إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع التركي ـ اليوناني، ومشكلة قبرص





نيقوسيا والخط الأخضر

الاقتراح التركي
بحر إيجه والجزر
قبرص التقسيم الفعلي



أولى حروب القرن

المبحث الأول

جزيرة قبرص: حقائق جغرافية وتاريخية

أولاً: موقع جزيرة قبرص وأهميته

1. حقائق جغرافية

اسم الجزيرة هو "كيبرو" Kupros, Kypros، كما ينطق باللغة اليونانية، و"قِبرِص" Kibris، كما ينطق باللغة التركية، وباللغة الإنجليزية Cyprus، وباللغة العربية  قُبرس أو قُبـْرُص. ويقال إن هذا الاسم  مشتق من كلمة النحاس، الذي يوجد بكثرة في الجزيرة[1].

وقبرص، هي ثالثة جزر البحر الأبيض المتوسط حجما، بعد جزيرتَي صقلية وسردينيا. وتبلغ مساحتها 9251 كم2 منها 9240 كم2 أرض يابسة، إضافة إلى 11 كم2 مسطحات مائية وهي قسمان، قبرص التركية في الشمال، وتبلغ مساحتها 3355 كم2، وقبرص اليونانية في الجنوب، ومساحتها 5896 كم2.

ويبلغ طول شواطئ الجزيرة القبرصية 648 كم، ومن المساحة الكلية للجزيرة 10.81 % أرض زراعية موسمية، 4.32 % مزارع شجرية دائمة، 84.87 % لأغراض أخرى، وتقتطع القواعد العسكرية البريطانية حوالي 150 كم2 من أراضي الجزيرة منذ عام 1960.

تبعد عن الشاطئ التركي مسافة 70 كم، وعن اللاذقية في سورية 100 كم، وعن لبنان 200 كم، وعــن فلسطين 300 كم، وعن مصر 482 كم. بالمقابل، فإنها تبعد عن اليونان 800 كم. وبينها وبين جزيرة كريت 553 كم.

ويُقدّر أقصى طول لها من الشرق إلى الغرب بـ 240 كم. كما يقدر أقصى عرض لها من الشمال إلى الجنوب بـ 100 كم.

فيها سلسلتان من الجبال، هما جبال  ترودوس Troodos، في الجنوب الغربي، وهي الأكثر ارتفاعاً، حيث تصل  قمة جبل أولمبيا إلى ارتفاع 1952 م فوق مستوى سطح البحر، وتغطي قممها غابات الصنوبر والأرز. وسلسلة كيرينيا ـ كارباس Kyrenia-Karpas، في الشمال، حيث ترتفع 1019 متراً فوق سطح البحر. والسلسلتان تحدان سهل "مساوريا Mesaoria "  الجاف، الذي يمتد من خليج مورفو Morphou، في الشمال الغربي، إلى فاماجوستا Famagusta، في الشرق، والذي يُعَدّ أكثر مواقع الجزيرة خصوبة، وإنتاجاً.

ويتميز مناخ قبرص بأنه حار جاف في الصيف، وبارد رطب في الشتاء. ويقدر متوسط هطول الأمطار فيها، سنوياً، بنحو 490 مم.

وتنقسم الجزيرة إلى ست مقاطعات، والعاصمة هى نيقوسيا Nicosia لفكوسيا Levkosia باللغة اليونانية، وليفكوشا Lefkose باللغة التركية. تقع في وسط الجزيرة، تقريبا، ويحيط بالجزء القديم منها أسوار، يعلوها أحد عشر برجاً، بنيت في عهد البنادقة Venetians. و"فاماجوستا" هي الميناء الرئيسي لقبرص، وكانت فيما مضى أكبر مركز تجاري في شرقي البحر المتوسط. و"ليماسول Limassol" و"لارناكا Larnaca"، تضمان بعض الآثار القوطية والبيزنطية. "وبافوس Paphos" مدينة تاريخية صغيرة، ترتبط بأسطورة مولد أفروديت Aphrodite . وأما "كيرينيا" Kyrenia (أو كيرنا  Girne بالتركية)، فتقع في شمالي الجزيرة، بين أشجار الزيتون، وتعدّ أجمل المدن القبرصية.

2. أهمية موقع الجزيرة

تقع الجزيرة القبرصية في منطقة التقاء بين القارات الثلاث، آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتتصل بمناطق الشرق والغرب، حيث اختلاف الثقافات والأعراق، ومناطق الصراع الدولي.

أعطى هذا الموقع الجزيرة أهمية بالغة. وكان له دور رئيسي في ما شهدته الجزيرة طوال تاريخها، من تطورات، سياسية وعسكرية واقتصادية وحضارية. فكانت على الدوام عرضة للغزو، فقد توالت عليها الغزوات المختلفة عبر التاريخ: الغزوات الفرعونية، والحثية، والأكادية، والفينيقية، والأشورية، والفارسية، والقرطاجية، والرومانية، والبيزنطية، والإسلامية، والصليبية من اللاتين، والفتح العثماني، والاحتلال الإنجليزي. كما أهّلها هذا الموقع لأن تلتقي فيها حضارات من الشرق والغرب، والإسلام والمسيحية. وينعم أهلها بالرخاء، في بعض الفترات، من عملهم في التجارة والمواصلات البحرية.

