إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراعات في دول حول النيل والتغلغل الأجنبي، وأثره على الأمن القومي






جنوب شرق آسيا
دول الخليج العربي



المبحث الأول

المبحث الثامن

تأثير التغلغل الأجنبي على الأمن القومي

لدولتي المصب (مصر والسودان)

يخضع نهر النيل للمبادئ القانونية الدولية المنظمة لإدارة مياه الأنهار الدولية واستخداماتها، باعتباره نهراً دولياً. وقد استطاع فقهاء القانون الدولي تحديد حقوق الدول التي تتقاسم مياه النهر الدولي من خلال العديد من القواعد الدولية التي تُلزم الدول بعدم التسبب في إحداث تغييرات في البيئة الطبيعية أو الطبوغرافية، أو إحداث ضرر للدول الأخرى. ورغم إقرار الدول المتشاطئة بالقواعد القانونية المقرة، وأبرزها قواعد هلسنكي الصادرة عام 1966، التي أشارت إلى مبدأ التوزيع العادل بين الشركاء، إلا أن موقف دول أعالي النهر تباينت تجاه دولتي المصب، مصر والسودان، وطالبت بعضها بعدم قبولها للاتفاقيات المستقرة الموقعة من قبل، بل نادى بعضها بتعديل الحصص في مياه النهر، ولا يأتي هذا من فراغ ولكن نتيجة تفاعلات بعض القوى الخارجية في حوض نهر النيل، ويعني ذلك تأثير تغلغل القوى الخارجية على سياسات وتوجهات دول الحوض تجاه الحقوق المصرية والسودانية. ولا شك أن أي تغيير في الحصص، أو الرضوخ للضغوط المطالبة بتعديل الاتفاقيات السابق إبرامها أو استبدالها باتفاقيات جديدة، إنما يضر بالأمن القومي لدولتي المصب، مصر والسودان.

أولاً: أهمية منطقة الحوض للأمن القومي ومضامين السياسة المائية المصرية ـ السودانية

1. أهمية منطقة الحوض للأمن القومي

يمثل حوض النيل أحد الاتجاهات الإستراتيجية المهمة التي تُلبي متطلبات الأمن القومي المصري السوداني، لما يتضمنه هذا الاتجاه الأمن المائي، في أحد أبعاده الجوهرية.

ويُقصد بدول حوض النيل، تلك الدول التي يخترقها النهر وتقع في حوضه، ولها مصلحة في مياهه والاستفادة منها، وهي مصنفة كالآتي:

أ. دول تقع معظم أراضيها، إن لم تكن كلها داخل حوض النيل، وهي: مصر، والسودان، وجنوب السودان، وإثيوبيا، وأوغندا، ورواندا، وبوروندي.

ب. دول لا تقع أراضيها داخل حوض النيل سوى مساحات محدودة، وهي: إريتريا، وكينيا، وتنزانيا، والكونغو الديموقراطية.

لقد أفرزت توجهات ومطامح دول الحوض، وخاصة دول المنابع، عن تهديدات وتحديات للأمن المائي المصري السوداني، وخاصة من قِبل كل من: إثيوبيا، وإريتريا، ودول البحيرات الاستوائية (أوغندا ـ كينيا ـ تنزانيا ـ رواندا). أما كل من بوروندي والكونغو الديموقراطية، فقد كانت أقل حدة، وأكثر تعقلاً. وهذه التهديدات والتحديات إنما تأتي، سواء في إطار التوجه الذاتي لهذه الدول، أو نتيجة تأثيرات خارجية من قوى ودول فاعلة تغلغلت داخل الحوض لتحقيق مصالحها الخاصة، ما أثر سلباً على الأمن القومي لدولتي المصب.

إن الواقع الحالي يجب أن يفرز قدراً من التعاون لا من الصراع، حيث إنه رغم اعتراضات دول المنابع ومطالبها التي قد يراها البعض مقبولة، إلا أنه من ناحية الواقع العملي، وطبقاً لإيراد النهر، تعد مجحفة بحقوق دولتي المصب، حيث إن ما يصل إليهما معاً من نهر النيل سنوياً يبلغ 84.5 مليار م3، وهو يمثل ما لا يزيد عن 5% فقط من إيراد النهر، فيجب اتجاه إرادة دول أعالي النهر إلى التعاون للاستفادة من الفواقد وتنمية مياه النهر، لا الصراع فيما بينها أو تكتلها في مواجهة دولتي المصب، اللتان تضمن القواعد القانونية المستقرة حقوقهما.

2. مضامين السياسة المائية المصرية السوداني

إن مضامين السياسة المائية تجاه دول الحوض تشمل مضامين قانونية، وتتضمن الأسس القانونية لحقوق دولتي المصب في مياه النيل، والمضامين الفنية التي تشمل مشروعات التعاون المائي بين دول الحوض.

