إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / أزمة تخصيب الوقود النووي الإيراني




مفاعل بوشهر النووي
المفاعلات النووية من الفضاء


المفاعلات النووية الإيرانية



أزمة تخصيب الوقود النووي الإيراني

المبحث الثالث

إدارة أزمة تخصيب اليورانيوم بين إيران والقوي العالمية

في مجال حظر انتشار الأسلحة النووية كانت إيران هي أول من أطلقت مبادرة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من  أسلحة الدمار الشامل بمشاركة مصر عام 1974. كذلك يشار إلى أن إيران صادقت على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كما وقعت على البروتوكول الأول الخاص بذلك عام 2003 ولم تصادق على البروتوكول الثاني الذي يعطي الحق للوكالة العالمية للطاقة الذرية في التفتيش المفاجئ على المنشآت النووية لأي دولة طبقاً لرؤية الوكالة في ذلك.

ويشار إلى وجود "فتوى" للإمام الراحل الخميني، تحرم أنتاج الأسلحة النووية، بل وسائر أسلحة الدمار الشامل، وتحظى هذه الفتوى بنقاش مستمر في إيران "الملالي" حول الإطار الفقهي للبرنامج النووي الإيراني، وكلا الأمرين يؤكد أن إيران غيرت من توجهاتها الإستراتيجية نحو الالتزام بتعهداتها السابقة، سواء في حظر الانتشار النووي أو عدم التمسك بفتوى الإمام الخميني، وأن ما تردده القيادة السياسية الإيرانية حول "مدنية" برنامجها النووي، يفتقر إلى براهين أوضح حتى تكون جديرة بالتصديق.

وذلك لأن سرية هذا البرنامج التي وضعت في كتمان كامل لمدة 18 عاماً متصلة. كذلك نطاق السرية الذي تطبقه إيران حول هذا البرنامج إضافة إلى مفاجأة العالم بين الفترة والفترة لوصول إيران إلى درجة متقدمة من تخصيب اليورانيوم إلى جانب القيود التي تضعها إيران على تفتيش الوكالة الدولية للمنشآت النووية الإيرانية.. كل ذلك يؤدي إلى تشكك العالم في الهدف الذي ترنو القيادة الإيرانية إلى تحقيقه، وكل تلك الشكوك واردة في قرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة بحق إيران.

إن العديد من مراكز البحث العالمية عرضت لمستقبل النزاع الإيراني مع القوى العالمية المختلفة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وما ستسفر عنه الأزمة المشتعلة التي تصاعدت منذ بداية " الحرب على الإرهاب، التي أعلنها الرئيس الأمريكي "جورج بوش الابن" عام 2001، وحدد فيها "من لم يكن معنا في هذه الحرب فهو معاد لنا"، ووصفت إيران منذ هذا الوقت بأنها "دولة شر".

ومن هنا فإن المواقف الأمريكية تجاه إيران لم تكن مدفوعة فقط بسبب البرنامج النووي، ولكن على أساس ما تمثله إيران من أخطار على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وما تفعله من مساندة للإرهاب الدولي، ودورها في استنزاف جهود الولايات المتحدة الأمريكية في العراق ومنطقة الخليج وأفغانستان واستنزاف جهود إسرائيل في مواجهة حماس وحزب الله، هذا إلى جانب ثأر قديم نتيجة أحداث السفارة الأمريكية في طهران العام 1980، والتي لن تنساها الولايات المتحدة الأمريكية بسهولة.

أصدر معهد " كارنيجي "Carnegie" لبحوث السلام في الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر 2008، تقريراً يحوي منهجاً لإيجاد حلول لأزمة تخصيب اليورانيوم الإيراني، جاء فيه:

1. لا يمكن لأي من الجانبين إيران أو الولايات المتحدة الأمريكية أن تحقق كل ما ترغب فيه فيما يتعلق بالوضع الراهن للملف النووي.

2. أظهرت إيران بوضوح عدم رغبتها في الانصياع لمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو لمجلس الأمن الدولي، فيما يتعلق بوقف أنشطتها لتخصيب اليورانيوم أو التفاوض الجاد نحو تحقيق هذه الغاية.

3. على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى أن تتيح لإيران فرصة أخيرة للتفاوض حول وقف تخصيب اليورانيوم، وحتى تتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تسوية المسائل المعلقة، على أن يكون ذلك نظير حوافز قوية.

