إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المسرح الدولي والإقليمي والعربي (خلال الفترة من 1980 إلى 1990)









أولاً: الموقف العربي

المبحث الأول

الموقف العربي ـ الإقليمي

أولاً: الفراغ السياسي في المنطقة العربية

    كان العالم العربي يعيش، خلال هذه الحقبة، حالة من الفوضى السياسية، لم يكن منشؤها اختفاء العدو، الذي يهدد الأمن القومي العربي، وإنما اضطراب المعادلة التي نشأ عليها الأمن القومي العربي، بانهيار الاتحاد السوفيتي، الذي دخل إلى المنطقة، بصفقة السلاح مع مصر، عام 1955، ثم أصبح، بعدها، عاملاً رئيسياً في كل الحسابات العربية، أثناء معركة السويس (1956)، وحرب يونيه (1967)، وحرب أكتوبر (1973). كما كان سنداً للقضية الفلسطينية وغيرها. كان سلاحه حاضراً، وكان اقتصاده متعاوناً، وكانت مواقفه ودية، خصوصاً إذا قورنت بمواقف غيره من القوى الدولية. وفجأة، بدأ الاتحاد السوفيتي يخرج من معادلة الصراع في الشرق الأوسط، ويترك محله فراغاً كبيراً. وفي الوقت عينه، تقريباً، كانت مصر، كذلك، قد ابتعدت، ظاهرياً، عن قلب الصراع العربي ـ الإسرائيلي في الشرق الأوسط، بعد اتفاقية كامب ديفيد. وأدى ذلك، بدوره، إلى فراغ .

    وحاولت الولايات المتحدة الأمريكية، أن تملأ هذا الفراغ، فتقدمت إلى دور، انفتحت أبوابه لها. ولأن سياستها في التجربة العربية المعاصرة، لم تكن متوازنة، ولا عادلة، في نظر أغلبية ساحقة من العرب، فإن الدخول الأمريكي إلى المنطقة، بعد انفراد واشنطن، بالقوة على قمة العالم، زاد من حدّة الفوضى في المنطقة، ولم يقلل منها. أضف إلى ذلك، أن الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقدمت من أوسع الأبواب، عائدة إلى الشرق الأوسط، كانت هي نفسها في حالة حيرة أمنية، وتخبط إستراتيجي.

    وكانت دول الخليج تزداد انطواء على نفسها، وتحاول أن تحتفظ لنفسها بنفطها، مع إحساس بحالة الفراغ والفوضى، التي أطبقت على المنطقة كلها. وكانت هذه الدول تشعر أن التغيرات، الطارئة على العالم هي جميعاً في مصلحتها، فالذي انتصر في الصراع الدولي، هو الطرف الذي يساعدها، ويقدم إليها العون لكونه المستفيد الأول من مواردها. فانتصار هذا النظام، هو، في جزء منه، انتصار لها.

    كان العراق في وضع خطر. فقد انتهت الحرب العراقية ـ الإيرانية، عندما اقتنع آية الله الخميني، أن استمرارها أصبح غير ممكن. وأدى الانهيار المفاجئ لإيران إلى مشاعر متناقضة في بغداد. وبشكل ما، فإن العراق أحس بالفراغ المباشر، نتيجة لتوقف حرب، شغلته واستغرقته، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ونفسياً. وبتوقف المعارك، بدأت قوة العراق تواجه نوعاً من البطالة قريب الشبه بالفراغ، الذي دهم القوات المسلحة الأمريكية، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وما كان يشكله من تهديد كبير. ومن جهة أخرى، فإن الفراغ العربي العام، الذي غطى المنطقة كلها، أغرى العراق إلى التطلع إلى دور إقليمي، أوسع من حدوده وإمكاناته، المادية والمعنوية.

    وكانت تلك هي الفترة، التي شهدت تكوين التجمعات الإقليمية، ربما رداً على التجمع الأول، مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي أنشئ في 25 مايو 1981، فنشأ مجلس التعاون العربي في 16 فبراير 1989، والاتحاد المغاربي في 17 فبراير 1989.

    إن فكرة إنشاء مجالس للتعاون الإقليمي، بين أجزاء العالم العربي المتلاصقة، لم تكن جديدة. فقد ظهرت، في الواقع، قبْل إنشاء الجامعة العربية، ثم جرى الترويج لها، في بعض الأحيان، كبديل منها. وفي وقت من الأوقات، اعتمدتها هيئات المعونة والتنمية، الدولية، ولا سيما الغربية منها، كأساس لنشاطها في المنطقة. كانت الفكرة تقول إنه ليس هناك عالم عربي واحد، ولكن هناك أربعة عوالم، لكل منها خصوصيته وقاعدته وشبكة علاقاته الطبيعية:

1. شبه الجزيرة العربية عالم وحده، له خصوصيته. ومفتاحه الرياض.

2. والهلال الخصيب عالم ثانٍ وحده، له خصوصيته. ومفتاحه دمشق.

3. والمغرب العربي عالم ثالث وحده، له خصوصيته. ومفتاحه الرباط.

4. ووادي النيل (مصر والسودان)، عالم رابع وحده، له خصوصيته. ومفتاحه القاهرة.

    وقد عادت هذه الفكرة تتردد أثناء أزمات الجامعة العربية المتكررة. ونوقشت، مرة، في مجلس الوزراء المصري، عام 1962. وكان رأي جمال عبدالناصر فيها،"أنها محاولة لتقسيم الأمة العربية، وعزل مصر، على وجه التحديد، وإبطال دورها، وجعلها، بمفردها، في مواجَهة إسرائيل".

    والحقيقة أن توازنات القوة الداخلية في العالم العربي، في حقبة الثمانينيات والتسعينيات، قد تغيرت، وأصبح من الصعب عليها دفع العمل العربي العام. وقد أجرى مركز دراسات الوحدة العربية دراسة عن المستقبل العربي، استغرق إعدادها خمس سنوات، واشترك فيها مئات من المفكرين وأساتذة الجامعات العرب. وكان ممّا توصلوا إليه، تأسيساً على مجموعة من المؤشرات، الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والعسكرية ـ أن"دولة واحدة، وهي مصر، كان في استطاعتها أن تقود، في الخمسينيات والستينيات. ولكن تغيّر الموازين أثر في هذا الوضع، وأصبح يحتاج إلى قيادة مشتركة للعمل العربي، لا تستطيع دولة واحدة أن تنهض بمسؤولياتها ـ بحكم الحقائق".