وفي حقيقة الأمر أن المضامين الفنية لا تُثير أياً من الخلافات، حيث تتعاون دول الحوض في منظومة متكاملة بدأت بالاندجو، ثم الهيدوميت، ثم التكونيل، وهي دائماً لا تمثل عائقاً أمام دول الحوض، بل تظل أوجه الخلاف قائمة على المضامين القانونية، وهي تمثل تحدياً أمام دول الحوض، حيث إن هذه الدول تقع تحت تأثير كثير من الضغوط الناتجة عن مطامع القوى المتدخلة والفاعلة.

أ. أسس الحقوق المصرية السودانية في نهر النيل

إن السياسة المصرية السودانية بالنسبة لمياه نهر النيل تستند إلى مبدأين أساسيين، هما:

(1) مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة

يقوم هذا المبدأ على فكرة مؤداها ضرورة احترام الكيفية التي جرى بها العمل في اقتسام مياه النهر الدولي واستخدامها فيما بين الدول المشاركة في مجراه، بشرط أن يكون هذا الاقتسام والاستخدام قد جرى تطبيقه لفترة تاريخية طويلة، إلى الحد الذي تُصبح معه حصة المياه التي تستخدمها الدولة واقعاً متواتراً لفترة طويلة دون اعتراض باقي دول النهر، وبحيث تصبح هذه الحصة ذات أهمية حيوية في حياة الدولة المستفيدة.

وقد جرى الفقه الدولي على وصف تلك الحقوق بأوصاف تعكس هذا المضمون، فيُطلق عليها الحقوق الطبيعية أو الحقوق الثابتة، أو الحقوق التاريخية المكتسبة. وقد أصبحت الحقوق المكتسبة عُرفاً دولياً، ويؤكد هذا أن الاتفاقيات الدولية العديدة اعترفت صراحة باحترام الحقوق التاريخية ووضعتها في الاعتبار. وأوضح معهد القانون الدولي صراحة "أن قواعد العرف الدولي المتعلقة بالأنهار الدولية واستخداماتها المتعددة، تُلزم دول المجرى الأعلى بواجب المحافظة على الحقوق التاريخية المكتسبة لدول المجرى الأوسط أو الأدنى، وأن تتشاور معها في كل الشؤون الخاصة".

(2) مبدأ الحصول على نصيب عادل ومنصف من إيرادات النهر

تحصل أي دولة على نصيبها من المياه من النهر الدولي الذي يمر بأراضيها بطريقتين:

الأولى: هي الحق التاريخي المكتسب (يظل قائماً ومستقراً طالما ظلت الظروف على حالها).

الثانية: توزيع المياه وفقاً لمبادئ العدل والإنصاف (إذا تغيرت الظروف وزادت موارد النهر).

ولذلك نجد أن مبدأ الحصول على نصيب عادل ومنصف يعني توزيع المياه وفقاً لمبادئ العدل والإنصاف، وذلك في حالة ما إذا تغيرت الظروف وازدادت تبعاً لذلك موارد النهر المائية لأي سبب من الأسباب، وكانت هناك حاجة ضرورية لزيادة حصة الدولة في تلك المياه.

وينبغي التأكيد على أن إعادة تقييم موارد النهر المائية بين الدول المتشاطئة لحوضه وفقاً لقاعدة الإنصاف لا يعني المساس بالحقوق التاريخية المكتسبة.

وقد أكدت هذا المعنى المادتان الخامسة والسادسة من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام الأنهار الدولية في غير الأغراض الملاحية، التي أقرت عام 1997. حيث أشارت المادة الخامسة إلى ذلك تحت عنوان "الاستخدام والمشاركة العادلة والمعقولة"، أما المادة السادسة فأشارت إلى ذلك تحت عنوان "عوامل ذات صلة بالامتناع العادل والمعقول". وتضمنت هذه العوامل:

(1) العوامل الجغرافية والهيدرولوجية والمناخية.

(2) الحاجات الاجتماعية والاقتصادية.

(3) السكان.

(4) آثار استخدام المجرى على إحدى دوله.

(5) الاستخدامات القائمة والمحتملة.

(6) تنمية الموارد واستخدامها.

(7) توافر بدائل متاحة.

ويُلاحظ أن هذه القواعد التي وضعها معهد القانون الدولي لم تغفل الاتفاقيات والمعاهدات القائمة والسابق إبرامها.