4. إذا لم تقبل إيران هذا العرض، فإن على الدول الخمس وألمانيا، سحب عرضها بالحوافز، والالتزام بمواصلة فرض العقوبات إلى أن تقبل إيران مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

5. بالتوازي مع ذلك، يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية أن ترفع بطاقة استخدام القوة من على المائدة، طالما لم تظهر دلائل جديدة على أن إيران تسعي وراء امتلاك الأسلحة الذرية أو تذيع فتوى بالعدوان.

6. تستند دول مجموعة (5 + 1) وهي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا علي معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية N. P. T  في فرض عقوبات علي إيران. وتتضمن المعاهدة أربعة أحكام رئيسة منصوص عليها في موادها الست الأولي، وهي:

أولاً: يحظر على الدول الحائزة للأسلحة النووية نقل أو مساعدة الدول الأخرى على حيازة الأسلحة النووية أو التكنولوجيا المتصلة بها أو مراقبتها. ويحظر على الدول غير الحائزة للأسلحة النووية أن تتلقى الأسلحة النووية أو تستحدثها.

ثانياً: وضعت المعاهدة الضمانات النووية من أجل ضمان أن المواد الانشطارية المنتجة أو المستخدمة في المرفق النووي بالدول غير الحائزة على أسلحة نووية، أن يقتصر استعمالها على الأغراض السلمية، وتدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذه الضمانات.

ثالثاً: تعترف المعاهدة بحق جميع الأطراف في البحث في مجال الطاقة النووية، وكذلك في إنتاج هذه الطاقة واستخدامها من أجل الأغراض السلمية، وتسمح للدول الحائزة للأسلحة النووية بمساعدة الدول غير الحائزة في استغلال التكنولوجيا النووية استغلالا سلمياً.

رابعاً: تدعو المعاهدة جميع الأطراف للتفاوض على حسن نية علي تدابير تتعلق بنزع السلاح النووي، وعلى معاهدة بشأن نزع السلاح العام الكامل، في ظل رقابة دولية صارمة وفعالة.

إدارة الأطراف المختلفة للأزمة

أولاً: إدارة إيران للأزمة

من الواضح أن إيران قد اكتسبت خبرات تفاوضية كبيرة منذ فتح ملفها النووي العام 2003 وحتى الآن، وتمكنت من تفهم أهداف القوي الكبرى وأساليبها، كذلك اكتشفت نقاط القوة والضعف في إدارتها لهذا الملف، وأسلوب المواجهة، ومراحل التصعيد والتهدئة ووضعت إيران هدفاً محدداً للوصول إلى درجة معينة في تخصيب اليورانيوم، دون الإعلان  عن هذا الهدف، بل يبقى سرياً ضمن الغايات القومية الإيرانية، وتتولي القيادة السياسية الإيرانية إدارة هذه الأزمة في مواجهة القوي العالمية من منظور الآتي:

1. أن تدار الأزمة سياسيا فقط، مع تحمل أية عقوبات اقتصادية، والعمل على ألا تصل الأزمة إلى مواجهة عسكرية بأي حال من الأحوال، مع اتخاذ خطوات في هذا المجال منها:

أ. إظهار القوة بمجالاتها المختلفة، وأنها ند للقوي الكبرى.

ب. استعداد إيران للتراجع عن بعض قراراتها فيما لو تصاعد موقف الدول الكبرى.

ج. وضع منطقة الخليج والعراق وإسرائيل رهائن، فيما لو تصاعد الموقف مؤدياً إلى حالة حرب فعلية.

د. تعبئة الشعب لخوض حرب شعبية فيما لو وقع عدوان فعلي على إيران.

2. الإبقاء على الهدف، وعدم التخلي عنه تحت أي ضغوط أو إغراءات. بمعنى استكمال عمليات تخصيب اليورانيوم لحدها الأقصى.

3. كسب الوقت من خلال الالتفاف حول القرارات أو التسويف في التنفيذ أو قبول التفتيش على منشات نووية سبق زيارتها بواسطة مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث تثبت إيران التزاماتها بالقرارات الدولية (وهو ما يؤكده تقرير الوكالة الصادر عام 2009)

4. عدم الاكتراث بالعقوبات الدولية التي تفرض عليها، وإيجاد السبل للالتفاف عليها باستغلال إمكانات إيران الكبيرة، وباستقطاب قوي عالمية تقف إلى جوارها في نطاق المصالح المتبادلة.