3. الأهمية السياسية والإستراتيجية لموقع قبرص بالنسبة لبريطانيا

في الأربعينيات من هذا القرن، شكّلت قبرص قاعدة إستراتيجية لبريطانيا، ونقطة اتصال وتموين لمستعمراتها وقواتها في مصر وفلسطين والعراق والخليج العربي. ولمّا أصبحت طرق المواصلات البريطانية مهددة، بحراً عبر قناة السويس، وجواً عبر منطقة الشرق الأوسط، وأصبحت حيفا، منفذ نفط الشرق الأوســط، غير آمنة، كان على بريطانيا أن تعيد حساباتها، بالنسبة إلى كل المنطقة، وتختار لنفسها خطاً ثانياً، في حالة فقدها الخط الأول، يمكنها من الاستمرار في مراقبة تطور الأحداث، في مصر والعراق ومنطقة الشرق الأدنى. وكان هذا الخط الثاني يتمثل في قبرص، التي كان موقعها الجغرافي يجعل منها قاعدة إستراتيجية، ذات قيمة كبيرة، وقت الحاجة. لذلك، تمسكت بريطانيا بوجودها في هذه الجزيرة.

وزاد من أهمية جزيرة قبرص الإستراتيجية، وأهمية الوجود البريطاني فيها، بداية التوتر، في ذلك الوقت، بين الكتلتين الشرقية والغربية، وكونها نقطة مهمة لأنشطة حلف شمال الأطلسي. وتضاعف دورها بعد أن تزايد الوجود البحري السوفيتي في المنطقة، وإثر إجلاء كل من مالطة وليبيا القواعد العسكرية، البريطانية والأمريكية عن أراضيها.

4. موقع الجزيرة القبرصية، وأثره في المنطقة العربية

كانت القواعد البريطانية في قبرص، تُشكّل خطراً على الأمن العربي. فقد انطلقت القوات البريطانية، التي شاركت في العدوان الثلاثي على مصر، عام 1956، من القاعدتين البريطانيتين في قبرص، اللتين لعبتا، أيضاً، دوراً كبيراً في الحرب بين الدول العربية وإسرائيل، في عام 1967، وفي مساعدة إسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973. واستخدم ميناء "لارناكا" القبرصي، لتقديم التسهيلات إلى مشاة البحرية الأمريكية(Marine Corps)، والقوات متعددة الجنسيات، التي نزلت، في بيروت، عام 1978[2].

وقد تغلغل جهاز الاستخبارات الإسرائيلية، "الموساد"، في كثير من مرافق الدولة القبرصية اليونانية. فهناك أكثر من 170 شركة قبرصية يونانية، تتعامل، وبتوسع، مع إسرائيل.

وتجري عمليات تهريب البضائع الإسرائيلية إلى الأسواق العربية، من خلال التجارة القبرصية، وتقف غرفة التجارة والصناعة القبرصية موقفاً سلبياً، إزاء إنشاء غرفة تجارة مشتركة، قبرصية ـ عربية، في حين أن ثمة غرفة تجارة قبرصية يونانية ـ إسرائيلية[3].

تقيم قبرص، مع معظم البلاد العربية، علاقات تجارية واقتصادية ممتازة. وحوالي 48.2% من مجمل صادرات قبرص، يذهب إلى البلدان العربية. والميزان التجاري بين هذا الشطر اليوناني من تلك الجزيرة الصغيرة والدول العربية مجتمعة، يميل إلى مصلحة الأولى بنسبة ملحوظة 77.367 مليون جنية قبرصي قيمة الواردات القبرصية من الدول العربية، وهي واردات، يُشكّل النفط نسبة تزيد على 90% منها، مقابل 139.989 مليون جنيه قبرصي قيمة الصادرات القبرصية إلى الدول العربية). في الوقت نفسه، فإن الميزان التجاري بين قبرص وإسرائيل، يميل إلى مصلحة هذه الأخيرة بدرجة كبيرة جداً (927 ألف جنيه قبرصي صادرات، مقابل 4.715 ملايين جنيه قبرصي واردات).

شاركت قبرص في الحرب على العراق في مارس 2003 مشاركة غير مباشرة، من خلال قاعدتين بريطانيتين في أكروتيري AKROTIRI، ديكليا DHKELIA قدمتا دعماً لوجستياً متقدماً لقوات الحلفاء في مرحلة التحضير وإدارة الحرب، إضافة إلى دعمهما اللوجستي للأسطول الأمريكي في البحر المتوسط .

وقد قدمت القواعد البريطانية خلال الحرب على لبنان في يوليه 2006 خدمات لوجيستية للأسطول الأمريكي الموجود شرق البحر المتوسط، كما نقلت بعض القطع البحرية الأمريكية، التي كانت موجودة في ميناء حيفا الإسرائيلي إلى قبرص، تحسبا من صواريخ الكاتيوشا، التي كان يوجهها حزب الله إلى منطقة حيفا.

واستخدمت الموانئ القبرصية محطة وصول انتقالية، لإجلاء 60 ألف جندي من لبنان إليها، ثم إلى أوطانهم. كما ساهمت قبرص في تسهيل مهمة الأمم المتحدة في لبنان بعد صدور القرار 1701، بوقف العمليات العسكرية حيث كانت قاعدة  لتجميع قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة قبل انطلاقها إلى لبنان، إضافة إلى دورها الوسيط في الإمدادت اللوجيستية لقوات اليونيفيل في لبنان، أو الإمدادات الدعم لإعادة أعمار لبنان.

استخدمت قبرص موانئها في لارناكا وليماسول ، وقاعدتها الجوية العسكرية "أندرياس بابا نديرو" لهذه الخدمات، كما ساهمت في إقامة البنية التحتية لقوات اليونيفيل في لبنان، بإقامة مقر إداري لها في نيقوسيا؛ لتسهيل نقل الإمدادات إلى لبنان.