ب. مدى التزام دول الحوض بالاتفاقيات وموقفها إزاء الحقوق المائية

(1) مدى التزام دول الحوض بالاتفاقيات الموقعة

على الرغم من أن دول حوض النيل لم تصل بعد لاتفاقية شاملة لتنظيم الانتفاع بمياه النيل، إلا أن الاتفاقيات السابقة الموقعة تشكل إطاراً لحقوق هذه الدول، ويثير البعض إدعاءات بأنها موقعة أثناء الحقبة الاستعمارية، والواقع القانوني أن تلك الاتفاقيات تظل سارية وتلتزم الدول المتعاقدة بها، ما لم تتفق الدول على غير ذلك.

وتتناول بعض هذه الاتفاقيات الوضع الجغرافي للدول المتعاقدة، ومبادئ العرف والقانون الدولي تشكل التزاماً وقيداً على إقليم الدول المتعاقدة، وأكد هذا المبدأ ما جاء باتفاقية فيينا عام 1978، بشأن التوارث الدولي للمعاهدات. وتنص المادتان 11 و12 من الاتفاقية على أن المعاهدات الخاصة بترسيم الحدود الدولية أو بالوضع الإقليمي والجغرافي تظل سارية المفعول وتمثل التزاماً وقيداً على الدولة الوارثة.

إن الدول الموقعة على تلك الاتفاقيات كانت دولاً أوروبية استعمارية، ووقعت تلك المعاهدات باسم الدول الأفريقية، والقانون الدولي يعترف باستمرار وسريان الاتفاقيات وفقاً لقانون التوارث الدولي، وقد قبلت معظم الدول الأفريقية مبدأ استمرار الدولة وصلاحية اتفاقيات الحدود، بغض النظر عن تغير السيادة فيها.

ويترتب على تلك الاتفاقيات المُشار إليها بشأن تنظيم استغلال مياه نهر النيل عدد من الالتزامات الدولية، التي تقع على عاتق الدول المشتركة في الحوض (اُنظر ملحق أهم الاتفاقيات الموقعة خلال الحقبة الاستعمارية) و(ملحق مبادرة حوض النيل لعام 1999) (وملحق ملخص نص الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل (اتفاق عنتيبي)):

(أ) التزام دول مجرى النيل بالانتفاع بمياه النهر بما لا يمس الحقوق المصرية والسودانية.

(ب) التزام دول المجرى بالتشاور مع دولتي المصب عند تطوير استخدامات مياه النهر.

(ج) التزام دول المجرى بالتعاون مع مصر في مجال حماية وتطوير الانتفاع بمياه النهر.

(2) موقف دول الحوض إزاء الاتفاقيات

(أ) إثيوبيا: كانت أولى دول الحوض التي طالبت بإعادة النظر في اتفاقيات المياه بوصفها اتفاقيات سابقة وقعت نيابة عنها الدول الاستعمارية، فهي تنتقص من سيادتها. وقد ظهرت تلك الاعتراضات على أرض الواقع، عام 1996، عندما أعلنت إثيوبيا عن نيتها إنشاء عدد من السدود لتوفير 180 مليون م3 من المياه، يتم خصمها من حصة مصر والسودان مناصفة، وكانت إثيوبيا قد حصلت على موافقة مصر بهذا الشأن.

(ب) السودان: رغم التوافق في المواقف المصرية السودانية، ووقوفهما معاً في وجه تكتل دول المنابع، إلا أنه رغم اتفاقية عام 1959 بينهما، التي هي أساس العلاقة المائية بين الدولتين، إلا أن هناك أصواتاً في السودان تطالب بين الحين والآخر بمراجعة هذه الاتفاقية أو إلغائها، خاصة إذا توترت العلاقات بين البلدين، وتطالب تلك الأصوات بزيادة حصة السودان إلى 24.5 مليار م3 بدلاً من 18.5 مليار م3، المقررة سنوياً بالاتفاقية.

(ج) رواندا وبوروندي والكونغو الديموقراطية: لم تهتم هذه الدول بالتوصل إلى اتفاق بشأن الاستخدام المشترك للنهر، لأنها تتمتع بوفرة مائية وعدم اعتمادها على مياه النيل للتنمية، كما أن إسهامها في مياه النيل التي تصل لمصر محدودة للغاية، حيث تسهم هذه الدول بنسبة 1% من المياه الواصلة لمصر، وليس لهذه الدول الثلاث مواقف مناوئة، كما أنها لم تعترض على الاتفاقيات السابقة على الاستقلال.

(د) كينيا وتنزانيا وأوغندا: مواقف هذه الدول الثلاث تتمثل في عدم اعترافها باتفاقية عام 1929 التي وقعتها بريطانيا بالنيابة عنها، وما تلا ذلك من تعهدات قدمتها حكومات المستعمرات، وذلك استناداً لمبدأ "نيريري" الذي ينكر الاتفاقيات الموقعة قبل الاستقلال، كما لم تعترف هذه الدول بأية اتفاقيات تتعلق بمياه النيل وقعت دون مشاركتها.

