استفسارات قيادة الجنرال فرانكس، وتبليغها بتقارير القتال اليومية والطارئة لحاملات الطائرات.

كانت القوات الجوية للتحالف على استعداد دائم وكامل للتحول من مهام قتالية لأخرى، طبقاً لاحتياجات التشكيلات البرية، فمن ضرب أهداف إستراتيجية ثابتة في العمق، مثل قصور الرئاسة ومراكز القيادة والسيطرة ومراكز الاتصالات ومركز الإنترنت في بغداد، ومقار أجهزة النظام والحرس الجمهوري، إلى تقديم معاونة قريبة ضد أهداف متحركة، إلى قصف وحدات مدفعية صاروخية بعيدة لإسكاتها، وبذلك تقلص اعتماد القوات البرية كثيراً على مدفعيتها المرافقة. وساعد على تحقيق هذا المستوى العالي من الترابط والتنسيق، إنشاء مكتب خاص برئاسة الجنرال "دانيال ليف" للمتطلبات الأرضية لقوات التحالف، مهمته معالجة المشكلات المشتركة الناجمة عن التقدم السريع للقوات، في ذات الوقت المطلوب فيه تقديم معاونات جوية قريبة لها.

كما شكلت مجموعة واجب تحت اسم (النظرة الثاقبة Enduring look)، أفادت كثيراً في إدارة مطالب قيادات التحالف البرية وتنسيقها مع قيادة قوات التحالف الجوية، في إطار العمليات المشتركة، فكانت هناك (قوة برية مشتركة)، و(قوة بحرية مشتركة)، و(قوة جوية مشتركة)، و(عرض مشترك لكل قوات التحالف).

سيطر على أعمال القتال المشتركة وجود غير منظور من أعمال القيادة والسيطرة المتكاملة الجوانب والفائقة في الكفاءة، في مجالات الاتصالات والاستخبارات والاستطلاع والمراقبة، من طريق الكمبيوتر. وكان للرصيد الضخم من المعلومات الدقيقة والموقوتة التي وفرتها قدرات متنوعة من الاستطلاع الجوي والفضائي، شاركت فيها طائرات الاستطلاع U2، والنظام الرادارى Joint surveillance target attack radar system E8C والمعروف بـ (Joint stars)، وطائرات الإنذار المبكر (أواكس)، ونظام الاستطلاع الإلكترونى RC-135 rivet joint platforms، وعدد لم يسبق استخدامه من الطائرات من دون طيار المتنوعة منها (جلوبال هوك RQ-4A) و(USMC’s back-packable) و(Dragon eye surveillance drone) المعروفة بقدرتها على البقاء لفترة زمنية طويلة في الجو. كما قامت الطائرات من دون طيار (بريداتور RQ-1A) بدور فعَّال في استطلاع مواقع الصواريخ أرض/ جو وراجمات الصواريخ متعددة المواسير الروسية (BM-21)، وغيرها من الأهداف المتحركة العراقية، وقصفها بصواريخ (هيل فاير) الموجهة بالأشعة تحت الحمراء.

كما أدى ضعف نظام الدفاع الجوي العراقي إلى تمكين مخططي الحرب الجوية للتحالف من استخدام القاذفات الثقيلة (B-52)، لاسيما في سحق قوات الحرس الجمهوري، والمقاتلات القاذفة الحديثة (B-1B)، (B-2A) على أوسع نطاق، خاصة المسلحة بالقنابل الموجهة (GBU-31) بنظام (JDAMS) في قصف مراكز القيادة والسيطرة الإستراتيجية المحصنة تحت الأرض. حيث برز قِصر الفترة الزمنية بين اكتشاف الهدف والإبلاغ عنه، وتخصيص المهمة لطائرات القتال وتنفيذها فيما لا يزيد عن 12 دقيقة، من لحظة اكتشاف الهدف حتى تدميره، وذلك عبر منظومة (net-centric warfare)، التي توفر القدرة على إرسال واستقبال المعلومات ومراجعتها في الوقت نفسه عبر كمبيوتر التحالف.

وقد لعب الرادار المحمول جواً Joint STARS، دوراً مهماً في قصف القولات المدرعة والميكانيكية العراقية التي تحركت لشن هجمات مضادة في اتجاهات الفاو وكربلاء. أما المقاتلات الأمريكية (AV-8B), (F/A-18) والبريطانية (هاريير) و(تورنادو)، فقد استخدمت بكثافة لتقديم المعاونة القريية والحماية الجوية، بالإضافة للمقاتلة الأمريكية (A-10) التي تستخدم صائدة للدبابات، خاصة المختفية داخل المدن، والتى استخدمت قاعدة الطليل الجوية بالقرب من الناصرية في شن هجماتها ضد الدبابات العراقية في بغداد، ما وفَّر لهذه الطائرات ساعة طيران إضافية فوق منطقة بغداد لاصطياد الأهداف. ساعد على ذلك ما وفرته أقمار التجسس وأنظمة GPS من مسح شامل لمناطق الأهداف، زُوِّدت به وحدات التحالف الجوية والبرية.

وأفاد التحديث الذي أدخل على ثلاث أسراب مقاتلات (F-14 D)، بتزويدها برادار جديد وقنابل موجهة بنظام GPS، التي تعمل من حاملات الطائرات، في رفع قدرات هذه المقاتلة على تقديم المعاونة القريبة. بالإضافة لتحديث مماثل جارى إدخاله على المقاتلة (F/A-18) هورنت لتصبح (سوبر هورنت). كما أبرزت الحرب الجوية في العراق الأهمية المعلقة على المقاتلة الأمريكية الحديثة (F/A-22) والمقاتلة (F-35) بعد أن تهالك أسطول المقاتلات (F-15 C)، حيث يمكن للمقاتلة (F-22) أن تعتمد على نفسها في تحميل ذخائرها دونما حاجة إلى أفراد خدمة أرضية، ما يوفر الوقت لإقلاع الطائرة، بالإضافة إلى مقدرتها الإلكترونية في استطلاع وقصف مواقع الصواريخ (سكود) أرض/ أرض، وصواريخ الدفاع الجوى المتحركة (سام-6) أرض/ جو.