5. أهمية جزيرة قبرص لتركيا

كانت قبرص تابعة للدولة العثمانية، لثلاثة قرون. ويعيش عليها جزء من الشعب التركي. وهي لا تبعد عن الشاطئ التركي أكثر من 70 كم. وتسيطر على المنحنى الجنوبي للساحل التركي على البحر الأبيض المتوسط. لهذا، تحمل الجزيرة أهمية إستراتيجية خاصة لأمن تركيا، في صراعها مع اليونان. فإذا ما اتحدت قبرص مع اليونان، سوف يبرز أخطار ضرب الحصار على الشواطئ التركية، وإغلاق منافذها البحرية من مدخل بحر إيجه، المؤدية إلى الدردنيل  Dardanelles والبوسفور Bosporus، وكافة الموانئ التركية، من إستانبول حتى الإسكندرونة. وهي أخطار تدركها تركيا، ولا يخفف منها أوهام تحالف البلدين، ضمن منظمة حلف شمال الأطلسي.

6. سكان الجزيرة[4]

بلغ عدد سكان الجزيرة سبعمائة وخمسين ألف نسمة. يكوّنون طائفتين عرقيتين، يونانية وتركية، كل منهما تشكّلت من مهاجرين، وفدوا من اليونان وتركيا عبر العصور. وقد عاشت الطائفتان متجاورتين من دون مشاكل تذكر، طوال الحكم العثماني الإسلامي، الذي دام ثلاثة قرون، (من 1571 حتى 1878). وساءت العلاقات بين الطائفتين، مع بدء التحرك، الذي قادته الكنيسة الأرثوذكسية، لضـم الجزيرة إلى اليونان. ولا يوجد بين الطائفتين أي قاسم مشترك، باستثناء العيش على جزيرة واحدة، فلكل منهما قوميتها ودينها ولغتها وتراثها وعاداتها وتقاليدها. لذلك، لم ترقَ علاقاتهما، في أي وقت، إلى حدّ الاندماج لتكوين شعب موحد. بل على العكس، حافظ كل منهما على خصائصه، فلم تحدث حالات زواج، أو حالات تحول من دين إلى آخر.

ينتمي القبارصة اليونانيون إلى الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، ويتكلمون اليونانية. أمّا القبارصة الأتراك، فمسلمون سنّة، ويتكلمون اللغة التركية. وتعدّ اللغة الإنجليزية لغة ثانية لكليهما.

تتألف الجزيرة، في الوقت الحاضر، من دولتين مستقلتين عملياً: دولة قبرص الجنوبية اليونانية، التي يعترف بها المجتمع الدولي أنها هي "جمهورية قبرص"، المستقلة، التي تشكلت في 16 أغسطس 1960، على أسُس دستورية صارمة، تؤكد المشاركة بين الطائفتين، وهو ما رفض القبارصة اليونانيون الالتزام به، واحترام توقيعهم إياه. وجمهورية قبرص الشمالية التركية، في الشمال، التي تأسست في 15 نوفمبر 1983، على أثر فشل المفاوضات بين الطائفتين، ولتأكيد حق الطائفة القبرصية التركية في أن تعامل كشريك في دولة قبرصية يونانية ـ تركية، وليس كأقلية في دولة يونانية. ولم يعترف بجمهورية قبرص الشمالية التركية سوى تركيا.

كلتا الدولتين، تتخذ المنطقة، التي تسيطر عليها في مدينة نيقوسيا، عاصمة لها. وتبلغ مساحة الدولة القبرصية اليونانية، في الجنوب، 65% من مجمل مساحة الجزيرة. والـ 35% الباقية، تشكل مساحة جمهورية قبرص الشمالية التركية.

في الشطر الجنوبي خمس سفارات لدول عربية، هي: لبنان، سورية، مصر، فلسطين، ليبيا. ولا يوجد في الشطر الشمالي أي تمثيل دبلوماسي عربي، أو غير عربي، باستثناء تركيا، التي تتبادل وحدها، منذ العام 1983، البعثات الدبلوماسية مع جمهورية قبرص الشمالية التركية.

يقدِّر القبارصة اليونانيون نسبتهم، عام 1978، بنحو 80% من عدد السكان، وأن 18% منهم، هم قبارصة أتراك، والنسبة الباقية تشمل أقليات صغيرة، مارونية ولاتينية ومستوطنين بريطانيين، وجنسيات أخرى مختلفة. أمّا القبارصة الأتراك، فيؤكدون أن نسبتهم، عام 1974، هي 24.6%، وأن نسبة القبارصة اليونانيون، بلغت 74.7%، والباقي من الأقليات. يوجد 250 ألف لاجئ من القبارصة الأتراك واليونانيين على جانبي قبرص.

7- الحالة الاقتصادية[5]

يسيطر على القطاع الاقتصادي في قبرص اليونانية، قطاع الخدمات، ويوفر 76 % من الناتج القومي، خاصة السياحة والخدمات المالية والمصرفية، وحقق الاقتصاد القبرصي معدل نمو 3.7 % خلال عامي 2004، 2005 .

حيث وصل الناتج القومي إلى 16.78 مليار دولار عام 2005، هذا، وقد كان نصيب قطاع الزراعة 3.7% ، وقطاع الصناعة 19.8% وقطاع الخدمات 76.5% من الناتج القومي، ووصل معدل البطالة إلى 4%، والتضخم إلى 2.6%، والاستثمار إلى 19.2%.