ثانياً: إستراتيجيات وتوجهات دول التغلغل الأجنبي وتأثيرها

1. إستراتيجيات وتوجهات القوى الدولية المتغلغلة بالحوض

أ. التوجهات الأوروبية الأمريكية

(1) تركز الإستراتيجية والتوجهات الأوروبية الأمريكية على تهميش الدور المصري وإغفاله في حوض النيل، والوجود في منطقة البحر الأحمر، تحت دعاوى مختلفة، وعزل دول حوض النيل في الشمال الأفريقي عن الجنوب الأفريقي.

(2) الشراكة مع الدول ومؤسسات التمويل في دعم وإنشاء وتمويل السدود المائية دون الإخطار المسبق لمصر، التي سبق أن عارضتها طبقاً لقاعدة الضرر، الأمر الذي يهدد الأمن القومي المصري.

(3) الإضرار بمصالح مصر المائية، سواء في ظل النقص الحالي في حاجات مصر الحالية، أو في إطار جهودها لزيادة إيراداتها السنوية بالتعاون مع دول الحوض.

(4) تقديم الدعم المادي والفني لإنشاء مشروعات زراعية في إثيوبيا، في مواجهة التعاون المصري الإثيوبي.

(5) اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي لدعوات وأفكار، أخذت على عاتقها الترويج لها، مثل:

(أ) الدعوة لجعل المياه سلعة اقتصادية والدعوة لتسعيرها وبيعها ونقلها.

(ب) تسييس القضايا المائية، بخلط السياسة بالاقتصاد في المجال المائي دون حصرها في المجال الفني.

(ج) تصعيد مشكلات المياه بين مصر ودول حوض النيل عبر صياغات جديدة، مثل حروب المياه، والصراع حول المياه، والمياه القنبلة الموقوتة.

 (6) التواجد العسكري الأمريكي المشترك في جنوب البحر الأحمر، بدعوى محاربة الإرهاب والقرصنة، ومن ثم السيطرة والتحكم في حركة الملاحة الدولية، وارتباط ذلك بقناة السويس، ما يؤثر على الأمن القومي المصري.

(7) إنشاء القيادة العسكرية الأمريكية الأفريقية (أفريكوم)، التي بدأت عملها عام 2008، ويشمل نطاق عملها كل أفريقيا عدا مصر، لعزل مصر عن واقعها الأفريقي، ما يهدد الأمن القومي المصري.

(8) السياسة الرامية لعزل الشمال الأفريقي (مصر والسودان) عن دول حوض النيل، في ظل منظور القرن الأفريقي الكبير الذي يضم سبع دول نيلية هي: السودان، وإثيوبيا، وإريتريا، وأوغندا، وكينيا، ورواندا، وبوروندي. بالإضافة إلى جيبوتي والصومال.

ب. التوجه الصيني

(1) تدخل الإستراتيجية الصينية في حوض النيل ضمن التوجهات الأساسية للسياسة الصينية في أفريقيا بوجه عام، والتي تتمثل في إنشاء علاقات صداقة متينة، وتحقيق المساواة بين الطرفين في التجارة البينية، والوحدة والتعاون، والتنمية المشتركة.

(2) لتفعيل هذا التوجه تقدم الصين لدول الحوض المشروعات المقترح بناؤها مع تقديم التمويل اللازم بفائدة يسيرة 2–3% سنوياً، مع فترة سماح من 5 – 10 سنوات، كما تركز على مشروعات الطاقة والسكك الحديدية والسدود المائية والتنقيب عن المعادن. ووقعت العديد من الاتفاقيات، خاصة مع الكونغو الديموقراطية، والسودان، وإثيوبيا.

(3) تشكيل منتدى للتعاون الصيني الأفريقي، بهدف تعميق التفاهم والتعاون المشترك، وتلبية حاجات العولمة المشتركة، مع إعادة هيكلة مؤسسات صنع السياسة الصينية تجاه دول حوض النيل، وإنشاء إدارات خاصة بها في وزارات التجارة والخارجية والتعليم والصحة والزراعة والدفاع الوطني.

(4) استحواذ الشركات الصينية على عقود امتياز التنقيب واستغلال مصادر الطاقة، وتسعى الصين إلى توقيع عقود احتكار استغلال خامات الكوبالت والتتاليم، التي تُستخدم في صناعة الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، والفحم، واليورانيوم، والذهب، والمنجنيز، والألماس، والزنك. ويتولى بنك التنمية الصيني تمويل هذه العمليات كاملة. ووقعت الاتفاقيات مع حكومات الكونغو الديموقراطية وكينيا ومصر وإثيوبيا. أما السودان فقد وقعت عدة اتفاقيات معها للتنقيب واستغلال النفط السوداني.