وقد يرجع عدم استخدام العراق للصواريخ سكود، إلى نجاح مقاتلات التحالف في تدمير وحدات كثيرة منها، أو نجاح القوات الخاصة العاملة في غرب العراق في ذلك أيضاً، لاسيما وإن تلك كانت مهمتها الرئيسية، أو تأثير الحرب النفسية وأعمال مجموعات الاستخبارات الأمريكية في إقناع القادة العراقيين بعدم تنفيذ أوامر استخدامها، أو لأن العراق لم يعد يملك هذه الصواريخ بعد أن قرر النظام الحاكم تدميرها.

أسفرت عمليات الاستطلاع الجوي عن تحديد أماكن عدد من وحدات الصواريخ (سكود) و(صمود-2). وكلفت المقاتلات F-15E التابعة للسرب 336 بتدميرها قبل بدء الحرب، وكانت هناك تعليمات مشددة للطيارين بضرب وحدات الصواريخ سكود في مناطق تمركزها وقبل أن تتحرك إلى مواقع إطلاقها، وكان تدميرها بصواريخ موجهة بالليزر من مقاتلتين من هذا النوع. وقد بلغ معدل طيران الجناح F-15E، 12 ساعة في اليوم، تم خلالها التعامل مع 200 - 230 هدف، حيث خُصص لكل طائرة ما لا يقل عن ستة أهداف أرضية.

كما كانت حرب العراق فرصة لكي تختبر فيها بريطانيا صاروخها كروز (ظل العاصفة Storm shadow) من المقاتلة (تورنادو)، حيث أطلقت منه 16 صاروخاً ضد أهداف عراقية ثابتة، وأثبت القصف نجاحه. كما أطلقت بريطانيا صواريخ (توماهوك) الأمريكية من غواصتها، ليلة 21/22 مارس، ضد مقر رئاسة المخابرات العراقية، حيث تملك بريطانيا 65 صاروخاً من هذا النوع. بالإضافة لاستخدامها الصاروخ الحديث (Enhanced pave wayII) من المقاتلات (هاريير GR-7) لأول مرة في هذا المسرح، وهو يعمل بنظام التوجيه GPS.

ستظل الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على أسطولها من حاملات الطائرات في تحقيق أهدافها الإستراتيجية فيما وراء البحار، لاسيما مع تقلص وجودها العسكري في القواعد العسكرية في البلدان الأخرى. وفي حرب العراق الأخيرة أُدخلت تحديثات كثيرة تكنولوجية وعملياتية على عمل حاملات الطائرات، وعلى الأخص الجهود التي بذلت لدمج أجنحة طيران الحاملات في عمليات تستند إلى قواعد جوية أرضية، وتزويد الحاملات بالمقاتلات المتطورة (سوبر هورنت)، وتنسيق العمل بين أكثر من ست حاملات كانت عاملة في المنطقة لقصف أهداف على مدار الساعة، فقد حققت الحاملة (كيتى هوك)، على سبيل المثال، 5375 طلعة طيران، وأطلقت مجموع ذخائر تعادل 864 ألف رطل من القنابل والصواريخ، وفقدت طائرتان أثناء الحرب.

أما الحاملة (كونستيلليشن) فقد حققت 1500 طلعة، بمعدل 200 طلعة في اليوم، وأطلقت ما يعادل مليون رطل من الذخائر، منها 408 صاروخ كروز. وكانت الحاملة (ابراهام لنكولن) أول حاملة تستخدم المقاتلات المعدلة (F18-EF سوبر هورنت)، وحققت رقماً قياسياً جديداً في الإبحار والعمليات القتالية على مدى عشرة أشهر، وهي الأطول منذ ثلاثين عاماً، حيث كانت تقوم قبل الحرب العراقية بمراقبة منطقة حظر الطيران جنوب العراق، وأطلقت ذخائر تعادل 1.3 مليون رطل، وجُرب عليها العديد من منظومات التسليح والمستشعرات الجديدة، أبرزها منظومة القدرة الاشتباكية المتعاونة Cooperation Engagement capability (CEC) والتى تسمح للسفينة المشتركة في هذه المنظومة بالحصول على معلومات الرادار وإطلاق الصواريخ من سفينة أخرى، واتسعت شبكة CEC بانضمام حاملة الطائرات (نيمتز) للأسطول في الحرب، وعليها طائرة الإنذار المبكر والقيادة والسيطرة E2C.

وتدور جهود تنسيق النيران المشتركة حول نشر نموذج بحري من نظام الاستشعار التكتيكي، لدمج أجهزة الاستشعار البحري مع الجيش A navy version of the Army’s sensor fusion tactical exploitation system (TES)، والنموذج البحري المُشار إليه هو (TES-N)، يسمح لحاملة الطائرات باستقبال الصور من الطائرات في الجو ومن أجهزة الاستشعار الأخرى، بالإضافة لمعلومات استخبارية أخرى. كما زودت حاملات الطائرات بمنظومة دفاعية ذاتية Self defense system (SDS)، تتكون من مجموعة من الرادارات وأجهزة مضادة للتشويش، وجهاز تعارف، وصاروخين (رام) Rolling Air frame missile وصاروخ (سبارو).

وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد أفادت، في 20 يوليه 2003، أن قادة سلاح الجو الأمريكي في العراق نفَّذوا أثناء الحرب خطة شاملة لإشاعة الارتباك في القيادة العسكرية العراقية، أطلق عليها (البؤرة الجنوبية)، تطلبت شن هجمات جوية مركزة على شبكة كابلات الألياف البصرية، التي كانت تعتمد عليها القيادتين السياسية والعسكرية في العراق في نقل واستقبال الأوامر والمعلومات. فضلاً عن الضربات التي وُجهت ضد مراكز القيادة والسيطرة ومحطات الرادار وغيرها من الأهداف. ووفقاً لهذه الخطة أسقط 606 قنبلة موجهة على 391 هدفاً اختيرت بعناية، ما مكَّن القوات الأمريكية من بدء حملتها البرية دون أن يسبقها ضربات جوية مكثفة، كما في حرب عام 1991.