5. محاولة بناء رأي عام إقليمي وعالمي مؤيد لإيران في الاستمرار في برنامجها النووي، وهو ما يستدل عليه من الآتي:

أ. قبول إعلان المبادرة المتعلقة استبدال يورانيوم مخصب بنسبة 20% باليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب، وهو الاتفاق الذي أبرم مع تركيا والبرازيل، ورفضته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون.

ب. التنسيق المستمر مع الصين العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، لمساندتها في موقفها، لا سيما أن الصين لها توجه معارض لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في الإنفراد بقمة العالم كذلك لها مصالح ضخمة في استيراد الوقود من إيران، كما أن الصين ضالعة في دعم البرنامج النووي الإيراني، وبرامج التسليح الأخرى.

ج. عدم القطيعة مع روسيا نتيجة انضمامها للدول الغربية في تنفيذ العقوبات المفروضة على إيران والعمل ـ على الأقل ـ على حيادها في هذا الشأن، وقد نجحت إيران في استكمال منشآت محطة بوشهر الكهروذرية المنشأة بالتعاون مع روسيا.

د. السعي نحو تأكيد فاعلية الدور الإيراني في المنطقة، وكسب رأي عام في منطقة الشرق الأوسط، وإيصال رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مفادها أن استقرار المنطقة لن يستقيم إلا بموافقة إيرانية، ويبدو ذلك واضحاً من الزيارات المتعددة للمسئولين الإيرانيين لبعض دول المنطقة إلى جانب الضغوط التي تفرضها إيران لإيجاد حلول للأزمات المتعلقة بالمنطقة، سواء عملية السلام برمتها أو الوضع في العراق ولبنان والسودان وفلسطين، وقضية مياه النيل، وأمن منطقة الخليج وغيرها.

هـ. اتخاذ شعار "تحرير فلسطين" قضية رأي عام تتزعمها إيران، وتقوم من خلالها باستقطاب العديد من المنظمات والأحزاب والجماهير العربية، وتهدف من خلالها إلى التغلغل في الجماهير العربية وتأليبها ضد حكوماتها (خاصة الملتزمة منها بخيار السلام تجاه إسرائيل).

6. تحفيز الشعب الإيراني  وتجميعه حول قضية رئيسة هي مواجهة العدوان الخارجي المحتمل، وهو أسلوب قديم تتبعه القيادات المتسلطة، بما يسمح لها باتخاذ إجراءات داخلية ضد رغبات الشعب، وفي هذا المجال، فإن السلطة في إيران دائمة التخويف للشعب الإيراني من عدوان أمريكي ـ إسرائيلي وشيك، وتعلن عن مناورات متعاقبة استعداداً لصد هذا العدوان وفي هذا فهي تحقق الآتي:

أ. محاولة إحباط المعارضة المتنامية في الداخل الإيراني نتيجة لتأثير العقوبات الدولية أو القرارات السلطوية التي تصدرها الحكومة الإيرانية.

ب. الالتفاف حول تأثير العقوبات الدولية، من خلال إشعار الشعب الإيراني بالتهديد.

ج. إطلاق يد الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية في التعامل مع فصائل المعارضة.

7. في نفس الوقت، فإن الحكومة الإيرانية تحاول إشعار مواطنيها بالفخر والقوة من خلال الإعلان عن التوصل إلى مراحل متقدمة في تخصيب اليورانيوم، والإعلان عن قرب انضمام إيران إلى النادي النووي الدولي، وهو سلاح ذو حدين، حيث يرفع الروح المعنوية للشعب الإيراني، لكنه تعود بعد كل إعلان من هذا القبيل على عقوبات دولية جديدة تفرض على إيران.

8. وعلى المستوي الدولي، فإن إستراتيجية إيران التفاوضية، تعتمد استثمار المفاوضات الدولية في كسب الوقت، لتحصيل أكبر قدر من التقدم في برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وهو ما فعلته بعد الإعلان عن تحقيق قدرتها في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، حيث وافقت على حضور اجتماعات مجموعة (5+1) المنعقدة في نهاية 2010 مع محاولاتها وضع شروط لأجل حضورها هذا المؤتمر، بما يعني أن هذا الحضور يأتي من قبيل الحضور البروتوكولي وليس التفاوضي.