    لقد بدأت سلسلة المجالس الإقليمية بمجلس التعاون لدول الخليج العربية. ولم يكن في ذلك غرابـة، ولا عجب. فدول الخليج كلها، يضمها رباط النفط. إضافة إلى الروابط الدينية والتاريخية والثقافية، ولذلك، فقد كان سهلاً على الجميع، أن يلتقوا في تنظيم إقليمي واحد. ولم يكن مفاجئاً، أن يحدث ذلك عام 1981، كرد فعل مباشر إزاء نجاح الثورة الإسلامية في إيران، في الأول من أبريل 1979. وفي لحظة من اللحظات، ظن العراق أن باب التعاون مع دول الخليج، مفتوح له، بحكم وقوفه في الصف الأول، أمام إيران. وتبيّن، بعد قليل، أن ظنه، لم يكن له أساس؛ فقد حضر اجتماعاً واحداً، في التمهيد لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ثم استبعد، بعد ذلك.

    وربما كان ذلك هو الوضع نفسه، بالنسبة إلى فكرة إنشاء تجمّع آخر في شمالي أفريقيا؛ وهو التجمع الذي حركته دعوة الوحدة المغاربية. كانت الفكرة سابقة، من أيام الكفاح في طلب الاستقلال. وبعده، ظلت معلقة، يعلو صوت الدعوة إليها، أحياناً، ويخفت، في أحيان أخرى، مسايرة لتقلبات الظروف في العالم العربي. وعندما تراخت قوة الجذب بين المشرق والمغرب في العالم العربي، ثم عندما بدأ الحديث والتخطيط والتنفيذ لسوق أوروبية موحدة ـ فإن دول المغرب العربي، التي كانت تستشعر مدى ارتباطها الاقتصادي بأوروبا الغربية، عادت إلى فكرة الوحدة المغاربية، كوسيلة لتنظيم علاقاتها بأوروبا الموحَّدة. وكانت هذه العلاقات متشابكة، من الزراعة إلى الصناعة إلى العمالة إلى الاتصالات. وهكذا، فإن الوحدة المغاربية، التي أُعلن تأسيسها في 17 فبراير 1989، بدت، هي الأخرى، في إطارها الخاص، إفرازاً طبيعياً لواقع حال من نوع مختلف.

    ولقد كان الداعي إلى الحيرة والتساؤل، بالفعل، هو فكرة مجلس التعاون العربي، الذي ظهر، فجأة، على المسرح العربي عام 1989، وطرح نفسه، بسرعة، على جماهير عربية، لم تعرف كيف تكّيف نفسها ومشاعرها إزاءه. وقد ظهرت فكرة هذا المجلس، ابتداء، في عمّان، ومنها انتقلت إلى بغداد، ثم وصلت إلى القاهرة. ومن الواضح أن المجلس كان خطوة غير موفقة؛ فلا تواصل جغرافي بين أطرافه، ولا تلاؤم بين قياداته، فضلاً عن أن الأهداف بين الأطراف، ليست متجانسة، بل لعلها كانت أقرب إلى الاختلاف منها إلى الاتفاق أو التجانس. فقد كان ظاهراً، أن هدف الأردن، هو مواجَهة أزمته الاقتصادية ونتائجها السياسية المحتملة. كما أن هدف العراق كان مواجَهة ظروف ما بعد حربه على إيران وأثرها. أمّا هدف مصر، فكان كسر طوق العزلة، والدخول إلى العمل العربي من أي باب، قد يؤدي إلى اجتياز بعض مشكلاتها. وكذلك اليمن، كان يبحث عن مطالب أمنية، ومطالب اقتصادية.

    ولعل هجوم النظام العراقي على الأنظمة السياسية في الخليج، خاصة على المملكة العربية السعودية، كان انتقاماً من مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لرفضه عضوية العراق فيه، مما عدته بغداد إهانة شديدة، وُجّهت إليها. وانطلاقاً من ذلك الإطار، بادر النظام العراقي إلى الدعوة إلى إنشاء مجلس التعاون العربي، الذي تأسس في 16 فبراير 1989، ليكون وسيلة ضغط على دول الخليج العربية، لتحقيق هيمنة العراق. وقد حاولت بغداد استدراج مصر، من خلال عضويتها في المجلس، إلى إنشاء قوة عسكرية مشتركة، على أساس أن مصر والعراق، يمثلان أكبر قوتين عسكريتين في المنطقة. غير أن القاهرة رفضت رفضاً باتاً، أن يكون للمجلس بُعدٌ عسكري أو استخباري، وأصرّت على أن تنحصر أهدافه في المجالات الاقتصادية فحسب. ومع ذلك، فقد وجد النظام العراقي تأييداً من بقية دول المجلس، إذ كان الأردن مستاء من خفض المساعدات المالية، التي كان يتلقاها من بعض دول الخليج العربية، كما وجد اليمن، في تسوية منازعات الحدود، السياسية، بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، في منطقة الربع الخالي، إغفالاً واضحاً لحقوقه التاريخية ـ من وجهة نظره ـ في تلك المنطقة.

    في هذا الإطار، الفكري والسياسي، جرى طرح مشروع مجلس التعاون العربي. وبنظرة واحدة إليه، تتبدى حقيقة كونه مجمعاً للمشاكل أكثر منه مجلساً للتعاون.

    وفي الحصيلة النهائية، فإن المجالس الثلاثة للتعاون الإقليمي، بدت وكأنها ثلاث قفزات، كلٌّ منها في اتجاه مختلف. فمجلس التعاون لدول الخليج العربية، تجمّع لدول الخليج العربي، الغنية، المشغولة بمصالحها، في نطاق المنطقة. ومجلس التعاون العربي، تجمّع للدول التي تعاني مشاكل اقتصادية، وتضغط عليها المشاكل والضرورات. ومجلس الاتحاد المغاربي، تجمّع لدول البر الأفريقي الشمالي، التي تؤقلم نفسها مع البر الأوروبي الجنوبي، ودونهما بحر فاصل مانع، بالموافقات والاتفاقات والمعاهدات، التي قد تلائم دولة أو اثنتين، ولا تلائم الباقيات. إن هذه المجالس كلها، تفتقد التأييد الشعبي الكامل. وإن الدول العربية في أشد الحاجة إلى تجمّع، اقتصادي وسياسي، يلمّ كل أجزاء الأمة العربية، في وحدة اقتصادية شاملة، ثم وحدة سياسية وعسكرية. وللأسف الشديد، كان العالم العربي خلال الثمانينيات، في أسوأ حالاته، منقسماً، في الظاهر وفي الباطن، ومتضارباً في النيات، وكلها غامضة، ومنهمكاً في المظاهر، والأزمة تأخذ بخناق الجميع، اقتصادية وعسكرية وسياسية وفكرية، بل إنسانية، كذلك.