رغم الصعوبات التي واجهتها الطائرات العمودية بأنواعها الاقتحامية والهجومية والمواصلاتية في حرب العراق الأخيرة، وما تكبدته من خسائر (حوالي 12 طائرة عمودية)، بعضها ناتج عن نيران صديقة، وسوء أحوال جوية، فقد لعبت الطائرات العمودية دوراً متميزاً في تقديم المعاونة النيرانية القريبة، (خاصة طائرات أباتشى)، وفي نقل القوات الخاصة إلى مواقع عملها داخل العمق العراقي، وفي عمليات إنقاذ الأسرى والمصابين.. الخ. وعندما حالت الأحوال الجوية السيئة دون الاعتماد على المقاتلات في تقديم المعاونة النيرانية القريبة للقوات البرية، تحولت هذه المهمة إلى الطائرات العمودية الهجومية، التي اضطرت إلى التحليق على ارتفاعات منخفضة، وبسرعة بطيئة، ما عرَّضها لنيران الدفاعات الأرضية العراقية. الأمر الذي دفع بعض قادة هذه الطائرات إلى الطيران من الخلف، لتجنب هذا النوع من النيران.

وترتَّب على زيادة حاجة القوات البرية لنيران المعاونة القريبة للطائرات العمودية الهجومية، أن ألحقت الكثير من هذه الطائرات على الوحدات البرية، وكانت تتمركز قريباً من مواقع هجوم أنساقها الأولى، ما عرضها لنيران المدفعية العراقية. ومن أبرز العمليات التي قامت بها الطائرات العمودية، نقل الوحدة 26 مارينز (سريعة الانتشار) من سفنها في البحر مباشرة إلى منطقة الهدف المكلفة بمهاجمته. كما تبرز في عمليات النقل الإستراتيجي الدور الذي قامت به طائرات النقل C130 في إسقاط وإنزال وحدات اللواء 173 مظلي في شمال العراق، بعد نقله مباشرة من بالولايات المتحدة الأمريكية إلى منطقة عمله.

كانت الأقمار الصناعية هي عين قيادات التحالف لكشف الكثير من أوضاع وتنقلات القوات العراقية، بل وأسرار النظام الصدامي نفسه، بالإضافة لتحديد الأماكن المتوقع استخدامها لإطلاق الصواريخ البالستية الحاملة لأسلحة الدمار الشامل. واستعانت القيادة الأمريكية في حرب العراق بتشكيلة متنوعة من الأقمار الصناعية، ذات الاستخدامات المتنوعة في أعمال الرصد والملاحقة والتصنت والتصوير بجميع أنواعه، الفوتوغرافي والرقمي والحي (فيديو) والحراري والراداري.

ومن أبرزها منظومة أقمار KH (Key Hall الثقب الجوهرى)، وأحدثها KH - 11، والمتقدم (Advanced)، ويصل ثمن الواحد منها إلى 1.5 مليار دولار، حيث تجري معالجة الصور داخل القمر نفسه، وتُرسل جاهزة للأرض، كما يُصوِّر مساحات تصل إلى آلاف الكيلومترات المربعة، ودرجة وضوح الصورة إلى 15 سم (لوحة سيارة بكل تفاصيلها)، بالإضافة لمنظومة الأقمار المستخدمة للملاحة GPS وتوجيه الذخائر، ومنظومة (لاكروس) لنقل صور رادارية في جميع ظروف الطقس. كما استعانت المخابرات الأمريكية بمنظومة أقمار التجسس (ايشلون)، ومركزها بريطانيا والتى تقوم بمهام التجسس السمعي والبصري.

كان للرادارات الرقمية دور في تنفيذ مهام كانت تعد في الماضي في عداد المستحيلات، خاصة عندما كانت العواصف الرملية تحد كثيراً من الرؤية، وتعيق عمل الوحدات، كانت القاذفات B-52 تضرب أهدافها بدقة فائقة، اعتماداً على أجهزة رادار رقمية حديثة، تلتقط صوراً تبثها طائرات أمريكية أخرى، وكان النظام الراداري الرقمي (جلوبال هوك) هو أبرز ما شهدته حرب العراق، والأكثر تطوراً من بين المعدات الحديثة التي برزت في هذه الحرب، وهو نسخة معدلة من الرادارات المستعملة في الطائرات من دون طيار (بريداتور). وبفضل هذه الرادارات الرقمية أصبح قادة الدبابات على الأرض على اتصال بالطائرات في الجو، وقادرة على توجيهها نحو أهدافها، كما أعطت أطقم الدبابات قدرة على رؤية الأهداف البعيدة عنها. وإن كان نظام جلوبال هوك قد تسبب في وقوع أخطاء أدت إلى قصف وحدات صديقة.

وكانت (النيران الصديقة) من أكبر المشكلات التي واجهت قوات التحالف في حرب العراق، حيث تسببت في مقتل بضع عشرات من الجنود، وتدمير عدد من الطائرات والطائرات العمودية والمعدات الأرضية. فبالرغم من تزويد طائرات ومركبات التحالف بأنظمة Combat identification system، فقد وقع العديد من الحوادث بفعل النيران الصديقة. وكانت بعض مركبات التحالف الأرضية قد زودت أيضاً بأجهزة تصوير حراري Thermal imaging panels، وأجهزة استشعار تحت الحمراء Infrared emitters لتساعد في تمييز القوات الصديقة. وأرجع الخبراء والقادة هذه الحوادث لعدم التدريب الكافي على هذه الأجهزة، أو الإخلال بجداول تشغيلها. ويجرى العمل حالياً لتطوير أنظمة أكثر تطوراً ودقة لتجنب النيران الصديقة منها نظام Millimeter wave-based interrogation system، الذي وافقت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية على استخدامه، ونظام A battle field target identification (BTID)، وقد دخل الخدمة عام 2006، بالإضافة لأنظمة أمريكية مشابهة مثل Coalition combat identification advanced concept technology demonstrator (CCIDACTD) .

لم تكن القيادة الأمريكية ولا القوات التي حاربت تحت قيادتها تتوقع أن يكون تأثير المقاومة العراقية التي مارستها الميليشيات شبه العسكرية (مثل فدائيي صدام)، مؤثراً أثراً سلبياً على أداء القوات الأمريكية، وعرقلة تقدمها لتحقيق هدفها الرئيس في الوصول بسرعة إلى بغداد وإسقاط النظام الصدامي داخلها، كما حدث بالفعل. ويرجع ذلك بالطبع إلى طبيعة حرب العصابات التي مارستها هذه الميليشيات في عمليات مفاجئة، وبقوات صغيرة في أماكن ضعيفة وغير متوقعة، مثل ذيول أرتال القوات المتقدمة، والاختفاء بسرعة والذوبان وسط الأهالي، ناهيك عن صعوبة تمييزهم عن المدنيين لارتدائهم ملابس مدنية، الأمر الذي صعَّب أيضاً على طائرات والطائرات العمودية للتحالف تقديم المعاونة الجوية القريبة، وهو ما تبحث القيادات الجوية الأمريكية عن حل له حالياً، ولهذا السبب قل اعتماد الطائرات العمودية الهجومية على أنظمة التوجيه الفضائية GPS، وزاد اعتمادهم عل الرؤية المباشرة في إصابة أهدافهم Visual targeting لضرب الأهداف المتحركة، خاصة بواسطة الطائرات العمودية (الكوبرا) الهجومية والذخائر الموجهة بالليزر، وعلى ارتفاعات منخفضة ما يعرضها للمخاطر.