9. ما يعزز الموقف الإيراني في المفاوضات أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تحسم الأمر بشأن طبيعة البرنامج النووي الإيراني، وبدا أن الوكالة تفاوض الجانب الإيراني دون أن تحدد الوكالة طبيعة البرنامج النووي الإيراني تحديداً قاطعاً.

ثانياً: إدارة الولايات المتحدة الأمريكية للأزمة

تدير الولايات المتحدة الأمريكية الأزمة من منطلق كونها قائدة النظام العالمي الجديد، والحريصة على تنفيذ قرارات ومعاهدة حظر الانتشار النووي، إلى جانب أهمية منطقة الشرق الأوسط منطقة مصالح أمريكية كبري، وسبق شن حرب على العراق بسبب الاشتباه قي برنامجها النووي كما أنها تحرص على عدم امتلاك "دول الشر" ومنها إيران على أسلحة نووية.

تعارض الولايات المتحدة الأمريكية، مواصلة إيران برنامجها النووي تأسيساً على أنه برنامج يهدف إلى امتلاك سلاح نووي، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة الأمريكية التي سعت في بداية عقد التسعينيات، وبعد تحرير الكويت مباشرة إلى طرح مبادرة لتأكيد حظر انتشار الأسلحة النووية، وسعت إلى استصدار قرار الحظر بصورة دائمة عام 1995.

تراقب الوكالة الدولية للطاقة الذرية تنفيذ هذا القرار بصفتها المفوضة من مجلس الأمن الدولي في مجال مراقبة الانتشار النووي كذلك تعمل أجهزة الأمم المتحدة الأخرى في دعم تلك المراقبة، كما تتولى الولايات المتحدة الأمريكية متابعته بإمكاناتها الكبيرة من منطلق قيادتها للنظام العالمي الجديد.

إن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بإيقاف البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم، ينبع من تقديرها أن سعي إيران لامتلاك سلاح نووي يخل بالتوازن الإستراتيجي في المنطقة، بل قد يغير الخريطة السياسية، ويتسبب في سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط قد يضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة، ويضع العالم كله تحت تهديد لمصادر الطاقة التي لا غنى له عنها.

مرت إدارة الولايات المتحدة الأمريكية للأزمة بثلاث مراحل كالآتي:

1. المرحلة الأولى: مرحلة التهديد من أجل إيقاف البرنامج النووي الإيراني (2003 - 2007)

وهي مرحلة تعالت فيها نذر توجيه ضربات عسكرية للبرنامج النووي الإيراني، وقد بدأت منذ العام 2003، في أعقاب نجاح الغزو الأمريكي للعراق، حيث أعلن عن اكتشاف البرنامج النووي الإيراني والذي ظل طي الكتمان لمدة 18 سنه متصلة.. وقد امتازت هذه المرحلة بالآتي:

أ. تصاعد التهديدات الأمريكية ـ الإسرائيلية لتوجيه ضربات عسكرية للبرنامج النووي الإيراني.

ب. تعدد سيناريوهات الحرب، وهل تبدأ إسرائيل الضربة، أم تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية أم بمشاركة تحالف دولي.

ج. تكوين مجموعة أزمة لمواجهة البرنامج النووي الإيراني مكونة من الدول الخمس الأعضاء الدائمين قي مجلس الأمن إلى جانب ألمانيا، وهذا التكوين يحقق أغلبية غربية في مواجهة روسيا والصين المتعاونتين مع إيران إلى جانب المحافظة على المصالح الألمانية سواء في إيران أو روسيا واستغلال نفوذها في هذا المجال.

د. إحالة الأزمة إلى مجلس الأمن الدولي منذ العام 2006 لإصدار عقوبات على إيران حيث أصدر مجلس الأمن بياناً رئاسياً في 29 مارس 2006 برقم 15/2006/PRSTK/S، يدعو فيه إيران إلى الانصياع للإدارة الدولية في إيقاف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وأن تجري الأبحاث النووية الإيرانية وفقاً للمادتين الأولي والثانية من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

هـ. سعت الولايات المتحدة الأمريكية لاستصدار القرار الرقم 1696 بتاريخ 31 يوليه 2006 وهو يقوي البيان الرئاسي، ويطالب إيران بإيقاف عمليات تخصيب اليورانيوم، والتعاون مع وكالة الطاقة الذرية في تعرف أبعاد البرنامج الإيراني.