وتصدر قبرص اليونانية الزيتون والبرتقال والبطاطس والمستحضرات الطبية والاسمنت والملابس الجاهزة والسجائر والجبن بقيمة 1.237 مليار دولار إلى المملكة المتحدة واليونان وفرنسا وألمانيا.

تستورد قبرص السلع الاستهلاكية مثل البترول ومشتقاته، وبضائع وسيطة، ووسائل نقل من اليونان وإيطاليا والمملكة المتحدة وإسرائيل وألمانيا والصين، ويصل إنفاقها العسكري إلى 384 مليون دولار، وهو يعادل 3.8% من الناتج القومي.

أما قبرص التركية فاقتصادها يعادل ثلث اقتصاد قبرص اليونانية، حيث تعتمد كثيرا على الدعم التركي، وطبقا لتقديرات عام 2004 فقد حقق النمو الاقتصادي ارتفاعا بمعدل 15.4 % مرتبطاً بزيادة معدل النمو في قطاع البناء والتعليم ، وقدمت تركيا دعما بقيمة 550 مليون دولار إلى قبرص التركية في الفترة من 2003 إلى 2006 لدعم قطاع الزراعة والخدمات.

ويبلغ الناتج القومي لقبرص التركية 4.54 مليار دولار ، ويشارك قطاع الزراعة بمعدل 10.6% وقطاع الصناعة 20.5%، وقطاع الخدمات 68.9% من الناتج القومي ، ويصل معدل البطالة إلى 5.6%، أما التضخم فيصل إلى 9.1%.

تصدر قبرص التركية بضائع بقيمة 69 مليون دولار تشمل البرتقال والليمون والزيتون والبطاطس والمفروشات. أما الاستيراد فيصل قيمته إلى 415.2 مليون دولار تشمل العربات، والبترول والأطعمة والمعادن والكيماويات والآلات المتنوعة.

أراضي قبرص الشمالية غنية بالمعادن مثل النحاس والنيكل والبيريت، كما أنها ليست غنية بالمياه، وتعتمد على الأمطار الموسمية في الزراعة ، ويتوفر بها نسبة قليلة من المياه الجوفية، إلا أن جزءاً كبيراً منها ذو ملوحة عالية خاصة في الجزء الشمالي من الجزيرة.

من المشكلات البيئية المؤثرة ، كثرة الزلازل والجفاف، خاصة في السنوات العشر الأخيرة، حيث تأثر بها قطاع الزراعة. ويعمل ثلث سكان قبرص في زراعة الحبوب والكروم والزيتون والخضروات. وتعد موالح وحرير قبرص من أجود الأنواع، كما ينتشر رعي الأغنام، وصناعة الجبن، والاهتمام بالسياحة، وإصلاح السفن.

ثانياً: قبرص خلفية تاريخية

1. لمحة سريعة إلى تاريخ قبرص حتى عام 1570

أظهرت الحفريات، أن جزيرة قبرص كانت مأهولة بالسكان، منذ الألف السادس قبل الميلاد. وقد توطدت علاقاتها بالحضارات المحيطة بها، طوال الألف الثاني قبل الميلاد. ونشطت مبادلاتها التجارية، لا سيما تصدير النحاس، الذي يُعَدّ أهم ثروات الجزيرة، مع مصر وسورية.

وفي النصف الثاني للألف الثاني قبل الميلاد، ظهر في قبرص كتابة خاصة، لم تُفك رموزها حتى الآن. وبدأ انتشار التأثير اليوناني فيها، مع استقرار موجات من الوافدين الميثانيين، الذين عززوا تجارتها ودفعوها إلى الازدهار. إلاّ أن الزلازل، التي أصابت الجزيرة (1100 ق.م)، دفعت سكان المدن الرئيسية إنكوميEnkomi ، كيتيوم Citium، بافوس Paphos، إلى الهجرة، مما أدّى إلى تدهور التجارة البحرية. وفي مطلع الألف الأول ق.م، كانت الجزيرة تضم ثلاث مجموعات سكانية متمايزة اللغات. المجموعة الأولى تستخدم اللهجة القبرصية القديمة، والثانية، تتكلم لغة مشتقة من اليونانية، والثالثة، تستخدم الفينيقية. وقد نتج من هذا الاختلاط ظهور ثقافة هجينة، مفتوحة أمام التأثيرات الأجنبية، مع وضوح التأثير اليوناني. كما كانت تتقاسمها أكثر من تسع ممالك، منها: أماتوس Amathus، كيتيون   Kition، كيريينا Kyrenia، لابيتوس Lapithos، كوريون Kourion، ماريون Marion، بافوس Paphos، سولي Soli، تماسوس Tamassos .ولكن أهمها مملكة سلامين أو سلاميس Salamis، التي حكمها الملك إيفاجورا Evagoras (توفي عام 376 ق.م). وقد خضعت الجزيرة للسيطرة ال أشورية في عهد "سرجون الثاني Sargon II " (724 - 705 ق.م) وحتى (612 ق.م)، ثم سيطر عليها المصريون لمدة قرن. وخلفهم في حكمها الفرس، في عام522 ق.م، حتى مجيئ الإسكندر المقدوني Alexander the Great، الذي انتصر على ملك الفرس دارا الثالث Darius III، في موقعة إيسوس  Issus، في قيليقيا، عام 333 ق.م، فدخلت قبرص تحت سلطته. وقد دخلت قبرص تحت حكم البطالمة، حكام مصر، وصارت من نصيب بطليموس. ولمّا نشب الصراع بين بطليموس وخصمه انتيجونوس، غلب الأخير على قبرص، مدة عشر سنوات. ثم حانت الفرصة لبطليموس عندما هزم ديميتريوس غريمَه انتيجونوس عام 310 ق. م ، فاستولى بطليموس على قبرص ثانية، عام 295 ق.م. وبقيت مدة قرنين ونصف القرن ضمن ممتلكات البطالمة، حتى غزاها الرومان في عام 58 ق.م.