يعيد البنتاجون تقييم أداء الصواريخ أرض/ جو باتريوت، لاسيما نوع (PAC-3)، في الحرب، خاصة بعد أن أطلق صواريخه في ثلاثة حالات ضد طائرات صديقة، كما فشل في رصد واعتراض خمسة صواريخ عراقية ضد الكويت، بينما نجح في اعتراض تسعة أُخر. وأرجع مسؤولو شركة رايثون المنتجة لهذا النظام السبب في ذلك إلى أن باتريوت غير مصمم لاعتراض الصواريخ المنطلقة على ارتفاعات منخفضة (كالتي أصابت سوق شرق في الكويت أثناء الحرب).

لذلك يقول فيكتور سمبسون من مركز معلومات الدفاع "إن سجل أداء باتريوت في الحرب كشف عن مزيج من أوجه التميز والقصور، وهو ما ينبغي سرعة معالجته". وترجع أهمية ذلك إلى أن الإدارة الأمريكية اعتمدت نظام باتريوت ضمن منظومة الدرع الصاروخي الوطني للدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يتعلق بالدفاع عن مسرح العمليات (THAAD)، ونشره بحلول خريف 2004، وإنفاق أكثر من ثلاثة مليارات دولار على تطويره منذ حرب عام 1991.

وفيما يتعلق بالقوات البرية، فقد شاركت الدبابة (ابرامز M-1) بفاعلية في عمليات الفرقة الثالثة وفرقة المارينز الأولى، حيث حققت معدلات تقدم عالية في وسط العراق وحتى بغداد، ولم تتأثر بنيران الصواريخ المضادة للدبابات العراقية، باستثناء الصاروخ الروسى الجديد (كورنيت)، وكانت المفاجأة في نجاح هذه الدبابة في القتال داخل المدن بالتعاون مع عربات القتال المدرعة (برادلى M2). ورغم أن وزنها (70 طن)، إلا أنها أثبتت خفة حركة عالية في أرض المعركة. ولذلك سيتمسك بها قادة الجيش رغم الاتهامات الموجهة ضدها بأنها من الأسلحة الثقيلة التي تعيق حركة الجيش، لاسيما في طبيعة المهام التي يكلف بها الانتشار السريع في مسارح متعددة العمليات، ونقل هذه المدرعات جواً.

وقد أثار غياب الفرقة الرابعة الميكانيكية عن مسرح العمليات في العراق بسبب الموقف التركي، قضية ضياع فرصة اختبار الدبابة الجديدة Stryker التي تحتوي هذه الفرقة منها وهى دبابة متوسطة مسلحة تسليحاً متوسطاً ولازالت الاختبارات النهائية تجرى عليها لكي يعتمد نزولها في المعركة. وتمتاز هذه الدبابة بخفتها وسرعة حركتها ويمكن نقلها جواً، في ذات الوقت الذي يتجمع داخلها أجهزة إلكترونية متقدمة للاستطلاع وإدارة النيران، بالإضافة إلى درع قوي يوفر لها الحماية، وتعادل في قوتها الدبابة (ابرامز)، إلى جانب ميزة مهمة، وهي قدرتها على تزويد نفسها بالماء من طريق آلة لتكثيف البخار داخلها.

ولقد برزت تساؤلات حول جدوى استثمار المزيد من الأموال والجهود في تحديث المعدات الثقيلة في الجيش، مثل الدبابة (ابرامز)، حيث طالب بعض الخبراء والقادة بإرجاء الإنفاق على مشروعات التطوير، حتى بلورة نظام متقدم للجيش يعتمد مفهوم "القوات الموضوعية Objective Force Concept". ويشمل ذلك إيقاف برامج تطوير الدبابتين (ابرامز M1, M2)، ومركبة القتال المدرعة (برادلي M2,A3). وحتى بدون تنفيذ مشروعات التطوير فإن فرق الجيش ستحتفظ بدباباتها الحالية من أنواع (إبرامز) لسنوات عديدة قائمة، وفي الأماكن الساخنة من العالم، مع تطوير وسائل نقلها بحراً وجواً، والاحتفاظ بكميات منها في قواعد عسكرية أمريكية فيما وراء البحار، بالإضافة لاستمرار تطوير معداتها الخاصة بأنظمة الاستطلاع والرؤية وإدارة النيران، ونوعيات الذخائر المستخدمة فيها وأجهزة اتصالاتها لرفع قدراتها الهجومية.

وبالرغم من الدور البارز الذي لعبته القوات الجوية، سواء في تدمير هياكل النظام الحاكم في العراق، أو تقديم المعاونة القريبة، فسيظل الاعتماد قائماً وقوياً على القوات البرية، والحاجة إلى تطويرها لأنها هي في النهاية التي ستستولي على الأرض وتؤمن المكتسبات. يتأكد هذا المفهوم من أن السقوط السريع لبغداد، كان على أيدي فرقة ميكانيكية واحدة هى الثالثة. والتي رغماً عن العرض الضعيف الذي قدمته القوات العراقية في الحرب، إلا أن قادة الفرقة الثالثة يعترفون بأنهم خاضوا معارك كبرى وضارية مع القوات العراقية في أكثر من مكان جنوب العراق، ولم يكن تقدم الفرقة الثالثة سهلاً نحو بغداد، كما كان يظن الكثيرون، حيث أظهر العراقيون قدرة على فهم أساليب هجوم القوات الأمريكية البرية بمعاونة المقاتلات والطائرات العمودية الهجومية، وابتكروا أساليب مضادة للتكتيكات الأمريكية، لاسيما أنها تفوقت على القوات العراقية في العمليات الليلية اعتماداً على ما تحمله من أجهزة رؤية ليلية متطورة.

