إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
  

عبد السلام محمد عارف
(1339 ـ 1385هـ = 1921 ـ 1966م)

         نشأ في بغداد، في محيط اجتماعي ضيق، تسوده نزعة طائفية، وطموح لا حد له. تخرج ضابطاً في الجيش العراقي، واشترك مع عبد الكريم قاسم في تنظيم الضابط الأحرار. وفي الإعداد لثورة 14 (تموز) يوليه 1958، للإطاحة بالملك فيصل الثاني ونظام حكمه.

         تدرج في المناصب العسكرية، حتى وصل إلى رتبة العقيد الركن عام 1958. وبعد ثورة 1958 تولى ثلاثة مناصب دفعة واحدة هي: نائب القائد العام للقوات المسلحة، ونائب رئيس الوزراء، ووزير الداخلية، ثم في اليوم الثالث للثورة تولى منصب رئيس مجلس إدارة جريدة (الجمهورية) الناطقة بلسان الثورة. وبدأ صراعه على السلطة مع عبد الكريم قاسم، وحاول الدعاية لنفسه، والإكثار من زيارة المواقع العسكرية والمحافظات، وإلقاء الخطب في الجماهير، قائلاً إنه هو مفجر الثورة؛ ولذلك نفر منه كثير من الضباط الأحرار، أعضاء اللجنة العليا للحكومة.

         نشب أول خلاف بينه وبين عبد الكريم قاسم، حول تصفية أفراد العائلة المالكة، فكان عبد السلام محمد عارف مؤيداً لتصفيتهم جميعاً، بينما كان عبدالكريم قاسم لا يرى ذلك. ثم اشتد الخلاف بينهما عقب زيارة عبدالسلام محمد عارف دمشق في 19 (تموز) يوليه 1958، واجتماعه بالرئيس جمال عبدالناصر، وعرض عبدالسلام محمد عارف موضوع إبرام الوحدة الفورية العاجلة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة (مصر وسورية)، ولكن عبدالناصر نصحه بالتريث.

         أدلى عبدالسلام محمد عارف بخطاب في دمشق، مدح فيه نفسه، ونسب نجاح الثورة إليه وإلى جهوده الشخصية، ولم يذكر عبدالكريم قاسم. وقد قال، بعد ذلك، مبرراً عدم ذكر عبدالكريم قاسم، "إن الثورة ليست ثورة عبدالكريم، وإنما ثورة الشعب".

         ثم اشتدت نقمة عبدالكربم قاسم عليه، عندما أخبرته السفارة البريطانية بأن عبدالسلام محمد عارف قد أرسل برقية إلى السفارة المصرية ببغداد، يبلغها بعزمه السفر إلى القاهرة، على رأس عدد من الضباط العراقيين؛ لإعلان الوحدة، حتى لو اضطر إلى تنحية عبدالكريم قاسم عن الحكم. عقب ذلك أصدر عبدالكريم قاسم، في 11 (أيلول) سبتمبر 1958، أمراً بعزله من منصب نائب القائد العام، ثم أعقبه، بعد ذلك، بقرار تجريد عبدالسلام محمد عارف من جميع مناصبه، في 30 (أيلول) سبتمبر 1958، وعيَّنه سفيراً للعراق لدى حكومة ألمانيا الغربية، ثم أحاله إلى المحكمة العسكرية العليا الخاصة برئاسة فاضل عباس المهداوي، ابن خالة عبدالكريم قاسم في 9 ديسمبر 1958؛ ليحاكم وفق المادة (80) من قانون العقوبات العراقي، ونسبت إليه تهمة الإعداد لانقلاب ضد عبدالكريم قاسم، ومحاولة اغتياله.

         وصدر الحكم، في 5 فبراير 1959، على عبدالسلام محمد عارف بالإعدام شنقاً حتى الموت، وطرده من القوات المسلحة، ثم خُفف الحكم إلى السجن. وقبع عبدالسلام محمد عارف في السجن حتى سبتمبر 1961، حيث أُطلق سراحه. وظل عبدالسلام محمد عارف، بعد ذلك، على اتصال بالقوى المناهضة لعبدالكريم قاسم، إلى أن تمكن من الإعداد لثورة 8 فبراير 1963، بالاشتراك مع أعضاء بارزين من حزب البعث، والإطاحة بعبدالكريم قاسم وإعدامه.