(5) زيادة معدلات التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول الحوض، مع زيادة عقود الإقراض لتنفيذ مشروعات رصف الطرق، وبناء المستشفيات والمدارس، ومحطات مياه الشرب والصرف الصحي، في إثيوبيا، والكونغو الديموقراطية، والسودان، ومصر. كما قامت ثلاث شركات صينية بتوقيع اتفاق مع هيئة الكهرباء الإثيوبية لتطوير مشروعات الطاقة الكهربائية في منطقة جنالي داو بجنوب إثيوبيا، وإنشاء خمسة سدود في شيموجايدا بإقليم أمهرا، وإنشاء مشروعات توليد الكهرباء من الرياح في منطقتي أدامو وميسو.

ج. التوجه الإيراني

(1) تركز إيران في توجهاتها على دعم العلاقات مع دول حوض النيل التي تقع في منطقة القرن الأفريقي (إريتريا)، تحسباً لأي حظر دولي على توريد النفط الإيراني، ضمن العقوبات الدولية، وذلك بغلق مضيق باب المندب (إذا ما فُرضت عليها عقوبات دولية)، للسيطرة على الملاحة في البحر الأحمر، ومن ثم في قناة السويس.

(2) محاولة تدعيم النفوذ الإيراني في حوض النيل وشرق أفريقيا، وذلك بتفعيل التعاون الاقتصادي الذي يبلغ حوالي 300 مليون دولار سنوياً، مع محاولة زيادته.

(3) توقيع العديد من الاتفاقيات مع الدول النيلية، ومن أبرزها الاتفاقية الموقعة مع كينيا التي تتيح لإيران تصدير أربعة ملايين طن من النفط الخام إلى كينيا سنوياً، وكذلك الاتفاقية الموقعة مع إريتريا لتطوير شركة تكرير النفط في عصب وصيانتها، لتكرير النفط الإيراني وإعادة تصديره إلى إيران، التي تستورد أكثر من 40% من النفط المكرر.

د. التوجه الإسرائيلي

(1) نجحت إسرائيل، عام 1988، في إعادة العلاقات السياسية مع دول حوض النيل، التي كانت قد قُطعت عام 1973، وتهدف إسرائيل إلى استقطاب دول حوض النيل بهدف الضغط على مصر وتطويقها من الجنوب، كذلك كسب أسواق جديدة في دول حوض النيل بدعم أمريكي.

(2) تهديد نطاق المجال الحيوي المصري في الاتجاه الإستراتيجي الجنوبي، من خلال زيادة الدور الإسرائيلي وزيادة حجم وجودها في المنطقة.

(3) تهديد الأمن المائي المصري من خلال إنشاء تعاون مائي زراعي، وإقامة مشروعات ري على النيل داخل هذه الدول، دون الإخطار المسبق لمصر، ما يضر بالمصالح المصرية وحقوقها المائية.

(4) التشكيك غير المعلن لدى دول الحوض ضد سياسات مصر التعاونية في المجال المائي، ما يؤثر على أي تعاون حالي أو مستقبلي.

(5) التقارب مع الأنظمة الحاكمة بتدريب عناصر الحراسات الخاصة بالرؤساء، وتقديم الدعم والمساعدة العسكرية، وتدريب القوات العسكرية لدول الحوض، ما يبعدها عن التعاون العسكري المصري، بالإضافة إلى الحصول على تسهيلات بحرية في البحر الأحمر، خاصة من إريتريا.

(6) تهدف إسرائيل من خلال التعاون مع دول حوض النيل في المجال المائي، إلى عزل مصر عن محيطها الإقليمي، من خلال الحضور الثابت في دول المنابع، وتوقيع اتفاقيات لبناء سدود أو تطوير وإنشاء محطات كهرباء، أو اتفاقيات زراعية في كل من كينيا وإثيوبيا وأوغندا، بهدف توصيل رسالة إلى مصر والسودان أن إسرائيل عازمة على الوصول إلى مياه النيل، وبمقدورها التأثير على الأمن القومي المصري السوداني. وقد أكدت وسائل الإعلام الإثيوبية هذا، عندما أعلنت أن هناك بالفعل بعض المشروعات تُناقش مع إسرائيل، بهدف بناء سد عند مدينة مكالي بإقليم التيجراي، وبتمويل إسرائيلي.