وأرجع عدد من العسكريين الأمريكيين سرعة انتصار القوات البرية وتحقيق أهدافها بخسائر محددة، ليس فقط لما تتمتع به من معاونة جوية قريبة حُرمت منها القوات العراقية، ولكن أيضاً للتزود المستمر بالمعلومات عن الأرض وعن الخصم قبل الدخول في قتال معه. فكانت القوات البرية في أثناء تقدمها في الصورة تماماً لكل ما يجري على أرض المعركة، وعلى اتصال مستمر بجميع عناصر تشكيل القتال الجوية والبرية المجاورة والقوات الخاصة، بفضل التكنولوجيات الحديثة التي زودت بها في مجالات الاستطلاع والاتصالات. وإن كانت مشكلة تأمين مؤخرة القوات في المناطق المعادية التي تتجاوزها في تقدمها نحو أهدافها البعيدة، لا تزال تؤرق المخططين الأمريكيين للعمليات البرية الهجومية وتبحث عن حلول لها، خاصة عندما تكون هناك شكوك في مدى ولاء السكان المحليين.

وأرجع الجنرال "ديفيد ماك كيرنان" قائد القوات البرية الأمريكية في الحرب، النجاح الذي حققته القوات البرية في تحقيق أهدافها بالسرعة والحسم الذي شهده العالم، وبأقل خسائر إلى عدة عوامل أبرزها القيادة والسيطرة الحازمة على القوات، والتعاون والتنسيق المستمر بين أفرع الأسلحة المختلفة في الأرض والجو والبحر، والمعلومات الكاملة والدقيقة والموقوتة التي كان بوسع جميع القادة على المستويات كافة الحصول عليها من وسائل الاستطلاع الفضائي والجوي، والسرعة في اتخاذ القرارات السليمة بعد مناقشتها مع قادة الوحدات وأركان العمليات المعنيين بموقف معين، من طريق مؤتمرات الفيديو (تليو كونفرنس)، التي حققت الاتصال المشاهد مع قادة يقعون على مسافة مئات الأميال.

ولعبت القوات الخاصة دوراً فاعلاً ومؤثراً قبل وأثناء العمليات الحربية، خاصة في مجال الحصول على المعلومات واستقطاب عناصر مهمة من قادة العشائر، ومنع نسف الجسور والمعابر، وقيادة العناصر المعارضة وتوجيهها نحو أهداف محددة، وتأمين حقول نفط العراق. ولأهمية الخبرات التي اكتسبها جنود القوات الخاصة، في حرب عام 1991، كان استدعاؤهم للاستفادة من معرفتهم بطبيعة الأرض والسكان، لاسيما في شمال العراق، حيث جرى تنظيمهم في مجموعات صغيرة وإنزالهم قبل شهور من الحرب، واستعادوا علاقاتهم مع السكان، وقاموا بقيادة بعض الميليشيات الكردية في عمليات الشمال، وأفادوا كثيراً في توجيه الهجمات الجوية الأمريكية نحو أهداف منتقاه بمعرفتهم.

ويصف الجنرال مايرز أهمية القوات الخاصة في قوله: "كيف تستطيع تحويل 50 جندياً من القوات الخاصة إلى قوة ضاربة كبيرة؟، ببساطة بأن تضع معهم عناصر من القوات الجوية والمارينز والبحرية، وبتزويد هؤلاء بأجهزة اتصال وليزر مناسبة، يصبحون قوة ضاربة ضد العديد من الأهداف". ولأن إنقاذ المنشآت النفطية في جنوب العراق، من عمليات التخريب المتعمد الذي خططها نظام صدام لاسيما مصفاة الفاو، كان تعد ذا أهمية إستراتيجية فائقة، فقد جرى استطلاعها جيداً بطائرات من دون طيار (بريداتور) قبل الحرب، والتدريب على اقتحامها والاستيلاء عليها وتأمينها.

وفي صباح 20 مارس، أمكن إنزال مجموعة قوات خاصة بالطائرات العمودية، عزلت القوات العراقية الموجودة في المنطقة، وأمكن خلال ست ساعات من العملية، وبالتعاون مع المقاتلات الأمريكية، الاستيلاء على كل المنشآت النفطية في الفاو، وإنقاذ المنطقة من تلوث بيئي خطير يعادل 12 مرة حجم كارثة التلوث النفطي في ألاسكا. وقد برز في هذه العملية كيف يمكن تطوير أعمال القوات الخاصة لتنفيذ مهام قتالية كبيرة ورئيسة بالتعاون مع قوات جوية وبرية أخرى. (اُنظر خريطة الاستيلاء على جزيرة الفاو)

ثانياً: الجانب العراقي

إذا كان التصور الشائع للدول العربية يقسمها بين من يطلق عليهم (دول النفط) و(دول الماء)، فإن العراق يكاد يكون الدولة العربية الوحيدة التي تجمع بين الاثنين، النفط والماء، فضلاً عن مزايا جيوبوليتيكية أخرى تتمثل في مساحة شاسعة من الأراضي معظمها صالح للزراعة، وقوة بشرية تحقق كثافة سكانية مقبولة (40 فرد/ كم)، فضلاً عن عائدات نفطية تصل في المتوسط إلى 20 مليار دولار سنوياً، حيث يعد العراق ثاني دولة بعد المملكة العربية السعودية في معدلات إنتاج النفط، وبما يجعل نصيب الفرد العراقي منها حوالى 15 ألف دولار سنوياً، ويضعه في مستوى معيشة أفضل من التي يتمتع بها الفرد في سويسرا، هذا إذا ما جرى توزيع ثروة العراق بالعدل بين أبنائه.

كما ثبت وجود كوادر علمية من أبناء العراق على مستوى عالٍ من التفوق العلمي والتكنولوجي في جميع التخصصات العلمية والتكنولوجية، حاصلين على أعلى الدرجات العلمية من الخارج والداخل، إلا أنه للأسف رغم كل هذه القدرات الجيوبولوتيكية الضخمة نجد أن الانسان العراقي على العكس من ذلك، يحيا في أدنى مستويات المعيشة التي تكاد تقترب من خط الفقر، بسبب سرقة ثورة العراق ونهبها بواسطة نظام الحكم الصدامي، الذي سيطر عليه لأكثر من ثلاثين عاماً، وهاجر منه حوالي ثلاثة ملايين عراقي إلى بلدان أخرى فراراً من وطأة الظلم والاضطهاد وأعمال القمع، التي كانت تمارسها سلطات النظام الحاكم، كما أُهدرت موارد العراق الاقتصادية في مغامرات عسكرية عبثية، وحروب بلا هدف ولا نتيجة ضد جيرانه، إلى الدرجة التي أوصلت معدلات التنمية فيه إلى مستويات متواضعة (3 - 5% سنوياً)، كما لم يزد متوسط العمر في العراق عن 60عاماً، بسبب تدنى الخدمات الصحية.