         انتخبه مجلس الثورة رئيساً للجمهورية. وكان له نشاط سياسي بارز في ساحة الحكم، غير أن فترة حكمه اتسمت بالقلاقل والعراقيل؛ بسبب خلافه مع حزب البعث والثورة الكردية في الشمال. لقد كان عبدالسلام محمد عارف رئيساً لحكم يقوده حزب البعث، بينما لم يكن هو من قيادات الحزب، بل مجرد صديق له ولأقطابه. تعرض حكمه لعدة محاولات انقلاب، منها أن المقدم طيار منذر الونداوي، من حزب البعث، هاجم القصر الجمهوري بطائرته؛ فقذف منها القنابل على مخدع عبدالسلام محمد عارف، ولكنه لم يكن فيه، فنجا.

         تمكن، بالاستعانة بأنصاره من رجال الجيش في 18 نوفمبر 1963، من إزاحة أقطاب حزب البعث من السلطة، وبذلك انفرد بها تماماً. ولم يسارع إلى الوحدة مع مصر أو سورية، كما توقع الكثيرون، فجرت محاولة انقلاب ضده، بقيادة عارف عبدالرزاق، رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، وقائد القوات الجوية، في سبتمبر 1965، ولكنها باءت بالفشل. عقب ذلك أصيب عبدالسلام محمد عارف بقرحة في المعدة، جعلته يعاني آلاماً مبرحة، ثم أصابه اللوكيميا "سرطان الدم"، مما جعله يجري عملية استبدال دم عدة مرات. ومع ذلك استأثر لنفسه، إلى جانب منصب رئيس الجمهورية، بمنصب القائد العام للقوات المسلحة، ونصّب أخاه عبدالرحمن عارف رئيساً للأركان؛ ضماناً للسيطرة على الجيش. أمَّا علاقاته بالدول العربية، اعتباراً من عام 1964، فكانت مضطربة؛ فعلاقاته مع مصر كانت طيبة في الظاهر، مهزوزة في الواقع، وكان يخشى حزب البعث في سورية. أمَّا الدول العربية الأخرى، فكانت تتوجس من التعاون معه، فقد كان يرفع شعارات وحدوية، ويتشدَّق بمعاداة الرجعية، كما كان لسانه منفلتاً، لا يكفّ عن كيل الشتائم والسباب للكويت، والمملكة العربية السعودية، والبحرين.

         أمَّا علاقاته بدول العالم، فكانت مضطربة كذلك؛ فقد كانت كراهيته للشيوعية سبباً في عداوة المعسكر الاشتراكي، ولكنها لم تمكنه من الالتقاء بالمعسكر الغربي، الذي يضم بريطانيا، العدو التقليدي، والولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدولة، التي تحمي إسرائيل، وتدفع كل من يفكر في التعاون معها إلى التردد كثيراً؛ لئلا يتهم بالتهاون في قضية فلسطين، قضية العرب الأولى.

         أمَّا فكره السياسي والعقائدي، فقد كان مضطرباً كذلك، فهو يعلن إيمانه بالقومية العربية، وبالإسلام، ثم لا يجرؤ على اقتراح أي شكل من أشكال التعاون بين المسلمين؛ لئلاّ يُتهم بالرجعية والتخلف. وكذلك كان في سياسته الداخلية؛ فهو ينادي بالاشتراكية، وتم في عهده تأميم البنوك، وشركات التأمين، وكبريات الشركات الصناعية، ولكنه، في مجالسه الخاصة، يلعن الاشتراكية ويتبرَّأ منها.

         اندلعت، في عهده، الثورة الكردية في شمالي العراق، يناير 1966، وعزم على مواجهتها بالقوة المسلحة، وأراد إقناع مصر بتزويده بالسلاح والعتاد لإنهاء مشكلة الأكراد، وقرر بدء الضربة العسكرية في 15 أبريل 1966، ولكنه مات قبل ذلك بيومين؛ ففي مساء 13 أبريل 1966، كان في حفل في منطقة الأهوار، وتأخرَّ هناك إلى المساء، ثم حلقت به طائرة عمودية إلى البصرة، وانفجرت في الجو، واحترقت بكل من فيها. وقيل إن السبب عاصفة ترابية، جعلت الطائرة تستدير بزاوية 90 درجة نحو اليسار، ثم استدارت نحو اليمين 90 درجة، وأخذ قائدها يرسل الاستغاثات، ثم انفجرت الطائرة. وتم تشييع جثمانه في 16 أبريل 1966. وتولى رئاسة الجمهورية بعده أخوه عبدالرحمن محمد عارف.