ثانياً. الحرب العراقية ـ الإيرانية، وموقف الكويت منها

    حرصت الكويت، قبَيل نشوب الحرب العراقية ـ الإيرانية، على إزالة أسباب التوتر بين بغداد وطهران، مدركة الخطر، الذي قد ينجم عن مواجهة عسكرية بينهما. ودأبت الكويت في مساعيها، بعد نشوب الحرب، سواء بجهودها الفردية، أو من خلال دورها في المنظمات، الإسلامية والعربية والخليجية، بل سعت إلى تشكيل محكمة عدل إسلامية، للنظر في القضايا، التي يواجهها العالم الإسلامي، ومنها الحرب العراقية ـ الإيرانية.(أُنظر وثيقة بيان الشيخ صباح الأحمد الصياح، نائب رئيس الوزراء، وزير خارجية الكويت أمام مجلس الأمة الكويتي في 20 مارس 1984، في شأن الجهود التي بذلتها الكويت في وضع حد للحرب العراقية ـ الإيرانية)

    وقد تحددت العناصر الرئيسية، في توجهات الكويت الرافضة لاستمرار الحرب، في إدراكها ما سوف يترتب عليها، من إتاحة الفرصة لتدخّل القوى الأجنبية في شؤون المنطقة. ومن ثَمّ كان تأييدها العراق، في ما كان يعلنه دوماً، من استجابته لكافة جهود الوساطة، لوضع حدّ لهذه الحرب. بينما اتخذت إيران موقفاً متصلباً، بل أخذت تهدد دول الخليج العربية. ولذلك، لم تتردد الكويت في السماح للعراق بأن يصل إلى موانئها العميقة ومياهها الإقليمية، حتى يتمكن من تصدير موارده النفطية، التي تعرض جانب كبير منها للاختناق، من جراء محاصرة إيران لموانئ تصدير النفط العراقي. وإضافة إلى ذلك، قدمت الكويت قرضاً إلى العراق، وصل إلى أربعة مليارات من الدولارات، دفع منه مبلغ مليارين، عام 1981، واستمرت القروض والمساعدات المالية الكويتية، تتدفق إلى العراق على الرغم مما تعرضت له الكويت من أزمات، اقتصادية ومالية، طاحنة، خلال حقبة الثمانينيات.

    وفي الكويت، كانت النظرة إلى الحرب العراقية ـ الإيرانية متعددة الرَّؤَى والاتجاهات. ففي الجانب الإيجابي، صرفت الحرب انتباه الدولتَين المتحاربتَين بعيداً عن الكويت. فالدولة التقليدية الطامعة (العراق)، قد تغيّر من تشددها إزاء الكويت، لمواجهة قضايا أكثر إلحاحاً، وقد تجعلها نتائج الحرب أكثر ضعفاً وخضوعاً. وعلى الطرف الآخر، فإن دخول النظام الثوري الجديد (إيران)، في حرب غير معروفة المستقبل، قد يستنفد حماسته الثورية.

    وعلى الجانب السلبي، فقد كان لهذه الحرب نتائج رهيبة، بالنسبة إلى الكويت. إذ تقع منطقة الحرب على مسافة، تقلّ عن 150 كم من مدينة الكويت، مما يؤثر في الشعب الكويتي. إضافة إلى أن موقف الكويت الرسمي، مهْما كان، لن يروق لطائفة من المواطنين، وربما لقوى إقليمية، كذلك. فضلاً عن أن الازدهار، الاقتصادي والتجاري، الكويتي، اعتمد، إلى حدّ ما، على التصدير التجاري لكلا الطرفَين المتحاربين، وعلى سهولة شحن النفط الخام، فتراجعت تجارة الكويت حوالي ثلث حجمها. وأخيراً، فإنه قد يكون للحرب نتائج وعواقب غير متوقعة، بالنسبة إلى الكويت ودول الخليج. وخير مثل على ذلك سقوط الفاو في يد إيران، وازدياد قلق الدول العربية الخليجية ومخاوفها من سقوط العراق، وسقوطها وفي مقدمتها الكويت. فالعراق يقف في خط المواجَهة الأمامي ضد إيران، وتليه الكويت، في الخط الثاني. لذلك، واجهت الكويت خيارات صعبة، وبدت كما لو كانت تمشي على خيط رفيع. فحافظت، رسمياً، على الحياد الظاهري، لكنها، وبشكل غير رسمي، تعاطفت مع العراق، وساندته بطرق شتى، إلى درجة الميل والانحياز.

    والتزمت الكويت باتفاقيتَي الترانزيت (1972، 1978) مع العراق، لشحن المعدات إليه، التجارية والعسكرية، من الموانئ الكويتية. وهكذا، بررت الاتفاقيتان الموقف الكويتي. وكذلك، أظهر استخدام العراق لميناءي الشويخ والشعيبة، بشكل غير مباشر، عدم حاجته إلى تسهيلات بحرية في الجزر الكويتية. إضافة إلى أن الكويت، وتحت الضغط العراقي، وكجزء من إعانة دول الخليج العربية للمجهود الحربي العراقي، قدمت ما تراوح قيمته بين 13 و15 مليار دولار أمريكي، في صورة معونات"مالية ـ سياسية"، غير قابلة للاسترجاع، ما بين 1980 و1988، منها 8 مليارات، على شكل نقدي مباشر. وعندما أغلقت خطوط الأنابيب النفطية العراقية، عبْر الأراضي السورية، في أواخر عام 1982، وافقت الكويت والمملكة العربية السعودية على بيع ما يراوح بين 300 ألف و 350 ألف برميل نفط، يومياً، في المنطقة المحايدة المشتركة، في مصلحة العراق. وقدِّرت حصة الكويت في هذه الإعانة، خلال الفترة من 1983 إلى 1988، بـ 7.2 مليارات دولار. كما قدمت المصارف الكويتية قروضاً إلى نظيراتها العراقية، بمبلغ يصل إلى مليار دولار.