ولمّا انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى شرقية وغربية، عام 330م، وقعت قبرص ضمن الإمبراطورية الشرقية (البيزنطية، ومقرها بيزنطة أو القسطنطينية)، وظلت كذلك حتى القرن السابع الميلادي.

فطن المسلمون، في صدر الإسـلام، لأهميـة هذه الجزيرة، فشنّوا عليهـا أولى حملات الفتح البحريـة، التي بدأت ـ فيمـا يروى ـ سنة 12هـ/632 م. وعادت الحمـلات في عـام 28هـ/647م، حين دخلها معاوية بألف وسبعمائة سفينة، وفرض على أهلها الجزية. وهاجمها المسلمون أيضاً في 33 هـ/653-654م، بعد أن نقض أهلها العهد. وظلّت الغارات الإسلامية مستمرة، تعقبها معاهدات، وتفرض على أهلها الجزية، ولا تلبث أن تُخرق هذه المعاهدات، فتعود الحملات على الجزيرة. وهذا ما حدث في عام 75هـ/693م، في عهد عبدالملك بن مروان، وفي 109هـ/726م، وفي عام 126هـ/743م. وأغار المسلمون عليها، في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد، عام 174هـ/790م، بعد أن اعترض الروم السفن الإسلامية، وأسروا من كان بها وهي في طريقها إلى مصر.

وصارت قبرص قاعدة للحملات الصليبية ضد بلاد المسلمين، بعد أن احتلها "ريتشارد قلب الأسد، أثناء الحملة الصليبية الثالثة، في عام 1191م. ولمّا لم يستطع الاحتفاظ بها، باعها لفرسان المعبد (الهيكل) Knights of Temple، ولكنهم لم يتمكنوا من الوفاء بالثمن، فاستعادها منهم، وباعها للملك جي دي لوسينان Guy de Lusignani، ملك بيت المقدس المعزول، الذي أسس فيها مملكة أسرة لوسينان، التي حكمت الجزيرة حتى عام 1489م، وأسسوا فيها أول كنيسة كاثوليكية عام 1196م.

وأصبحت قبرص مملكة ذات صلة وثيقة بالثقافة الفرنسية، نتيجة استقرار عدد كبير من النبلاء الفرنسيين بها، وغدت أهم مركز لاتيني في الشرق، بعد أن استعاد المسلمون "عكا" من الصليبيين، عام692هـ/1291م. كما شهدت في هذه الفترة عهداً مزدهراً وتجارة رابحة، استغلتها البورجوازية الجنوية Genoese، التي أصبحت دائنة للملك، وبدأت تتمتع بدور سياسي مهم. وتغلبت الكنيسة الكاثوليكية على الكنيسة الأرثوذكسية، وحلّت محلها في قبرص.

وشنّ عليها السلطان المملوكي، برسباي، ثلاث حملات بالأسطول المصري، ما بين  أعوام 828هـ ـ 830هـ / 1424 ـ 1426م، للتخلص من خطر الصليبيين فيها. وقد أسر ملكها جانوس Janus، وأتى به إلى مصر، وفرض عليها الجزية، التي بقيت تُدفع إلى مصر حتى فتحها العثمانيون، فتحولت إليهم.

وللتخلص من الوصاية الجنوية، سعى جيمس الثانـي James II (1460م ـ 1473م) إلى عقد تحالف مع البندقية "Venice"، وتزوج بـ كاترين كورنارو " Catherine Cornaro "، تحقيقاً لهذا الهدف. ثم تربعت كاترين على العرش، بعد حكم ولدها جيمس الثالث James III، ثم تخلت عن الجزيرة للبنـدقية، بعد موتها (1489م). وظلت الجزيرة في قبضة البنادقة حتى سقوطها في يد العثمانيين.

2. الحكم العثماني

احتل العثمانيون قبرص في عهد السلطان سليم الثاني، عام 1571م ، وطردوا منها البنادقة، بهدف القضاء على القرصنة على طريق التجارة في شرقي البحر الأبيض المتوسط، وللقضاء على الخطر الذي تتعرض له طرق الحج والمصالح العثمانية، من خلال احتلال قوة أجنبية لهذه الجزيرة، التي تتحكم في موقع إستراتيجي مهم في المنطقة.

بعد الاحتلال العثماني، تشكلت في الجزيرة جالية من الأتراك، إلى جانب السكان الأصليين، الذين حافظوا على ثقافتهم الهلّينية. واتبعوا سياسة استيطانية منظمة، تؤمن الوجود التركي فيها، من طريق التهجير والنفي إلى الجزيرة من بعض مناطق الأناضول، مثل  قرامان وقيصري وعلائية ودارندة وتكة، حتى بلغ مجموع المسلمين، خلال قرن واحد، ثلث سكان قبرص. واستمرت هذه السياسة حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، حين هاجرت أفواج من التركمان، وسكنت الجزيرة. وبلغ عدد السكان، في عام 1777، 84000 نسمة، كان عدد الأتراك منهم 47000 نسمة.

وكان من أهم نتائج الوجود العثماني، إلغاء النظام الإقطاعي، الذي استبدل به نظام، تمتع فيه الفلاح القبرصي بحق استثمار الأرض وتوارثها، لقاء تسديد الضرائب المفروضة.