وبالنسبة للتعليم، فإن عدد المتعلمين في العراق لم يزد عن نصف من هم في سن التعليم، بينما وصلت هذه النسبة إلى 75% في دول الخليج الاخرى، 85% في الأردن التي بلا نفط ولا ماء. وقد انعكست هذه الحالة من التدهور على الجيش العراقي الذي اهتم النظام الصدامي بأن يكون جيشاً ضخماً ومزوداً بأسلحة ثقيلة ومتقدمة، لما لذلك من انعكاسات سياسية ودعائية تتلاءم وأهداف النظام ومطامحه في التوسع على حساب جيرانه. إلا أن هذا الجيش الضخم الذي وصل عدده إلى قرابة المليون عند التعبئة، كان بلا فاعلية في العمليات، لافتقاره إلى التقدم النوعي من حيث التنظيم والتسليح والتدريب والقيادة والسيطرة والاستعداد القتالي، مما أدى إلى ضعف الروح المعنوية في ضباطه وجنوده، لاسيما وأن القيادات كانت ضعيفة وتختار على أساس الولاء السياسي وليس الكفاءة القتالية والعلمية والمهارة والخبرة القيادية. لذلك لم تكن هزيمته في حرب عام 2003، متوقعة فقط، بل مؤكدة.

ويبدو أن المقولة التي ذكرها قبل الحرب وزير خارجية العراق "طارق عزيز" لوفد فرنسي قدم إلى بغداد لتقديم النصح إلى صدام بالتنحي، فرد عليهم عزيز قائلاً: "لقد تولينا الحكم في هذا البلد بالقوة، ولن نتركه إلا بالقوة"، يبدو أن هذه المقولة كانت فعلاً صحيحة، وتعكس عقيدة يقينية في نفوس أركان النظام الصدامي، وعلى رأسه صدام نفسه بالدفاع عن النظام. وليس العراق ـ حتى آخر نفس فيهم. إلا أن هذا التصميم كان في الواقع يفتقر إلى وسائل وأسباب لتحقيقه، وهي الجيش العراقي الذي لم يكن على استعداد أبداً ـ لا عسكرياً ولا معنوياً ـ للدفاع عن هذا النظام.

لذلك لم تكن هزيمته بسبب الثغرة التكنولوجية الواسعة بين قوات التحالف والقوات العراقية فحسب، ولكن أيضاً لأسباب ضعف مادي ومعنوي تنخر في الجيش العراقي من الداخل تتعلق بهياكله التنظيمية، وأساليب تدريبه والقيادة والسيطرة فيه، وخطط عملياته الدفاعية وإدارة العمليات.. إلخ، رغم ضخامة حجم هذا الجيش من حيث ظاهر الأمور، ناهيك عن الخيانة التي تعرض لها، وهي جزء من الأمراض والعلل التي كانت تضرب في جنبات وقلب الجيش العراقي.

ورغم أن كل الشواهد لمن درس حالة الجيش العراقي بعمق قبل الحرب، كانت تؤكد على هزيمته في هذه الحرب، إلا أن صدام ركب رأسه وقبِل الدخول في هذه المغامرة من جانبه، حتى يظهر للعالم العربي والاسلامى بأنه القائد العربي الوحيد في العالم الذي تحدى الولايات المتحدة الأمريكية. وهو في هذا الاختيار لم يدرك خطورة أن إدارة الأزمة لم تعد من اختياره، حيث سلم بذلك المبادرة والفعل في إدارتها إلى خصمه وخياراته، من حيث التوقيت والمكان وأساليب الفعل. ومن ثم لم يكن أمام صدام سوى الرد الفعلي في معركة دفاعية، وليس المبادرة بالفعل، وبذلك كان يمثل الجانب الأضعف في الأزمة. وحتى خياره في اعتماد الدفاع لم يكن مستعداً له تماماً، لا من حيث التخطيط ولا من حيث إدارة المعركة الدفاعية.

وقد حصل العراق خلال السنوات الأخيرة قبل الحرب على قدر كبير من التكنولوجيا المتقدمة، لاسيما فيما يتعلق بالجانب الدفاعي منها، سواء المستوردة من الخارج، أو التي طورها وطنياً، وكانت لها تطبيقاتها في القوات المسلحة العراقية بأفرعها التقليدية أو فوق التقليدية (أسلحة الدمار الشامل)، والتى فاق الإنفاق الدفاعي عليها 150 مليار دولار في أقل من ست سنوات، إلى جانب إنفاق 120 مليار دولار على الأسلحة التقليدية، لاسيما بعد أن هدَّد صدام، في مايو 1990، بإحراق نصف إسرائيل بالكيميائي المزدوج.

وكان العراق قد خسر حوالي 40% من ذوي المؤهلات العليا في حرب الثمانى سنوات مع إيران، وفي حرب تحرير الكويت كانت الخسائر أكبر وأضخم، ولذلك توقع المراقبون أن تكون خسائر العراق من هذه الفئة من أبنائه في حرب 2003 أفدح بكثير، وبما أدى إلى القضاء على كل مقومات البنية الأساسية العلمية في العراق لسنوات طويلة، وبما لا يمكن العراق من إعادة بناء أسلحة دمار شامل عراقية مرة أخرى. وهذا هو أبرز أهداف الحملة العسكرية الأمريكية على العراق التى تحققت.

كما حصل الجيش العراقي أيضاً، في حروبه السابقة ـ خاصة حرب تحرير الكويت ـ على خبرات ودروس مستفادة عديدة في المجالات المختلفة، خاصة على صعيد تطوير وتحسين الكفاءة النوعية للقوات، إلا أنه للأسف لم يستنفد من هذه الخبرات والدروس في تطوير أدائه، فضلاً عن دروس أخرى أسفرت عنها حروب إقليمية في أفغانستان والبلقان، حيث انشغل الجيش العراقي في مهام تأمين الوضع الداخلىي، وحماية النظام في مواجهة الثورات الشعبية التي وقعت في جنوب وشمال العراق.