    ومن المؤشرات الرئيسية الأخرى إلى الانحياز الكويتي تجاه العراق، النبرة القومية، في الحرب، الإعلامية والدعائية، في الصحف الكويتية ووسائل الإعلام الأخرى، المنحازة، بشكل قاطع، نحو العراق، والمتبنية لتفسيره للحرب وتطوراتها. ويمكن إدراك أن خلق المناخ المؤيد للعراق، في الصحافة الكويتية، كان نتيجة لعدة عوامل، قد تتضمن التعاطف والشعور القومي العربي، أو وقوع الصحافة الكويتية تحت سيطرة الخوف من إجراءات انتقامية، أو وقوعها في مصيدة الرشوة. ومما لا شك فيه، أن المساعدات الكويتية، سواء منها المالية أو العسكرية أو الإعلامية، أسهمت في تعظيم قدرات العراق الحربية ضد إيران، والصرف بإسراف على القطاعات، المدنية والإنسانية.

    وقد أدّى تأييد الكويت المطلق للعراق، إلى إثارة إيران. ومن ثَمّ، أصبحت الكويت هدفاً للاعتداءات الإيرانية المتكررة، التي ألحقت أضراراً بالغة بأمنها القومي وبمنشآتها الحيوية[1]. وعلى الرغم من الدور الكويتي الإيجابي في مساندة العراق، إلاّ أن الكويت، رفضت استخدام جزيرتَي وربة وبوبيان، من قِبل العراق، في العمليات العسكرية ضد إيران. وكانت بغداد تتوق إلى استخدامهما، لأهميتهما الإستراتيجية، خاصة بعد سيطرة إيران على شبه جزيرة الفاو، عام 1986. وفي حين رأى العراق موقف الكويت تعنتاً، لا مبرر له، كانت الكويت شديدة التمسك بجزيرتَيها، كما كانت تعي أن استخدامهما في عمليات عسكرية ضد إيران، يعني دخولها المباشر، كطرف في الحرب العراقية ـ الإيرانية. ومع ذلك، فإن المساعدات، المادية والمعنوية، التي قدمتها الكويت إلى العراق، أدّت إلى توثيق العلاقات بينهما.

    ومع تزايد الضغوط، أخذت السياسات الإقليمية بُعداً جديداً، وشعرت الكويت بأنها واقعة بين فكَّي كماشة الطرفَين المتنافسَين، العراق وإيران، وبعدم قدرتها، منفردة، على حماية نفسها من التهديدات الخارجية، ناهيك من التخريب الداخلي الذي أصابها.(أُنظر جدول الأعمال العدائية الإيرانية ضد السفن الكويتية، والأعمال الإرهابية والتخريبية الإيرانية في الكويت خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980ـ 1988))  

    وأثرت الثورة في طهران، والحرب بين العراق وإيران، في توجهات التنسيق بين الأنظمة التقليدية الخليجية، فضاق حيز الشك أو التحفظات من إمكانية تطبيق أمن جماعي، وتأسيس التعاون، ضمن إطار مؤسس ورسمي. وولد مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بناء على رغبة حقيقية في التعاون وفي توفير متطلبات السياسة الواقعية، لحماية الدول الأعضاء ومجتمعاتها، من التهديدات غير التقليدية؛ إذ إن العناصر الجغرافية، والمقومات الاقتصادية، والتماثل الاجتماعي، وتشابه الأنظمة السياسية، تجعل ظاهرة التكامل ضرورة حتمية.

ثالثاً: مجلس التعاون لدول الخليج العربية

    برز مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كأحد التجمعات العربية الإقليمية، في عالم، اتّسم بالمتغيرات الحادّة، وبروز تجمعات، اقتصادية وسياسية، كبيرة، وانتهاء دور الكيانات الصغيرة التي فقدت شأنها في عالمنا المعاصر.

    والحقيقة، أن إنشاء المجلس، كان يستند إلى العديد من الدوافع. لعل من أهمها اتجاه دول الخليج العربية، إزاء تصاعد الحرب الباردة، بين الدولتَين العظميَين، إلى البحث عن إطار للتعاون والأمن الجماعي فيما بينها، وذلك بعد أن أصبح مفهوم أمن الخليج مرتبطاً، في نظر كلٍّ من المعسكَرين المتصارعَين، بمصالحه الخاصة، مما حدا بدول الخليج العربية على التأكيد، صراحة، أن الصراع بين هاتَين القوّتَين العظمتَين في المنطقة قد يهدد أمنها. وارتكز مفهومها لأمن الخليج على حماية بنائها الاجتماعي، والمحافظة على أنظمتها السياسية، وفض الخلافات القائمة بينها، إلى جانب تنقية الأجواء العربية، وحسبان استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، في مقدمة الأخطار، المهددِّة للأمن والاستقرار في المنطقة. وانطلاقاً من ذلك المفهوم، أخذت تلك الدول تظهر ردود فعل مضادّة، وذلك بتأكيد قدرتها الذاتية على حماية أمنها، وأن مواردها هي حق طبيعي لشعوبها. وأعلنت عن رفضها الصريح للمشروعات الأمريكية والسوفيتية في المنطقة، التي كان من شأنها إثارة القلق والمخاوف، في ظل حملات الدعاية المتبادلة، وتحميل كل طرف مسؤولية تهديد الأمن للطرف الآخر. ومن ثَمّ، كان اتجاه دول الخليج العربية إلى تنمية قدراتها الذاتية على الدفاع عن النفس، وتأكيد أن أمن الخليج، يخص دوله وشعوبه. ويقيناً، أن هذا الاتجاه، الذي ظهر في السياسة الخليجية، منذ بداية الثمانينيات، كان مقدراً له أن يتطور تطوراً إيجابياً. بيْد أن تلك السياسة، تأثرت نتيجة الغزو العراقي للكويت.