و. ثم سعت مرة أخرى لاستصدار القرار الرقم 1737 بتاريخ 23 ديسمبر والذي يمثل بياناً تفصيلياً، ويشير إلى حق إيران في إجراء البحوث في مجال الطاقة النووية وإنتاجها للأغراض السلمية، ثم يشير إلى أن إيران لم تعلق أنشطتها النووية استجابة للقرارات السابقة، ثم يؤكد العديد من القرارات الملزمة لإيران بموجب المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وأهمها: (اُنظر ملحق قرار مجلس الأمن الرقم 1737، بتاريخ 23 ديسمبر 2006)

(1) تعليق جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم.

(2) أن تتخذ الدول التدابير في منع وصول التكنولوجيا أو المواد المتعلقة بتخصيب اليورانيوم إلى إيران بأي وسيلة، مع تحديد هذه المواد في نص القرار، مع إلزام الدول بعدم مساعدة إيران في مجالات التدريب أو المساعدة المالية أو الفنية لبرامجها النووية أو برامج التسليح.

(3) أن تجمد الدول الأرصدة والأموال والأصول المالية والموارد الاقتصادية الإيرانية على أراضيها.

(4) تعزيز سلطات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إجراءاتها تجاه البرنامج النووي الإيراني ويطالبها بتقديم تقرير في مدي 60 يوماً عن مدي إثبات إيران جديتها في تنفيذ قرار مجلس الأمن. وقد أرفقت قائمة بالمؤسسات الإيرانية في مجال النشاط النووي، ومجال الأسلحة فوق التقليدية بقرار المجلس لمنع التعامل معها.

ز. لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بهذا القرار، بل سعت إلى إصدار حزمة عقوبات من جانبها لحظر التعامل مع مؤسسات إيرانية، وحظر دخول أفراد إيرانيين لهم علاقة ببرامج التخصيب أو التسليح إلى أراضيها، وقد قامت العديد من الدول الأوروبية، بإصدار قرارات مشابهة في حق إيران، وتهدف جميعها إلى فرض حصار على إيران من أجل إرغامها على الاستجابة لإيقاف برنامجها النووي.

ح. في أعقاب تقديم مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريره (بعد 60 يوماً من صدور القرار 1737) حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على استصدار قرار أخر من مجلس الأمن يضيف حزمة عقوبات جديدة، وتؤدي إلى تشديد الحصار على إيران أشد من السابق، كما يشير إلى أهمية التفاوض للخروج من هذه الأزمة واستجابة إيران للقرارات الدولية، ويؤكد أن التوصل لحل المسألة النووية الإيرانية من شأنه أن يسهم في الجهود العالمية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك أسلحة توصيلها.

ط. يشمل القرار تفاصيل عن الكيانات الإيرانية المشتركة في الأنشطة النووية، ويطالب بعدم التعامل معها، كما يشمل أسماء العديد من الشخصيات الإيرانية المحظور زيارتها لأية دولة عضو في الأمم المتحدة.

ي. يشمل القرار مرفقاً مهماً تحت مسمى "الاتفاق طويل الأجل"، وهو يشمل حزمة من الحوافز لتشجيع إيران على التوجه نحو إيقاف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، مع الإشارة إلى اتخاذ إجراءات دولية للتعاون مع إيران في حالة انصياعها لقرارات مجلس الأمن، بمعنى أن هذا الاتفاق قد يغري إيران على اتخاذ القرار الصعب من منظور أنها سوف تكون رابحة فيما لو أوقفت برنامجها لتخصيب اليورانيوم. (اُنظر ملحق قرار مجلس الأمن الرقم 1747، بتاريخ 24 مارس 2007)

2. المرحلة الثانية: مرحلة الجهود السياسية لإيقاف برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني (عام 2008)

بدأت هذه المرحلة في أعقاب إصدار مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي تقريره في 3 ديسمبر "كانون أول" 2007 بأن إيران أوقفت برامجها لتطوير أسلحة ذرية منذ العام 2003. وعلى الرغم من أن هذا التقرير لم يلاق ترحيباً في الأوساط السياسية الأمريكية، إلا أنه خدم قضية الإدارة الأمريكية نفسها في الخروج من مأزق صعب للآتي:

أ. أن الإدارة الأمريكية كانت تستعد للانتخابات في نهاية هذا العام، ولابد لها أن توجد مناخاً للاستقرار، مع إعلان انتصار إعلامي في الأزمة حتى تهيئ المناخ لانتخاب الحزب الجمهوري.