2. أثر إستراتيجيات التغلغل الأجنبي على الأمن القومي لدولتي المصب

أ. إسرائيل

استطاعت إسرائيل أن تحقق طفرة في علاقاتها الأفريقية، وذلك في غياب الدور المصري وانحساره خلال الفترة السابقة، فاستطاعت بعد استئناف علاقاتها مع نحو 38 دولة أفريقية، أن تتحول من الشكل غير الرسمي  إلى الشكل الرسمي، وخرجت من نطاق العزلة، وأصبحت فاعلاً إقليمياً منافساً، وأصبح حضورها المؤثر في المجال الحيوي للأمن القومي المصري، وخاصة منطقة حوض النيل وجنوب السودان والبحر الأحمر. وهذا يمثل خطورة كبيرة على الأمن القومي المصري السوداني لا بد من تداركها بخطوات إيجابية مدروسة منسقة.

وقد تركزت السياسة الإسرائيلية عموماً على الجانب الاقتصادي، حيث تخلق القارة فرصاً هائلة لزيادة الاستثمارات الإسرائيلية.

(1) إسرائيل وجنوب السودان

نالت السودان، وبصفة خاصة منطقة الجنوب، اهتماماً إسرائيلياً كبيراً، حيث إن إسرائيل تعد السودان بلداً عربياً يعيق تغلغلها في البلدان الأفريقية، لذلك فهي تهتم بتذويب الثقافة العربية الإسلامية، وخلق منطقة عازلة من المد الإسلامي العربي جنوباً، ولذلك عملت بكل جهد على تقوية عناصر انفصال الجنوب، بل وتشجيعه ومساعدة القادة الأفارقة الجدد على اتخاذ دور مؤيد للانفصال، إلى أن تحقق، ومن ثم يكون القرار الواقع على مصر نابعاً من جهتين:

(أ) تقليص مساحة العمق الإستراتيجي لمصر، وخلق دول فيه مختلفة الهوية والثقافة.

(ب) وجودها في منطقة جنوب السودان وجوداً مكثفاً يؤثر على الأمن المائي المصري، بإضافتها دولة جديدة لدول المنابع تؤيد سياساتها، وقد تنضم للدول المناوئة للحقوق المصرية في حالة فشل السياسة المصرية في استقطاب هذه الدولة الجديدة.

(2) إسرائيل ومنطقة البحيرات العظمى

لعبت إسرائيل أدواراً فعالة في الصراع الذي شهدته منطقة البحيرات العظمى، سواء كانت في رواندا أو بوروندي أو أوغندا أو الكونغو الديموقراطية، حيث تُعد هذه المنطقة من أهم المناطق الحيوية في أفريقيا لاحتوائها على منابع النيل الاستوائية، ومن ثم يمكنها لعب دور مهم في سياسات هذه الدول التي تتحكم في المنابع، ويعزى التخوف المصري من تأثير هذه العلاقات إلى ركيزتين، هما:

(أ) أن منطقة المنابع هي أهم اتجاهات المجال الحيوي للأمن القومي المصري، ومن ثم فإن الدور الإسرائيلي يؤثر في هذا المجال وينتقص منه.

(ب) قدرة إسرائيل على استخدام مياه النيل ورقة ضاغطة أو للابتزاز السياسي.

(3) إسرائيل وإثيوبيا

استطاعت إسرائيل المحافظة على وجودها الدائم في إثيوبيا، بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم، وهذا يعني أن هذه المنطقة تمثل أهمية بالغة للسياسة الخارجية الإسرائيلية في أفريقيا، ويؤكد ذلك دورها في المشروعات المائية الإثيوبية، حيث يوجد حوالي 400 خبير إسرائيلي في كل من إثيوبيا وأوغندا. ويكمن هدف إسرائيل من وجودها في المنطقة الضغط على صانع القرار المصري والسوداني، نظراً لأهمية المياه وخطورتها في الإستراتيجية المصرية والسودانية.

إن قيام ارتباط عسكري إثيوبي ـ إسرائيلي من شأنه دعم وضع إسرائيل بوصفها قوة إقليمية كبرى مؤثرة، لإحاطتها بمصر من الشرق في صفة دولة جوار، ومن الجنوب الشرقي لوجودها في منطقة شرق أفريقيا قريباً من البحر الأحمر، وهو أمر يُحسب بالسلب من حساب القوة الشاملة المصرية، ويزيد من الضغط على مصر إقليمياً.