    إضافة إلى الظروف الدولية، التي كانت تشهدها منطقة الخليج العربي، في بداية حقبة الثمانينيات، كان للظروف الإقليمية، كذلك، التي عاشتها المنطقة بصفة خاصة، والمنطقة العربية بصفة عامة، دور كبير في الدوافع إلى تأسيس المجلس. وأغلب الظن، أن التحرك الخليجي نحو التجمع، قد انطلق من عاملَين رئيسيَّين:

1. أولهما، التحولات، السياسية والاقتصادية، التي طرأت على دول الخليج العربية، وبما أتاحته لها ثرواتها، من القدرة على التأثير في مجريات السياسة العربية. ومن ثَمّ، برزت تلك الدول كمراكز قوى، سياسية واقتصادية، مؤثرة. ويكفي الإشارة، في هذا المقام، إلى ما ترتب على استخدام سلاح النفط، وقطع الإمدادات النفطية عن الدول المؤيدة لإسرائيل، خلال حرب أكتوبر 1973، وفي أعقابها، من تحوّل دول الخليج العربية، من أطراف هامشية في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، إلى أطراف فاعلة فيه.

2. أمّا العامل الآخر، الذي ساعد على التجمع الخليجي، فيرجع إلى ما أدركته تلك الدول من حتمية انضوائها إلى تنظيم إقليمي واحد، للوقوف في وجه الهيمنة الإيرانية صفاً واحداً، والوقوف ضد تنامي الدور العراقي في الخليج، خاصة بعد التطورات، التي طرأت على الساحة الخليجية، في آفاق الثمانينيات، حين أصبح مسرح الخليج، مجالاً خصباً للثورة الإسلامية الإيرانية، التي وصلت إلى السلطة، في الأول من أبريل 1979، وما أعقبها من نشوب الحرب العراقية ـ الإيرانية في العام التالي.

    لقد ترتب على هذَين الحدثَين الإقليميَّين الكبيرَين، دفع مسيرة التجمع الخليجي العربي، إذ إنه على الرغم مما أدّت إليه الثورة الإيرانية من سقوط النظام الشاهنشاهي، وقيام نظام إسلامي، إلاّ أن دول الخليج العربية، ظلت تستشعر الأخطار، التي تتهددها، إثر تجدد الادعاءات الإيرانية في شأن دولة البحرين، واتجاه إيران إلى تصدير ثورتها، واستمرار سياستها التوسعية الإقليمية، واتخاذها بُعداً قومياً. ومن جهة أخرى، فقد ترتب على نشوب الحرب العراقية ـ الإيرانية، تزايد المخاوف من احتمالات تعرض دول الخليج العربية لأخطار أمنية، بسبب مجاورتها لمسرح العمليات العسكرية، وما يعنيه ذلك من امتداد الحرب إلى أراضيها، أو تهديد مصالحها. وظهر ذلك واضحاً، حين أخذت الكويت والمملكة العربية السعودية، تتعرضان لسلسلة من الاعتداءات الإيرانية، وما أدّت إليه تداعيات تلك الحرب من تهديد للملاحة في الخليج. فضلاً عن ذلك، فإن تصاعد العمليات العسكرية بين الدولتَين، أدى إلى عزلتهما عن الساحة الخليجية، مما يعني تغليب الدور، الذي كان على دول الخليج العربية أن تضطلع به؛ إذ إن انشغال العراق وإيران عن الاهتمامات الخليجية، كان يعني التخفيف من ضغوطهما، ومن ثَمّ، كان المجال مفتوحاً لكي تمارس دول الخليج العربية دوراً أكبر في حرية حركتها. وتحسباً من تلك الدول لانتصار أي من القوّتَين، وانعكاس ذلك على أوضاعها الأمنية، كانت حتمية التجمع، لما يتيحه لها ذلك من إمكانية التعامل مع القوة المنتصرة، من موقع الندية، وعدم إتاحة الفرصة أمام أيٍّ منهما لممارسة دور الهيمنة، السياسية أو العسكرية، على المنطقة، خاصة أن العراق، كان يتخذ من النظام الشمولي أساساً له، وإيران تطرح الأيديولوجية الثورية الإسلامية، المعادية للأنظمة السياسية، القائمة في دول الخليج العربية .

درع الجزيرة

    لقد وضع مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في قائمة أولوياته، أهمية تحقيق التكامل والتنسيق الاقتصادي الجماعي؛ إذ في 11 نوفمبر 1981، وُقِّعت اتفاقية اقتصادية موحدة، احتوت على 28 مادة. اعتنت في موادها السبع الأولى بالتبادل التجاري. وفي المادتَين الثامنة والتاسعة، بحُرية العمل وانتقال رؤوس الأموال والتملك وتوحيد التعريفة الجمركية. ومن المادة العاشرة إلى الثالثة عشرة، ركزت في التنسيق الائتماني. ومن المادة الرابعة عشرة إلى السابعة عشرة في التعاون الفني. ومن المادة الثامنة عشرة إلى المادة العشرين في النقل والمواصلات. ومن المادة الحادية والعشرين إلى المادة الثالثة والعشرين في التعاون المالي، والنقدي. والمواد الخمس الأخيرة، خصصت للأحكام الجنائية. وتبعتها، بدءاً من عام 1983، قرارات من المجلس الأعلى في شأن الشروع في الخطوات التنفيذية لهذه الاتفاقية.

    غير أن اهتمامات المجلس، لم تلبث أن تحولت إلى الشؤون الأمنية. ويرجع ذلك إلى تطور الأحداث، في السنوات الأولى، التي أعقبت تأسيسه. ويمكن تحديد عام 1982 بداية لذلك التحول؛ إذ إنه في قِمة المجلس الثانية، التي عقدت في الرياض، في 10 نوفمبر 1981، قرر المجلس دعوة وزراء الدفاع إلى الاجتماع، من أجْل تحديد الأولويات، التي تحتاج إليها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لتأمين استقلالها وسيادتها، نتيجة لما تكبده العراق من هزائم أمام إيران، في بداية الحرب، ونتيجة للاضطرابات الداخلية، التي تعرّض لها بعض دول الخليج العربية، ولا سيما البحرين. يضاف إلى ذلك النفوذ السوفيتي، في جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي) وأفغانستان. فضلاً عن تعرّض المنطقة لضغوط من الأنظمة اليسارية، مع توتر العلاقات بين بعض دول المجلس والولايات المتحدة الأمريكية.