ب. أن أزمات العراق وأفغانستان كانت تتصاعد في وقت كانت إدارة الرئيس بوش تحاول الخروج من مأزقها في تلك الحروب، خروجاً مشرفاً تمثل في السعي لإبرام الاتفاق الأمني مع العراق، ومن ثم فهي لم تكن ترغب في فتح قنوات لأزمات أخري تؤثر على نتائج الانتخابات المقبلة.

ج. بدأت تتصاعد في الولايات المتحدة الأمريكية أزمة مالية حادة، تؤثر على الداخل الأمريكي، وهو أمر يجعل الإدارة تلتفت إلى الداخل أكثر من الخارج.

د. بدت بوادر انشقاق في جبهة إدارة الأزمة (5+1)، وكان لابد للولايات المتحدة أن تتعامل معها بدبلوماسية وضغوط معاً حتى يستمر الضغط على إيران لإيقاف برنامجها لتخصيب اليورانيوم.

هـ. في أعقاب تقديم مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريره، سعت الولايات المتحدة الأمريكية لاستصدار القرار 1803 من مجلس الأمن الدولي بتاريخ 3مارس "آذار" 2008، والذي يعرب فيه عن قلقه الشديد لعدم التزام إيران بقراراته السابقة، وأنها لم توقف تماماً وأبداً جميع الأنشطة ذات الصلة بالتخصيب وإعادة المعالجة، والمشاريع ذات الصلة بالماء الثقيل، ولم تستأنف تعاونها مع الوكالة الدولية بموجب البروتوكول الإضافي.

و. يشدد القرار على التزام إيران بتنفيذ القرارات الدولية ذات الشأن ببرنامجها النووي، ويُحَرِّج على الدول في التعامل مع المؤسسات الإيرانية أو الأفراد الإيرانيين المشاركين في البرنامج النووي الإيراني حيث أضاف 12 شركة للقائمة السوداء، وحظر سفر 13 مسئولاً إيرانياً جديداً، كما يطالب الدول بتفتيش الشحنات المتوجهة لإيران، كما يشجع القرار على بذل الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة، كما يؤكد أنه في حالة التزام إيران بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، فإنه سوف يلغي أي قرارات صدرت في حق الحظر على إيران. (اُنظر ملحق قرار مجلس الأمن الرقم 1803، بتاريخ 3 مارس 2008)

3. المرحلة الثالثة: التهدئة الحذرة " اعتبارا من عام 2009 – 2010

بدأت هذه المرحلة بصعود الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الحكم، ومحاولته إيجاد نوع من التهدئة، وتغيير صورة الولايات المتحدة الأمريكية على مستوى العالم، وإنهاء إستراتيجية "الحرب على الإرهاب" التي طالت دولاً وليس إرهابيين، وتغير تسميتها بالحرب ضد تنظيم القاعدة الإرهابي، كذلك مخاطبة المسلمين على مستوي العالم، انطلاقا من أن الإسلام دين سماحة، وليس عقيدة تحض على الإرهاب، كذلك فإنه لا يمكن للغرب أن يتخذ الإسلام عدواً له، وسارت هذه المرحلة كالآتي:

أ. محاولات أمريكية ـ أوربية لحث إيران على تنفيذ قرارات مجلس الأمن.

ب. انتهز الرئيس أوباما مناسبة عيد النيروز في إيران مارس 2010 ووجه رسالة إلى الشعب الإيراني يحثه فيها على التخلص من البرنامج النووي.

ج. يثار أن للمخابرات الأمريكية يد في القلاقل التي سادت إيران في أعقاب تجديد انتخاب الرئيس "محمود احمدي نجاد" في يونيه 2009، بتمويل فصائل المعارضة.

د. حملت الولايات المتحدة الأمريكية روسيا والصين على تقييد تعاملاتهما مع إيران، لذلك تأخر استكمال إنشاء مفاعل بوشهر الكهروذري إلى أغسطس 2010.