ب. الولايات المتحدة الأمريكية

إذا كانت السياسة الأمريكية تجاه القارة الأفريقية قد استهدفت تحقيق المصالح الاقتصادية والأهداف السياسية والعسكرية في القارة بجميعها، إلا أن دول حوض النيل قد استحوذت على جزء كبير من هذه التوجهات، إما لمنافسة الدور الأوروبي، أو لدعم النفوذ الإسرائيلي. وقد اتضحت هذه السياسة منذ عام 1998، حيث سعت إدارة "كلينتون" إلى تأسيس شراكة أمريكية أفريقية، انطلاقاً من رفع شعار اندماج أفريقيا في الاقتصاد العالمي. ولهذا جاءت زيارة "كلينتون" لست دول أفريقية، ولقاؤه بعدد من رؤساء الدول والحكومات في شرق أفريقيا ومنطقة البحيرات العظمى في عنتيبي بأوغندا. كما حظيت بعض دول النيل باهتمام خاص ضمن الجولة، ومنها أوغندا، ورواندا.

إن الدور الأمريكي في منطقة البحيرات وشرق أفريقيا يتجاوز دور الشراكة في التجارة والتنمية، حيث أعلن "كلينتون" خلال زيارته ما عُرف بمشروع كلينتون للقرن الأفريقي الكبير، وهو يهدف لإقامة تكتل اقتصادي سياسي يشمل إثيوبيا، وإريتريا، والصومال، وجيبوتي، وتنزانيا، وكينيا، وأوغندا، ورواندا، وبوروندي، والكونغو بشطريها، وجنوب السودان، وصولاً إلى ساحل البحر الأحمر.

إن الخطر الذي ينتج عن مثل هذا التكتل كبير، لأن التفاعل بين المصالح المحلية والإقليمية، والاهتمامات الأمريكية قد تؤدي أن يكون من أهدافه تهديد موارد مصر والسودان، سواء الأمنية أو المائية، ويزداد الخطر في حالة نفوذ إسرائيل عاملاً فاعلاً داخل هذا المجتمع. ومما يؤكد صحة هذه الفرضية:

(1) تنامي الدور الإثيوبي المناوئ للمصالح المائية المصرية السودانية.

(2) بروز أوغندا دولة قائدة، وتشجيع الولايات المتحدة الأمريكية لها للقيام بدور إقليمي، خصماً من الدور الإقليمي المصري، بالإضافة إلى دورها المناوئ للحقوق المائية المصرية السودانية المكتسبة.

(3) إصرار الجنوب على الانفصال عن الوطن السوداني الأم، وإعلان دولة جنوب السودان التي تدعمها بكل  وضوح السياسات الأمريكية، ومن ثم الإسرائيلية، وإن لم تظهر توجهاتها المائية حتى الآن.

ج. الدول الأوروبية

عملت الدول الأوروبية على تدعيم علاقاتها الأفريقية خلال فترة الثمانينيات على جميع المستويات الثنائية والجماعية، وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية. إلا أن الاتحاد الأوروبي، ومن قبله الجماعة الأوروبية، لم يبلورا سياسة أوروبية موحدة إزاء منطقة حوض النيل، أو حتى تجاه الدول النيلية.

وتلعب معظم الدول الأوروبية دوراً تنموياً محفزاً على التعاون المائي بين دول الحوض، ومثال ذلك ألمانيا وهولندا وبعض الدول المانحة على سبيل المثال. أما إيطاليا فتلعب دوراً له طبيعة خاصة، فرغم كونه يبدو تعاونياً، إلا أنه يعمل على تأجيج الصراع في منطقة حوض النيل.

دور إيطاليا

يمكن تقييم التأثير الإيطالي في حوض النيل من منظورين

(1) منظور إيجابي، بإقامتها للمشروعات المائية، وخاصة في إثيوبيا لإقامة السدود ومشروعات الطاقة الكهرومائية، فإنها تلعب دوراً تنموياً محفزاً على التعاون المائي.

(2) منظور سلبي، حيث إن دورها مانحاً مالياً ومنفذاً هندسياً لبعض السدود، يمكن أن يسهم في توتر العلاقات المائية بين دول المنابع ودولتي المصب، من منطلق عدم الالتزام بشرط الإخطار المسبق، وما يترتب عليه من ضرورة اعتراض دولتي المصب على هذه المشروعات. كما أن نتائج هذه المشروعات المائية قد يسبب الضرر لدولتي المصب، ومن ثم تتوتر العلاقات نتيجة إغفال قاعدة عدم التسبب في الضرر المستقرة في علاقات دول الحوض.

ثالثاً: إجراءات دولتي المصب في مواجهة التحديات ومتطلبات الحفاظ على الأمن القومي

إن تأثير التغلغل الأجنبي، وخاصة الإسرائيلي ـ الأمريكي ـ الأوروبي، يؤدي إلى نشوء تحديات تواجه الأمن القومي لدولتي المصب (مصر والسودان)، وخاصة في منطقة المجال الحيوي له، ويعني منطقتي حوض النيل وشرق أفريقيا.