    ومع تنامي الأخطار الأمنية، اتُّفق في مؤتمر القمة الثالثة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي انعقد في المنامة (البحرين)، في 9 نوفمبر 1982، على إقرار توصيات وزراء دفاع دول المجلس، الهادفة إلى إنشاء قوة عسكرية خليجية، قوامها 10 آلاف جندي، شاركت فيها دول الخليج العربية الست، واتخذت من حفر الباطن، على الحدود السعودية ـ الكويتية، مركزاً لها، وحملت اسم قوات"درع الجزيرة"(Peninsula Shield).

    وقد ارتبط تشكيل هذه القوة باستمرار ما كانت تتعرض له دول الخليج العربية، من تهديدات، داخلية وخارجية، في الوقت الذي تعاني فيه خللاً سكانياً، واتساعاً صحراوياً، مع عدم وجود عوائق طبيعية، مما يقلل القدرة الذاتية لكل دولة في الدفاع عن نفسها من دون التعاون والتنسيق مع غيرها.

    ومع توالي الأحداث، كان يتعين على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن تضع تصوراً إستراتيجياً، يتناول أوضاعها الأمنية، مما جعل أغلب مؤتمرات المجلس، على مختلف مستوياتها، تضع قضية أمن الخليج على رأس جدول أعمالها. ومع ذلك، لم تتوصل دول الخليج العربية إلى اتفاقية شاملة، في هذا المجال، ويعزَى ذلك إلى الخلافات والمنازعات الحدودية بين دول المجلس، واختلاف وجهات نظر الدول في شأن المسائل الأمنية.

    ازدادت الأنشطة العسكرية المشتركة، بين الدول الست لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. ففي منتصف 1983، بادر المجلس إلى إنشاء قوة"درع الجزيرة". وفي نوفمبر 1983، كان هناك مناورات جوية، بين الكويت والمملكة العربية السعودية. وفي فبراير وأبريل 1984، نُفذت مناورات جوية عُمانية ـ إماراتية. وفي أبريل 1984، نُفذت مناورات جوية مشتركة، بين الكويت والبحرين وقطَر والمملكة العربية السعودية. وفي يناير 1985، اشتركت الكويت وقطَر في مناورات بحرية. وفي مارس 1985، نُفذت مناورات جوية عُمانية ـ كويتية. وفي أبريل 1985، نُفذت مناورات بحرية سعودية ـ كويتية. وفي نوفمبر 1988، اشتركت دول المجلس في مناورات جوية على الأراضي الكويتية.

    وباستعراض القرارات، التي اتخذتها مؤتمرات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، على مختلف مستوياتها، يتضح حرص المجلس على تحقيق مجموعة من المبادئ الأساسية، تشمل المجالات، الدولية والإقليمية والعربية. ففي المجال الدولي، تأكدت سياسة عدم الانحياز، ونبذ الأحلاف والمحاور، مع احترام المواثيق والالتزامات الدولية، والعمل على توطيد أسُس السلام والعدل والأمن الدولي، ومساندة توازن العلاقات الدولية، مع عدم التدخل في شؤون الآخرين. وفي المجال الخليجي، حرص المجلس على تأكيد التعايش السلمي بين دول المنطقة، وإبعادها عن ساحة الصراع الدولي، ومعارضة التدخل في شؤونها، والاعتماد على القوة الذاتية، وتسوية النزاعات بالوسائل السلمية. وفيما يتعلق بالمجال العربي، أكد المجلس أنه يتماشى مع ميثاق الجامعة العربية، الداعي إلى تحقيق التقارب، وتوثيق العلاقات، وتعميق التعاون بين الدول العربية.

رابعاً: استبعاد العراق من مجلس التعاون لدول الخليج العربية

    ربما كان النظام العراقي من أكثر الأنظمة العربية معارضة لقيام المجلس، الذي لم يضمه إلى عضويته، على الرغم من إسهام العراق في جميع مجالات التعاون، الاقتصادي والثقافي، الخليجي، منذ بداية السبعينيات. ومن الواضح أن اختلاف بنية العراق، السياسية والاجتماعية، كان عائقاً دون انضمامه إلى هذا التجمع. إذ لم تبدِ دول الخليج العربية استعداداً لانضمامه إلى تجمّعها. وقد ألقى النظام العراقي اللوم في ذلك على المملكة العربية السعودية. ولعل استبعاد العراق من عضوية المجلس، كان دافعاً له إلى التفكير في إيجاد تجمّع آخر، منافس له. ومن ثَمّ، دعا إلى تكوين مجلس التعاون العربي، الذي ضم الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي)، في البداية، المستبعد هو الآخر، من مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلى جانب مصر والأردن.

    ومع ذلك، لم يكن استبعاد العراق من عضوية المجلس، يعني أنه أصبح منعزلاً عن دول الخليج العربية، وإنما على العكس من ذلك، ظلت علاقاته إيجابية بتلك الدول، التي طالما عَدَّته خطاً دفاعياً ضد الهيمنة الإيرانية. ولعل دول الخليج العربية، وجدت في تورط العراق في الحرب على إيران، مبرراً للتعلل باستبعاده من عضوية المجلس، في الوقت الذي شعر فيه العراق بحاجته الشديدة إلى تأييدها ودعمها، مما جعله يغيّر موقفه إزاء المجلس. ومن ثَمّ، صدر العديد من التصريحات الرسمية، التي أعلن فيها العراق، أنه يحارب إيران بالنيابة عن أشقائه، كما أظهر تأييده للمجلس؛ وذلك تماشياً مع توجهاته الأيديولوجية، المساندة، على حدّ ما ورد في تلك التصريحات، لأي تقارب بين دول الخليج العربية، وأنه يأمل أن يتطور التعاون الخليجي، إلى مرتبة الوحدة العربية الشاملة.

    وعلى الرغم من تلك التصريحات، التي كانت تتفق مع مصالح العراق، خلال حربه على إيران، إلاّ أنه كان من الواضح، أن النظام العراقي، يكنّ لدول المجلس عداءً شديداً. وهناك من يرى أن دوافع العراق إلى غزوه الكويت، وتهديده دول الخليج العربية الأخرى، ربما كانت، في جانب منها، انتقاماً من هذه الدول، لحؤولها دون انضمامه إلى تجمّعها، بل دون هيمنته على ذلك التجمع.