وكان الأتراك العثمانيون قد فتحوا القسطنطينية (عاصمة الإمبراطورية البيزنطية) في عام 1453م، وأكملوا سيطرتهم على كافة الأراضي اليونانية، وسمحوا للطائفة المسيحية الأرثوذكسية بالاحتفاظ بهويتها، الثقافية والدينية، مقابل دفع الجزية، وإعلان الخضوع للسلطان العثماني. ولدى فتحهم قبرص، في عام 1571م، اعترفوا بمطران الكنيسة الأرثوذكسية زعيماً للطائفة القبرصية اليونانية. وبذلك، استعادت الكنيسة الأرثوذكسية استقلالها، بعد أن كانت تحت الوصاية الكاثوليكية. والحقيقة أن القبارصة الأرثوذكس، استقبلوا الأتراك العثمانيين كما لو كانوا منقذين لهم، لسبب رئيسي، هـو أن اللاتينيين البنادقةVenetians، كانوا قد سلبوهم كل حقوقهم. فقبل وصول الأتراك، كانت الكنيسة اللاتينية قد قضت، تقريباً، على أي وجود للكنيسة الأرثوذكسية، وألغت امتيازاتها، وظل منصب كبير الأساقفة الأرثوذكس شاغراً لثلاثة قرون تقريباً. واعترف الباب العالي بالأسقف، كممثل لملة الروم الأرثوذكس عام 1756، مما زوّده بسلطات إدارية واسعة، وجعله الشخصية الثانية في الجزيرة، بعد الحاكم العثماني. واستمرت سلطته هذه حتى وقوع حوادث عام 1821، التي ذُبح خلالها عدد من القبارصة اليونانيين، بعد اتهام الكنيسة بالتفاهم مع اليونانيين، الذين ثاروا على السلطة العثمانية. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر، شهدت قبرص فترة مظلمة من تاريخها، إذ تناوبت عليها المجاعات والأوبئة وقحط المواسم، وتعرضت لعدة انتفـاضات  في أعوام 1665، 1690، 1764، 1766، وتقلص عدد سكانها، خاصة من العاملين في مجال الزراعة.

وخلال فترة الإصلاحات، التي بدأت مع السلطان محمود الثاني (1808 ـ 1839)، نُفِّذ بعض التعديلات الإدارية، كان أهمها تشكيل ديوان خاص (مجلس إداري وقضائي)، يضم أربعة ممثلين عن كل من الجاليتين اليونانية والتركية (1856).

3. الحكم البريطاني

في عام 1878، عقـد الباب العالـي اتفاقيـة، مع بريطانيا، يتخلى بموجبها عن إدارة قبرص للسلطات البريطانيـة، مع بقاء الجزيرة تحت السيادة العثمانية، لقاء مبلغ سنوي من المال، وتأدية الجزية إلى الدولة العثمانية، وتعهد بريطاني بدعم السلطنة إذا تعرضت لأي هجوم روسي.

وقد استقبل القبارصة اليونانيون الإدارة الإنجليزية بالترحاب، لا سيما أن الاتجاهات القومية اليونانية، المتأصلة في وجدان هذه الجالية، كانت تأمل أن يكون الخلاص من الحكم العثماني، ومجيء الإنجليز إلى الجزيرة، خطوة على طريق تحقيق الوحدة مع اليونان. أمّا الجالية التركية، فكانت مستعدة للتعاون مع السلطات الجديدة، بهدف منع تحقيق مشروع الوحدة.

كان الإجراء الأول، الذي اتخذته الإدارة الجديدة، في بداية تسلمها الجزيرة، هو تشكيل مجلس تشريعي، بناءً على الدستور المعتمد (عام 1882)، يضم ستة موظفين بريطانيين، بالتعيين، واثني عشر ممثلاً عن الجزيرة، بالانتخاب، وتسعة من القبارصة اليونان، وثلاثة من القبارصة الأتراك، بالاستناد إلى نسبة كل جالية إلى مجموع السكان في ذاك الوقت (75% قبارصة يونـان، و25% قبارصة أتــراك).

لكن هجرة الأتراك إلى تركيا، في أوائل القرن العشرين، خاصة بعد قيام الجمهورية التركية، غيّرت من هذه النسب إذ أصبحت، كما هو عليه الحال الآن، 80% من اليونان، و18% من الأتراك، و2% أقليات صغيرة من الأرمن والموارنة. بيد أن الإدارة البريطانية، لم تعدل التمثيل في المجلس، لكي يتناسب وهذه المعطيات الجديدة، خشية أن يمتلك القبارصة اليونانيون، بمفردهم، الأغلبية المطلقة فيه.

واستمر هذا الوضع حتى بداية الحرب العالمية الأولى (1914)، حين قامت بريطانيا بضم قبرص، رداً على دخول السلطنة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا. وعرضت بريطانيا الجزيرة على اليونان، في عام 1915، نظير دخولها الحرب إلى جانب الحلفاء. ولكن اليونان لم تقبل هذا العرض. وتخلت تركيا عن حقوقها في الجزيرة لبريطانيا، بموجب معاهدة لوزان Treaty of Lausanne في 24 يوليه 1923 (اُنظر ملحق نبذة عن معاهدة لوزان في 24 يوليه 1923). ثم صارت الجزيرة مستعمرة بريطانية، تابعة للتاج الملكي البريطاني في عام 1925، وأصبح رعاياها رعايا بريطانيين.