هـ. رفضت الولايات المتحدة الأمريكية الاتفاقية "الإيرانية ـ التركية ـ البرازيلية" بخصوص تبادل اليورانيوم، والتي وقعت في تركيا في 17 مايو 2010 إنها لم تؤد إلى الهدف الرئيس في إيقاف برامج تخصيب اليورانيوم داخل إيران.

و. مع تمادي إيران في تحدي القرارات الدولية، استصدر القرار الرقم 1929 من مجلس الأمن بتاريخ 10 يونيه "حزيران" 2010، وهذا القرار هو الأكثر شدة في تاريخ الأزمة الإيرانية حيث تضمن بنداً لتوسيع حظر الأسلحة إلى إيران (بموجبه توقف تصدير نظام الدفاع الجوي الروسي "S-300 إلى إيران)، كما ينص القرار على فرض إجراءات ضد بنوك جديدة في إيران إلى جانب تفتيش السفن المتجهة إلى إيران. يبد أن القرار لم يمس القطاع النفطي الإيراني تفادياً لمعارضة الصين.

ز. لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بالعقوبات الصادرة في هذا القرار، بل وضعت قانون العقوبات "الإيرانية الشاملة" الذي وقعه الرئيس أوباما في 1 يوليه 2010، ورأى الرئيس أوباما أن العقوبات وفق هذا القانون" أن "تضرب قلب قدرة الحكومة الإيرانية في تمويل وتطوير برنامجها النووي" وأضاف أن الحكومة الإيرانية لو استمرت في التحدي فإن الضغوط سوف تتضاعف وعزلتها ستزيد عمقاً،" ويجب ألا يكون هناك شك في أن الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي مصران على منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية.

ح. أن قانون العقوبات الأمريكي، يهدف إلى تقوية العقوبات الصادرة من مجلس الأمن، وتحفيز القوي الكبرى الأخرى على إعلان حزم جديدة من العقوبات على إيران، وهو ما حدث فعلاً من فرنسا وألمانيا وبريطانيا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، الأمر الذي أدي إلى عدم إمداد الطائرات المدنية الإيرانية بالوقود في المطارات الأوروبية، وبعض المطارات الآسيوية، هذا إلى جانب أن هذه العقوبات تصعب من عملية استيراد إيران لبعض أصناف الوقود المكرر وأهمها البنزين، وبما يؤثر على الداخل الإيراني.

ط. في هذا السياق، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على عقد مؤتمر الأمان النووي الذي دعت إليه مصر عام 2012، على أن يتم الإعداد الجيد له خلال تلك المرحلة، ويعزي الرئيس أوباما موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على عقد المؤتمر، بأنه يدخل ضمن الإستراتيجية الأمريكية في منع الانتشار النووي. (اُنظر ملحق موجز قرار مجلس الأمن الرقم 1929، بتاريخ  10 يونيه 2010) و(ملحق القرار الأمريكي لفرض عقوبات إضافية على إيران)

ي. أن المحصلة النهائية للموقف الأمريكي يمكن تلخيصها في الآتي:

(1) تزايد ارتباك واشنطن إزاء المفاضلة بين خيار التعايش مع إيران النووية وخيار استهداف القدرات النووية الإيرانية، علماً بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تلغ الخيار العسكري- بصفة قاطعة – في تعاملها في الأزمة الإيرانية.

(2) ارتباك علاقات واشنطن مع الصين وروسيا حيث أن مصالحهما تأثرت بعد موافقتهما على القرار الرقم 1929، واستمرار تهديد المصالح يؤثر على وضعهما الدولي، وتأثيرهما في مجالهما الحيوي.

(3) تزايد الضغوط الإسرائيلية على واشنطن والدول الأوروبية من أجل التوجه إلى الحل العسكري لإيقاف البرنامج النووي الإيراني.

(4) تصاعد التعامل الدولي مع الملف النووي لكوريا الشمالية سوف يكون نموذجاً لسيناريو التعامل مع الملف النووي الإيراني.

ثالثاً: إدارة القوى الأخرى للأزمة

1. الصين وروسيا الاتحادية

تذبذبت مواقف الدولتين حول العقوبات المفروضة على إيران، بما أدي إلى إطالة زمن التفاوض، وفرض العقوبات، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تمكنت ـ من خلال الترغيب ـ إلى تحقيق موقف موحد عند استصدار القرار 1929 في يونيه2010، وذلك من خلال الآتي:

أ. عقد اتفاقية "استارت-2" مع روسيا الاتحادية وهو اتفاق استراتيجي مهم في بداية عام 2010.