خامساً: استبعاد إيران

    تكشف ردود الفعل الإقليمية، التي صاحبت قيام المجلس، أن الموقف الإيراني، كان شديد الحساسية؛ إذ استبعدت طهران، بدورها، من التجمع الخليجي، على الرغم من مشاركتها في بعض اتفاقات التعاون، التي سبقت إنشاءه، فقد انضمت، عام 1976 إلى العديد من المنظمات الخليجية، التي كان من أبرزها المنظمة الخليجية للاستشارات الصناعية. كما انضمت، عام 1978، إلى اتفاقية مع دول الخليج العربية، للحفاظ على البيئة البحرية. ومن ثَمّ، رأت إيران، أن تأسيس المجلس، هو تجمّع عربي خليجي، معادٍ لها، فلم تتوانَ في إبداء شكوكها وتحفظها. ويبدو ذلك واضحاً في العديد من التصريحات الرسمية، الصادرة عن القيادات الإيرانية، والتي أعلنت فيها معارضتها لقيام تجمّع عربي على الساحل الغربي من الخليج، المواجِه لها، وأوضح علي خامنئي، المتحدث باسم الثورة الإسلامية الإيرانية، أن المجلس جاء ضد إيران.

    ومما تجدر الإشارة إليه، أن الموقف الإيراني كان ناجماً عن عدة عوامل، منها خوف إيران من مساندة دول المجلس للعراق، أو مساندة أي عمل أمريكي ضد طهران، خاصة في الوقت الذي تدهورت فيه العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية. وهكذا، يمكن تفسير بعض العمليات التخريبية، التي تعرّضت لها البحرين، عام 1982، مما أدى إلى شكوك دول المجلس في نيات النظام الإيراني ومخططاته، ضد دول الخليج العربية.

    وحقيقة الأمر، أن موقف المجلس تجاه الحرب العراقية ـ الإيرانية، كان يتّسم بتحقيق التوازن، في ضوء المصالح العربية بوجه عام، ومصالح المنطقة بوجه خاص. فعلى الرغم من مساعدات دول المجلس للعراق، فإن هناك مساعدات، قُدّمت من بعض تلك الدول إلى إيران، كذلك. وفي اجتماع قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الخامسة، الذي عقد في الكويت، الفترة من 27 ـ 29 نوفمبر 1984، أبدت القمة استعدادها للسعي مع الأطراف المعنية من أجل وقف الحرب العراقية ـ الإيرانية. وأكد الشيخ زايد بن سلطان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، أهمية مساعدة الدولتَين، بعد توقف الحرب بينهما، لإزالة ما ألحقته الحرب من دمار.

    وعلى الرغم من تنديد إيران بمساندة دول المجلس للعراق، فإن دول الخليج العربية، أبقت على جسور الحوار والاتصال مع الجانب الإيراني، وحرصت على الوساطة بين الدولتَين المتصارعتَين ومحاولة احتواء ردود الفعل، الناجمة عن الصراع وانعكاساته على دول المنطقة.

سادساً: علاقات الكويت بمثلّث القوى الإقليمي

    حرصت الكويت، في سياستها الخارجية، على التوازن بين القوى الثلاث، المجاورة لها. والمقصود بتلك القوى، ذلك المثلث الذي يقع على رؤوسه كلٌّ من العراق وإيران والمملكة العربية السعودية.

أ. العلاقات الكويتية ـ السعودية

    منذ الستينيات، استطاعت الكويت توثيق علاقاتها بالمملكة العربية السعودية، وكان ذلك على أثر تسوية الخلافات، التي كانت قائمة بين البلدَين، فيما يتعلق بوضع المنطقة المحايدة، وإن ظل بعضها كامناً، لم يحسم بعد، حول حقوق السيادة على جُزُر كُبر وقاروه وأم المرادم وغيرها من الجُزُر، الواقعة في مياه المنطقة المحايدة، والخاضعة، حالياً، لسيادة الكويت. ولعل تلك الخلافات، هي التي حالت دون موافقة الكويت على توقيع اتفاقية أمنية مع المملكة العربية السعودية، كما فعلت دول الخليج العربية الأخرى، عام 1982. كما عارضت الكويت اقتراح المملكة العربية السعودية إنشاء قوة أمن جماعي لدول الخليج العربية، وكان الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية السعودي، قد صرح بذلك، في 23 فبراير 1985. غير أن الكويت أعلنت، أن مجلس الأمة، لن يوافق على تلك المشروعات الأمنية، ما لم تعدَّل، لإزالة النقاط المتعارضة مع الدستور الكويتي. وليس من شك في أن رفض الكويت توقيع اتفاقية أمن مع المملكة العربية السعودية، أو الموافقة على المشاركة في قوة الأمن الجماعي، إنما يرجع إلى تخوفها من تدخّل القوات السعودية في بعض المناطق الكويتية، مما يعني انتهاكاً لسيادتها الإقليمية.

    وعلى الرغم من معارضة الكويت المقترحات السعودية، إلاّ أنها كانت تدرك جيداً، أن توثيق علاقتها بالمملكة العربية السعودية، أمر لازم لمواجهة الضغوط التي كانت كثيراً ما تتعرض لها، من قِبل إيران أو العراق. ومن ثَمّ، دانت الكويت حادثة الحرم المكي، عام 1979، ولم تعترض على الأحكام، التي صدرت في المملكة العربية السعودية، ضد عناصر كويتية، اتُّهمت مع غيرها بتدبير الحادث .

    وفي هذا الخصوص، وتعليقاً على أحكام الإعدام، صرح خادم الحرمين الشريفين، في حديثه إلى "مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية"، رداً على سؤال عن علاقات الكويت والسعودية قال: "إن الكويت هي السعودية والسعودية هي الكويت. وهؤلاء ثبت عليهم الاتهام في جريمة كبرى هي الإفساد في بيت الله الحرام، فالكلمة فيها لشرع الله وقضائه. ولو أن سعودياً عبث بأمن الكويت فإننا سنكون أول من يؤيد أي إجراء تتخذه قوانين الكويت ضده .

    وقد اتجهت الكويت، على أثر توقّف الحرب العراقية ـ الإيرانية، إلى إقامة علاقات أوثق بالمملكة العربية السعودية، وظهر ذلك واضحاً في زيارة الشيخ سعد العبدالله الصباح، ولي عهد الكويت، إلى الرياض، خلال الفترة من 5 وحتى 12 نوفمبر 1988، وأسفرت مباحثاته في الرياض عن تشكيل لجنة مشتركة، تجمع بين وزراء الداخلية والخارجية والنفط، للتنسيق بين البلدَين، في الشؤون السياسية والاقتصادية، ما عَدَّه بعض المحللين تنسيقاً أمنياً بين البلدَين.