واستمرت وحدات الجيش في حالة شبه استنفار دائمة لم تعط لها الفرصة لاعادة التنظيم والتدريب وتبني أساليب قتال حديثة، ولا حتى استيعاب الأسلحة والمعدات الجديدة التي زُود بها الجيش خلال الـ 12عاماً التي تلت هزيمته في حرب الكويت، بل استمر في اعتماد أساليب قتال الجيش السوفيتى في الحرب العالمية الثانية، القائمة على الدفاع الثابت في نطاقات ومواقع وخطوط ثابتة، تسانده من الخلف مناطق تمركز وحدات مدرعة لتقوم بشن هجمات مضادة. وللأسف حتى هذه الهجمات المضادة كانت تفتقر لأهم مقومات نجاحها، وهو الغطاء الجوي، ما أدى إلى تدميرها فور تحركها من مناطق تمركزها، وقبل أن تدفع للاشتباك.

وبرغم امتلاك الجيش العراقي لوحدات صواريخ أرض/ أرض ذات قدرات متنوعة (لونا، سكود، الحسين، العباسي) وأخرى قصيرة المدى (لونا)، إلا أنه لم يستخدمها، ولا حتى في المراحل الأخيرة من الحرب، لإيقاف تقدم القوات الأمريكية تجاه بغداد. وكان من الممكن في حال استخدام هذه الصواريخ وبكثافة، حيث يملك العراق منها عدة مئات ضد أخطر مناطق تمركز القوات الامريكية ـ وهى الفرقة الثالثة – أن يحدث بها خسائر ضخمة تعطل هجومها على بغداد عدة أيام، يمكن الاستفاد بها في إجراء تحركات سياسية تعطي الفرصة لإعادة تنظيم وحدات الحرس الجمهوري المخصصة للدفاع عن بغداد. ويرجع ذلك في الأساس لضعف وتهالك الخطة الدفاعية العراقية، والارتباك الذي ساد القيادة العراقية أثناء الحرب.

وهنا يبرز سؤال مهم، وهو إذا كان "صدام حسين" مدركاً تماماً أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح له باستخدام هذه الأسلحة ذات الدمار الشامل في أى مرحلة من مراحل الحرب، وأنه في حالة استخدامه لهذه الأسلحة ضد القوات الامريكية المهاجمة، فإن الرد الأمريكي عليه سيكون نووياً، وهو ما يهدد بإبادة كل شيء، فلماذا جاهر صدام بتهديده باستخدام ما لديه من أسلحة كيميائية، واستخدم كل وسائله الدعائية والإعلامية للترويج لهذا التهديد. لقد كان من الغباء السياسي إشعال حرب إعلامية حول استخدام العراق سلاحه الكيميائي المزدوج، وهو ما استغلته الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية في إقناع العالم بضرورة إسقاط هذا النظام قبل أن يخرب المنطقة بهذه الأسلحة.

نخرج من حقيقة عدم جدية صدام في تنفيذ تهديداته باستخدام أسلحته ذات الدمار الشامل، وإسقاطه هذا الخيار من حساباته في تخطيط وإدارة الحرب، بأن الخيار الوحيد الذي كان باقياً أمامه في ظل فقدان العراق السيطرة الجوية أن يدير معركة دفاعية من مواقع ثابتة، تعتمد على سلسلة قوية من الموانع الصناعية التي ترتكز على موانع طبيعية. ورغم وجود قناعة لدى القيادات العسكرية العراقية بأن هذا هو الخيار الوحيد المتاح لانقاذ العراق، فإنهم لم يعدوا العراق لهذه المعركة الدفاعية. فقد كان البناء الدفاعي العراقي بكل هياكله التنظيمية والتسليحية والبشرية واللوجستية والتدريبية والقيادية ضعيفاً ومتهالكاً، على طول المواجهة والعمق العراقي، حيث لم يصمد موقع دفاعي واحد صموداً جيداً أمام الهجمات البرية للتحالف.

بالاضافة لعناصر ضعف أخرى في الخطة الدفاعية العراقية، التي عُدِّلت عدة مرات، فضلاً عن الانهيار المعنوي بين الضباط والجنود، لاسيما عقب إعدام عدد من القادة والضباط قبل الحرب بأيام، بتهمة الارتياب في ولائهم للنظام. وقد ازداد الأمر سوءً عندما أجرت القيادة العسكرية حركة تنقلات واسعة بين القادة على مختلف المستويات، عُزل بموجبها عددً من قادة الجيش النظامي، وحل مكانهم ضباط من الحرس الجمهوري، وتكثيف الدفاع عن بغداد على حساب باقي مناطق العراق، ناهيك عن ضعف نظام الدفاع الجوي رغم قوة أسلحته، والغياب الكامل للقوات الجوية العراقية عن الحرب، ما أفقد القوات البرية عنصراً أساسياً في الحماية من الهجمات الجوية المعادية، والمعاونة الجوية القريبة والاستطلاع الجوي، وجعل القوات البرية تعتمد فقط على نيران المدفعية في تقديم المساندة النيرانية، وعلى وسائل الاستطلاع البري في الحصول على المعلومات وفي العمق التكتيكي فقط، حيث لم يكن لدى القيادة العراقية أى معلومات عن العدو في العمق الإستراتيجي، باستثناء ما يُنشر في المصادر العلنية للمعلومات، إلى غير ذلك من مظاهر الضعف والاهتزاز في البناء الدفاعى العراقي.

وفي ظل مثل هذه الظروف لم يكن متوقعاً أبداً أن تصمد الدفاعات العراقية ـ لا في الأمام ولا حول بغداد ـ أمام هجوم منسق وقوي بري وجوي من جانب قوات التحالف، ولم يكن هذا التخلف غريباً في ظل وجود شخصيات على رأس القيادة العسكرية العليا في العراق لا تمت للعسكرية بمعناها المهني وحرفية الحرب بصلة، وهما "صدام حسين" وابنه قصى، الذي ولاه أمور الجيش والحرس الجمهوري وعمره لم يتجاوز 30 عاماً، ولم يحصل على أى تأهيل عسكري في حياته، حيث فرضه صدام على القادة العسكريين الباقيين بعد إعدام وعزل وهرب أفضلهم. وقد انعكس ذلك الوضع المتردي على تشكيلات القوات المسلحة العراقية كافة، حيث انهارت الروح المعنوية للضباط والجنود بعد أن اختفى القادة، فتركوا أسلحتهم ومعداتهم دون قتال، وهربوا في ملابس مدنية إلى منازلهم تاركين مواقعهم لتشرخها قوات التحالف، أشبه شيء بسكين يشرخ قالباً من الجبن.