على المستوى الداخلي، برز بعض أدلة الانفتاح بين الجاليتين. فقد عارضتا معاً قانوناً بريطانياً، يهدف إلى نقل الإشراف على المدارس إلى الإدارة الإنجليزية (1921)، وزاد العمل المشترك ضد الاستعمار البريطاني، خلال الفترة من عام  1928 إلى  عام 1931، لا سيما أن الوئام كان يسود العلاقات بين اليونان وتركيا خلال الفترة عينها. إلاّ أن الموقف سرعان ما تدهور، ابتداءً من عام 1931، على أثر قرار الحاكم البريطاني اعتماد ميزانية 1931، على الرغم من تصويت أغلبية المجلس التشريعي ضده. وأشعل هذا السلوك الاستعماري العواطف القومية والإحساس بالقهر، لدى الجالية اليونانية، فانفجرت الانتفاضة، في أكتوبر 1931، بإيحاء من الكنيسة الأرثوذكسية القبرصية، لتحقيق الوحدة مع اليونان. وكان رد السلطات البريطانية عليها عنيفاً، كما نُفي العديد من الزعماء السياسيين، وأُلغي المجلس التشريعي، وعُلّقت الحريات.

وبعد مضي عشر سنوات على الانتفاضة، قررت السلطات رفع الإجراءات السابقة، وإعادة الحريات، مما خلق نشاطاً سياسياً كبيراً، حتى بلغ عدد الأحزاب اثنين وثلاثين حزباً للجالية اليونانية، مقابل ثلاثة أحزاب في الجانب التركي. كما عادت فكرة الوحدة مع اليونان تغذي عقول القبارصة اليونانيين وقلوبهم، أكثر من أي وقت مضى، بدفع من المقاومة، التي كان يبديها الشعب اليوناني تجاه الاحتلال الألماني النازي. في حين أن قلق القبارصة الأتراك من الوحدة، كان يدفعهم إلى التعلق بالوجود الإنجليزي في الجزيرة، كونه الضمان الوحيد إزاء هذا الاحتمال، حتى يتم إيجاد حل، يرضي الطرفين.

ثالثاً: هوية قبرص

إن تبعية هذه الجزيرة، على مر هذا التاريخ، يشوبها الكثير من الجدل، القائم على أسانيد كلا الطرفين المتخاصمين، إذ يؤكد الطرف القبرصي اليوناني تبعية الجزيرة لليونان، مستنداً إلى وقائع تاريخية. بينما يؤكد الطرف القبرصي التركي تبعية الجزيرة لتركيا، مستنداً إلى وقائع تاريخية وجغرافية، أيضاً.

1. تاريخ قبرص، من وجهة نظر القبارصة اليونانيين

في بحثهم عن "يونانية" قبرص، وجد القبارصة اليونانيون، أن جزيرتهم كان لها، منذ القدم، تاريخ حافل، نتيجة لموقعها الجغرافي. إذ قدِم اليونانيون إلى قبرص، عام 1500 ق.م، تجاراً، ومهاجرين، في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وقد أدخل هؤلاء اليونانيون اللغة والحضارة اليونانيتين، اللتين ما برحت المحافظة عليهما حتى يومنا هذا.

في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، أصبحت قبرص جزءاً من مملكة الإسكندر الأكبر. وخلال القرن الأول قبل الميلاد، أصبحت مقاطعة من الإمبراطورية الرومانية، واستمرت كذلك حتى القرن الرابع للميلاد، حينما أعطيت للجزء الشرقي من الإمبراطورية الرومانية، وهذا يشير إلى بدء العهد البيزنطي، الذي استمر حتـى القرن الثاني عشر للميلاد، حينما قام الملك ريتشارد قلب الأسد، خلال الحملات الصليبية، باحتلال الجزيرة، لكنه سرعان ما سلّمها للفرنسيين، حتى القرن الخامس عشر الميلادي.

وفي عام 1489، أصبحت قبرص جزءاً من جمهورية البندقية. وفي عام 1571، احتلها العثمانيون. وقد بقيت قبرص تحت الاحتلال العثماني، مثلها مثل الأراضي اليونانية الأصلية، وجزر يونانية أخرى. إلاّ أنه بعد الانتفاضة اليونانية، وبدء النضال التحرري عام 1821، انتزعت عدة أجزاء من اليونان استقلالها. وقد أسهمت قبرص في حرب اليونان من أجل الاستقلال، إذ قاتل العديد من القبارصة، وسقطوا خلال تلك الحرب، وخصوصاً في معركة أثينا، عام 1822.

لقد طرحت مسألة ضم قبرص إلى الدولة اليونانية بعد عام 1830 مباشرة. ولم يكن ذلك ممكناً. واستمرت قبرص تحت الحكم العثماني حتى عام 1878. وخلال هذا العام، دفعت سياسة التوسع لروسيا القيصرية الأتراك إلى تسليم قبرص للبريطانيين، الذين وعدوا الأتراك بمساعدتهم، في حال قيام الروس بهجوم على مناطق حدودية معينة. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، عام 1914، ضُمت جزيرة قبرص إلى الإمبراطورية البريطانية، بموجب معاهدة لوزان، الموقعة في 24 يوليه 1923. وفي عام 1925، أُعلنت، رسمياً، مستعمرة ملكية بريطانية، وظلت كذلك حتى استقلت في 16 أغسطس 1960.

وإضافة إلى ذلك، يقدم القبارصة اليونانيون بعضاً من الدلائل التاريخية التالية:

أ. دلت الحفريات على وجود حضارة قبرصية، يعود تاريخها إلى العصر الألفي السادس (ق.م). وكان السكان يعتمدون على الحجر في صنع معداتهم وأدواتهم.