إن الخطورة تكمن في أنها تتجه نحو المياه، وهي المصدر الوحيد للحياة والتنمية؟ وإذا كانت السودان قديماً لا تعد مياه المجرى تهديداً رئيساً، لوجود المياه البديلة، وهي مياه الأمطار على الجنوب، وإمكان تحقيق التعادل، فإنها الآن أشد احتياجاً لمياه مجرى النهر، لفقدانها جزءاً كبيراً من الأراضي المطيرة الواقعة في الجنوب، الذي انفصل عنها معلناً دولة جنوب السودان الوليدة.

إن خطورة التحديات نتيجة استقراء الأحداث وما استتبعه التدخل الأجنبي من استقطاب لدول الجوار الجغرافي والإقليمي لدولتي المصب، سيؤدي بالقطع إلى مراجعتهما مراجعة جادة لسياساتهما الخارجية والمائية تجاه هذه الدول، ومن ثم يمكنها ذلك تحقيق المتطلبات اللازمة للحفاظ على الأمن القومي.

فكلما زادت العلاقات بين الدول الأفريقية والدول الأجنبية قرباً ومتانة، استتبع ذلك وجود اقترابات وتفاعلات سياسية واقتصادية في المقام الأول من دولتي المصب تجاه دول حوض النيل، للحفاظ على الأمن المائي، ومن ثم الأمن القومي لهما.

ومن هذا يتضح أهمية مواجهة التحديات وتحقيق متطلبات الحفاظ على المصالح.

1. الإجراءات السياسية في مواجهة التحديات

أ. ضرورة تنسيق السياسة الخارجية لكلا دولتي المصب في مواجهة التحديات، ويعني ذلك التنسيق الجاد للسياسة الخارجية المصرية والسودانية، ووضع إستراتيجية شاملة تطبقها كلتا الدولتين في إطار متكامل.

ب. يجب الوضع في الاعتبار القوى الإقليمية الفاعلة والظروف الداخلية لدول الحوض، ومدى ارتباطها بالقوى الخارجية المؤثرة.

ج. ضرورة التحرك الإستراتيجي في إطار سياسي اقتصادي اجتماعي، مع تجنب حدوث أزمات كبرى تتعلق بالمياه، لمنع الأطراف الدولية والخارجية من التدخل بآلياتها التي قد تدعم مصالحها.

د. احتواء الضغوط التي يمكن أن تمارسها الأطراف الدولية ذات المصلحة أو تخفيفها، والتي من شأنها تعقيد المواقف أو التأثير على السياسات، ما يتعارض مع مصالح دولتي المصب في مواجهة دول المنابع.

هـ. التعاون مع دول الحوض في مجالات التنمية وإقامة المشروعات المائية، ومتابعة مؤسسات التمويل من أجل السيطرة على إنشاء المشروعات التي يمكن إنشاؤها، طبقاً لما ورد بالاتفاقيات المنظمة.

2. متطلبات الحفاظ على الأمن القومي لدولتي المصب

أ. نظراً للظروف السودانية الحالية، وانفصال جنوب السودان، فيجب العمل على ضمان استقرار السودان بدولتيه، وعدم السماح بنشوب نزاعات بينهما، حيث إنهما يمثلان العمق الإستراتيجي المصري.

ب. تنمية العلاقات المصرية السودانية مع دولة الجنوب، ومحاولة استقطابها لصالح دولتي المصب وليس لصالح دول المنابع، مع ربطها بعلاقات متميزة في كل المجالات.

ج. تنمية التعاون المشترك وتقديم المعاونة الفنية لدول الحوض، دعماً لزيادة الموارد المائية وتقليل الفواقد، ما يعود بالنفع على الجميع.

د. رفض التوجهات لبعض دول المنابع بعدم التمسك بالاتفاقيات المبرمة، مع إيجاد صيغ مقبولة للتعاون بما يحافظ على الحصص المقررة.

هـ. إن مياه النيل بوصفها إحدى ركائز الأمن القومي لدولتي المصب يحظر التأثير فيها، وإن جوهر الأمن القومي يتحدد في عدم المساس بالحصص المقررة، علماً بأن تحقيق الأمن القومي يُعد مسؤولية كل قدرات الدولة الشاملة. ولهذا يجب تضافر ركائز القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والقوة الناعمة، والقوة العسكرية إذا لزم الأمر في تحقيق المصلحة القومية لدولتي المصب.

و. محاولة ربط دول المنابع في علاقات تعاونية بين القوات المسلحة لتلك الدول مع القوات المسلحة لدولتي المصب.

ز. تفعيل دور دولتي المصب بالمشاركة في قوات حفظ السلام بدول الحوض، للقضاء على الصراعات العرقية والإثنية، مع تقديم الخدمات المباشرة للمجتمع المدني من خلال هذه القوات.