وفي ظل انعدام الخيارات أمام القيادة العراقية في الدفاع، باستثناء الدفاع الثابت، فإنه كان ينبغي المزج بينه وبين أسلوب الدفاع المتحرك، على جميع طرق تقدم وهجوم قوات التحالف، مع استخدام أسلوب "السدود النارية" بكثافة وعمق في التصدي للطائرات العمودية والمقاتلات الهجومية، والذي أثبت جدواه في إحدى المعارك الدفاعية جنوب بغداد. كما كان من الواجب اختيار توقيتات محددة يمكن فيها حشد عدد كبير من المقاتلات والطائرات العمودية العراقية في هجمات جوية شبه منسقة ومفاجئة ضد القوات البرية للتحالف، وبما يضمن نجاح هذه الهجمات الجوية.

كما كان من المفترض أيضاً الاعتماد اعتماداً أساسياً على الصواريخ المضادة للدبابات في إنشاء ستائر مضادة للدبابات ثابتة ومتحركة تستند إلى أنظمة موانع متحركة لتحييد تحركات وهجمات مدرعات التحالف، لا سيما إذا ما نسقت مع نيران مدفعية في شكل غِلالات متقهقرة تستمرفى قصف القوات المهاجمة طوال فترة تقدمها، وبهذا الأسلوب الدفاعي المنسق بين أنظمة الموانع والدفاعات الثابتة والمحصنة، والستائر المضادة للدبابات، ونيران المدفعية المستمرة في مساندة القوات المدافعة، مع إطلاق السدود النارية لوسائل الدفاع الجوي، يمكن فقط ضمان كسب المعركة الدفاعية، لاسيما إذا ما صمدت مراكز القيادة التكتيكية والتعبوية والإستراتيجية في مواقعها، واستمرت في فرض السيطرة على القوات أثناء إدارة العمليات.

ولو أن القيادة العراقية أدركت معنى تصريح الجنرال فرانكس ومغذاه، الذي قال فيه قبل الحرب: " لن نحارب بطريقة صدام حسين، ولكن بطريقتنا، ولن نتورط في حرب مدن تجنباً للخسائر فيها، وسنجمدها في الفريزر، حتى لا نقع في شراك الخطة الدفاعية"، فإن ذلك كان يعني عدم تورط القوات الامريكية في قتال مدن، ولكن حصارها وعزلها حتى تسقط ثمرة ناضجة في أيديها. ومن ثم كان على القيادة العراقية أن تبني خطتها على أساس قتال قوات التحالف خارج المدن، وحشد القوات العراقية في دفاعات على طرق اقتراب قوات التحالف لقتالها وتكبيدها حجماً من الخسائر يمنعها من اقتحام المدن، إلا أن القيادة العراقية حشدت جزءً كبيراً من قواتها للدفاع داخل المدن، بما فيها وحدات من الحرس الجمهوري، ما حولها إلى قوات أمن تدافع عن النظام الحاكم، وليس قوات مقاتلة تدافع عن كل العراق.

ومن الاخطاء التي وقعت فيها الخطة الدفاعية العراقية، أنها لم تجهز الجسور والسدود المقامة على محاور تقدم قوات التحالف للتفجير، والذي جُهز منها للتفجير لم يُنفذ. ولقد كان من الممكن جعل معركة عبور الأنهار العراقية على قوات التحالف دامية فيما لو أحسن الدفاع عن المعابر الموجودة عليها. وقد وصف المؤرخ البريطانى جون كيفن صاحب كتاب "وجه الحقيقة" الخطة الدفاعية العراقية في صحيفة (ديلي تلغراف) قائلاً: "إن خطة صدام إن وجدت يجب أن تعد بمنزلة أكثر الخطط غباءً على الإطلاق"، وعلَّل ذلك بأن الخطة لم تستفد من المواقع والدفاعات الطبيعية في العراق، حيث جرى التخلي عن كل المنافع المتوافرة للدفاع من دون الاستفادة منها، وكان بالإمكان تخريب مرفأ أم القصر منذ البداية، وتدمير الجسور على نهري الفرات وبردي الواحد تلو الآخر، وذلك بدلاً من القتال لتأخير التقدم الأمريكي إلى بغداد، وبذلك سمح صدام لأكبر فرقتين ـ الثالثة الميكانيكية والأولى مارينز ـ أن تتقدما بسرعة إلى بغداد.

وفي جيش مثل الجيش العراقي، تحكمه المركزية الشديدة في القيادة والسيطرة لسنوات طويلة، يصبح غياب هذه القيادة المركزية أمراً مفجعاً. ولقد أدى سوء إدارة العمليات الحربية من قِبل صدام وابنه قصى، إلى إلغاء شعبة تخطيط العمليات وإدارتها في رئاسة الأركان العراقية نهائياً، وصار صدام وابنه يصدران الأوامر مباشرة إلى الوحدات من السيارة التي كانوا يتنقلون بها من مكان لآخر باستمرار، وكانت هذه الأوامر تصدر متضاربة وتناقض بعضها بعضاً، ومعظمها يتعلق بتغيير مواقع الدبابات، ولأن ذلك كان يجري في ظل سيطرة جوية معادية، فقد كانت تدمر من الجو قبل أن تصل إلى الموقع الجديد، وحتى قبل أن تصل المدرعات إلى موقعها الجديد، كانت تصدر الأوامر بالانتقال إلى موقع ثالث.

وفي بعض حالات الوحدات القريبة من المنطقة الكردية، صدرت أوامر بتدمير الدبابات خشية وقوعها في أيدي البشمرجة الكردية، وكان الأفضل في مثل الموقف العراقي أن يعتمد مبدأ المركزية في التخطط واللامركزية في إدارة العمليات، وأن تكون مسؤولية القيادة والسيطرة في أيدي شعبة تخطيط العمليات وإدارتها في رئاسة الأركان.