ب. وفي بداية العصر الألفي الثالث (ق.م)، اكتشف النحاس، الذي بدأ يؤثر في تاريخ قبرص. ويقال إن اسم الجزيرة ينتسب إلى النحـاس، الذي كان يستخرج بكثرة، وسريعاً ما حل النحاس محل الحجر في صنع الأسلحة والمعدات.

ج. في هذا الوقت، امتد الاستيطان إلى داخل الجزيرة، وتغيرت أنماط البناء، من الشكل الدائري إلى الشكل المستطيل، وحلت البيوت محل الأكواخ. وأصبح الأموات لا يدفنون في الأكواخ، حيث يعيشون، بل في المقابر العامة. وحدث تغيير كبير في أساليب الحياة. ووجدت آثار للآلهة، وأهمها أفروديت، التي اقترن تاريخها بتاريخ قبرص إلى يومنا هذا.

د. إن التغيير في أساليب الحياة، ربما كان نتيجة لتعدد السكان، ودخول عناصر أجنبية إلى الجزيرة، من البلدان المجاورة. وتدل الأبحاث على أن شعب قبرص، كان في يوم ما، صديقاً لشعب الأناضول. وفي تلك الفترة، كان لقبرص علاقات ببلدان الشرق الأوسط، مثل سورية وفلسطين واليونان.

2. تاريخ قبرص، من وجهة نظر القبارصة الأتراك

اهتم العلماء الأتراك في عرضهـم لتاريـخ الجزيرة، بالطعن في الأسانيد اليونانية. ورأوا أن الجزيرة تتبع تركيا، وذلك على أساس ثبوته، كحقيقة علمية، تؤكدها دراسات قام بها علماء غربيون عن أن تضاريس قبرص، كما هو الحال في جبال ترودوس، متشابهة، من حيث السطح والتكوين، وهي امتداد لجنوبي الأناضول وكانت متصلة بميناء الإسكندرونة، بمنظومة سلسلة جبال طوروس، وأن قبرص هي قطعة من تركيا، وأنها مشـابهة للأناضول، من حيث الجيولوجيا والإقليم.

وفي الاتجاه نفسه، الذي يؤكد أن قبرص المنفصلة عن تركيا بواسطة البحر هي في الواقع متصلة بالإقليم الأصلي، من طريق قاعدة في عمق البحر، يراوح عمقها بين مئات الأمتار، وأن جبال منبسطات ولاية هاتاي التركية، الصاعدة فوق مستـوى البحر عند قبرص، هي استمرار للتضاريس نفسها.

ويذكر المؤرخ اليوناني، الدكتور أشيلي أميليانيدسAchilles C. Emilianides، المعروف بعدائه للأتراك، في كتابه "تاريخ قبرص"Hellenic Cyprus ، أنه "من المحتمل أن يكون ساكني قبرص الأوائل، قد جاءوا من سواحل الأناضول، وحملوا معهم أعرافهم وعاداتهم".

وعلى صعيد اللغة، فإن العاِلم جون جارستانج J.Garstang ، في كتابه " مرسين ما قبل التاريخ Prehistoric Mersin "، يؤكد أن إضافات (اند، سس)، الدارجة في أسماء الأماكن في الأناضول، قد انتقلت إلى اليونان، عبر بحر إيجه في الألف الثالث قبل الميلاد وهو حقيقة ثابتة لدى المحافل العلمية. فأسماء المناطق القبرصية، مثل: أماثوس، أرباندا، ملانثوس، تاما سوس... إلخ،  مشتقة من لغة الأناضول، ومن المعلوم كذلك، أن قبرص كان لها لغة محلية للتخاطب والكتابة، مشتقة جذورها من اللغات الأناضولية القديمة السائدة في تلك الفترة، علماً بأنه لم يكن للفينيقيين والمسينيين وجود في  قبرص. وحتى بالنسبة إلى العصر البرونزي، فإن العلماء يؤكدون أن التطورات في قبرص في هذا العصر، هي مشابهة لتطوراته في الأناضول.

هذا الارتباط بين قبرص والأناضول، تبرز نتائجه جلية في أن كل القوى، التي احتلت الأناضول، كانت تسارع إلى احتلال قبرص، كما فعل الحثيون والأشوريون والفرس. وخلاصة ذلك كله، أن قبـرص كانت، منذ العصر الحجري، مرتبطة، من حيث الجنس والثقافة واللغة، بالأناضول.



[1] قبرس كلمة رومية وافقت من العربية القبرس وهو النحاس الجيد.

[2] ورد في كتاب `لعبة الدمى في الشرق الأوسط`، الذي صدر أوائل 1987، في باريس، وترجمت مجلة `الحوادث` اللبنانية فصولاً منه، معلومات كثيرة خطيرة عن الدور الذي تلعبه القاعدتان البريطانيتان الكبيرتان في جنوب الجزيرة القبرصية في مخططات بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي عموماً ضد الدول العربية، كما تضمن الكتاب معلومات عن دور `صندوق البريد`، الذي تلعبه قبرص اليونانية بين دول أوروبا وإسرائيل.

[3] اجتماع سفراء سورية وليبيا ولبنان وفلسطين مع جورج إياكوفو George Iacovou، وزير الخارجية القبرصي اليوناني، في 17 نوفمبر 1986.

[4] أرتفع عدد سكان الجزيرة إلى 784.310 نسمة وفقاً لتقديرات يوليه 2006

[5] www.cia.the warld factbook- Cyprus, 2006