ب. الاستجابة للمطالب الروسية في عدم نشر قواعد الدرع الصاروخي الأمريكي بالقرب من الحدود الروسية في التشيك وبولندا، واستبدال وسائل أخري به.

ج. فتح حوار استراتيجي بين حلف شمال الأطلسي وروسيا لتحقيق الأمن المشترك.

د. أدى موافقة روسيا على القرار 1929 إلى تأجيل صفقة الصواريخ الروسية لإيران S-300 أو إلغائها، ما تسبب في خسائر للصناعات العسكرية الروسية، إلى جانب إحراج روسيا سياسياً نتيجة لتجاوبها مع الرغائب الأمريكية.

هـ. فيما يخص الصين، فإن الولايات المتحدة الأمريكية حاولت عدم المساس بمطالب الصين من النفط الإيراني، إلى جانب فتح مجال التعاون الخليجي- الصيني تعويضاً لأية خسائر قد تلحق بالصين نتيجة تنفيذ العقوبات على إيران.

2. إسرائيل

أ. نظراً للعلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، فإن مراحل معالجة الأزمة الإسرائيلية ـ الإيرانية تتزامن تقريباً مع المراحل الأمريكية السابق ذكرها.

ب. لا زالت هناك رغبة إسرائيلية في التخلص من البرنامج النووي الإيراني من خلال الحسم العسكري، ولكن عدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك تقف عثرة في تنفيذ الرغبة الإسرائيلية.

ج. تشير بعض الدلائل إلى أن إسرائيل تشن حرباً خفية على إيران تتلخص في أعمال اغتيالات الكوادر الفنية الإيرانية، وإحداث تخريب في المنشآت الإيرانية ويشار إلى أن تفجير مستودع الصواريخ في 12 أغسطس 2010 كان بتخطيط إسرائيلي.

د. تحاول إسرائيل إشاعة الفتنة بين دول المنطقة بهدف تخويف الدول الفاعلة من البرنامج النووي الإيراني، والتأكيد أن امتلاك إيران لأسلحة نووية سيهدد دور مصر والسعودية في المنطقة، ويعمل على تهديد دول الخليج والعراق كما يؤكد القادة الإسرائيليون أن إيران قادرة على امتلاك سلاح نووي في غضون ثلاث سنوات على الأكثر.

هـ. تشيع إسرائيل أن استخدام القنبلة النووية الإيرانية، سوف يستهدف أول ما يستهدف المدن الإسرائيلية، ولذلك، فهي تحفز الولايات المتحدة الأمريكية على اتخاذ إجراءات لتأمين الكيان الإسرائيلي ذاته، وهذا ما أدي بالولايات المتحدة الأمريكية إلى ضم إسرائيل لمنظومة الدرع الصاروخي الأمريكي.

و. تعمد إسرائيل إلى محاولة كسر نطاق التحالف الإيراني مع حزب الله، وحماس، وسوريا والذي يهدد حدودها الشمالية والغربية، إلى جانب محاولة التأثير على الولايات المتحدة الأمريكية لتحمل على الدول العربية لدعم جهود الحصار الدولي على إيران.

3. العالم العربي

لا شك أن أزمة البرنامج النووي الإيراني تؤدي إلى المساس بالأمن القومي العربي بكل مجالاته، بما أدت إليه من سباق تسلح في المنطقة، حيث تعاقدت المملكة العربية السعودية على صفقة أسلحة مع الولايات المتحدة الأمريكية تقدر بـ60 مليار دولار كذلك هناك صفقة أقل مع دولة الأمارات.

إن البرنامج النووي الإيراني في حالة مواصلته، سوف يفتح مجالاً لسباق نووي أيضاً في المنطقة، حيث لم تستقر الأمور أمام تهديدات إيرانية جديدة بعد امتلاكها لسلاح ردع دائم باتر، وقد يؤدي ذلك بدوره إلى تداخلات خارجية أعمق في منطقة الخليج أيضاً.

الإستراتيجية الرئيسية التي تعلنها كافة الدول العربية، هي إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وكانت مبادرة مصر بخصوص مؤتمر الأمان النووي تأكيداً لذلك.