ب. العلاقات الكويتية ـ العراقية

    أمّا العلاقات بين الكويت والعراق، فقد تراوحت بين التدهور والتحسن. واتخذت بغداد من مشكلات الحدود بين البلدين، وسيلة للضغط على الكويت، ومطالبتها إذا كانت تريد إنهاء تلك المشكلات، باتخاذ مبادرات قومية، أي بالتنسيق السياسي مع العراق، واستثمار رؤوس أموالها فيه، واستخدام الأيدي العاملة العراقية.

ج. العلاقات الكويتية ـ الإيرانية

    مع استمرار تردّي العلاقات الكويتية ـ العراقية، خلال الستينيات والسبعينيات، كان النظام الإيراني الشاهنشاهي، يؤيد الكويت في أزمتها مع العراق، على الرغم من أن السياسة الكويتية، كانت معارضة لنظام الشاه، الذي أطلقت له الولايات المتحدة الأمريكية مهمة حماية المصالح الغربية في الخليج، عقب إعلان بريطانيا قرارها الخاص بالانسحاب من المنطقة، قبل نهاية عام 1971.

    غير أن نشوب الثورة الإسلامية الإيرانية، وسقوط النظام الشاهنشاهي، في الأول من أبريل 1979، كان لهما أثرهما في العلاقات الكويتية ـ الإيرانية، حين وجدت الكويت نفسها، تتعرض لضغوط شديدة من قِبل النظام الإيراني الثوري الجديد. ولم تقتصر الضغوط على الكويت، وحدها، وإنما تعدتها إلى دول الخليج العربية الأخرى، إذ كان من شأن التحولات الضخمة، التي حدثت في إيران، تهديد الأنظمة الخليجية القائمة، وذلك على عكس نظام الشاه، الحريص على استقرار تلك الأنظمة. ويفهم من التصريحات العديدة، الصادرة عن قادة الثورة الإيرانية، مدى التناقض بين النظام الثوري الإيراني وبين الأنظمة الخليجية العربية، التي وصفها آية الله الخميني، بأنها تمارس الإسلام، أو على حدّ قوله، الإسلام على النظام الأمريكي. ومما يذكر أن الخميني، كان يكن عداء شخصياً ضد الكويت، التي لم تسمح له بدخولها، بعد طرده من العراق، في 6 أكتوبر 1978[2].

    وعلى الرغم من تلك التصريحات، فإن الكويت كانت حريصة، مراعاة لسياسة التوازن، التي دأبت عليها، على المحافظة على علاقات طيبة بالنظام الإسلامي الإيراني، بل العمل على التنسيق معه لحماية الأمن في المنطقة. وفي صدد ذلك، كان الشيخ صباح الأحمد، وزير خارجية الكويت، أول وزير خليجي، يزور العاصمة الإيرانية، عقب نشوب الثورة. وفي الوقت الذي لم تحقق تلك الزيارة الرسمية نجاحاً يذكر، فإن وفوداً شيعية كويتية شعبية، زارت طهران، مهنئة بنجاح الثورة، فاستقبلت استقبالاً طيباً. ومع ذلك، كانت الكويت حريصة، في العديد من المناسبات، على التعبير عن حسن نياتها تجاه النظام الإسلامي الإيراني. ولذلك، عارضت، حين كانت عضواً في مجلس الأمن الدولي، فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، إبّان أزمة الرهائن الأمريكية، كما دانت مهمة الإنقاذ الأمريكية، وأعلنت استياءها من تجميد الأرصدة الإيرانية. وفضلاً عن ذلك، لم تتردد الكويت في تقديم المساعدات الإنسانية، من أغذية وأدوية، إلى ضحايا الفيضانات، في جنوبي إيران. كما وافقت، عام 1980، على إمداد إيران بالنفط المكرر، وأبدت استعدادها للتعاون معها. وفتحت زيارة صادق قطب زادة، وزير الخارجية الإيرانية، إلى الكويت، عام 1980، المجال لقيام حوار بين البلدين. غير أن تتابع الأحداث السياسية، أدى إلى توتر واضح في العلاقات بينهما، على أثر التصريحات الصادرة عن قادة الثورة، في شأن عزمهم على تصدير الثورة الإسلامية، إضافة إلى تداعيات الحرب العراقية ـ الإيرانية.

    وعلى الرغم من أن هذه الحرب، شغلت الطرفَين المتحاربَين، إلاّ أن القلق ظل يساور الكويت وغيرها من دول الخليج العربية الأخرى، نتيجة الانتصارات، التي حققتها إيران على العراق، عام 1982، وازداد التوجس من انهيار الأنظمة الخليجية، في حالة نجاح إيران في إيقاع الهزيمة بالعراق.

    ولعل النظام السياسي في الكويت، كان يدرك جيّداً، أنه إذا كان في وسعه احتواء الشيعة في الكويت، الذين لم يكن لهم تأثير ملموس في صنع القرار السياسي، إلاّ أنه سيتعذر عليه ذلك، في حالة انتصار إيران في الحرب. ومن جهة أخرى، كانت الكويت تحبذ النظام العلماني في العراق على النظام الديني (الثيوقراطي)[3]، في إيران، الذي لا يمكن التنبؤ باتجاهاته. وقد رأت الكويت أن مسانداتها للعراق، قد تؤدي إلى حل مشكلات الحدود القائمة بينهما، كما أنها ستؤدي إلى ارتياح القوميين العرب، والأصوليين الإسلاميين، على حد سواء، فضلاً عن استجابة الحكومة للمصالح الاقتصادية، المتمثلة في حصول رجال الأعمال الكويتيين على تعاقدات مع الحكومة العراقية، لإزالة ما خلّفته الحرب من دمار، أو على الأقل استرجاع حقوقهم في العقود غير المدفوعة، التي أبرموها مع العراق، خاصة بعد أن حذر طه ياسين رمضان، نائب الرئيس العراقي، من أن الذين ترددوا في مساندة العراق، سوف يحطمون مصالحهم، وسيفقدون، بالتأكيد، أي فرصة في المستقبل.

    وكان موقف الكويت المنحاز إلى تأييد العراق ودعمه في الحرب، تغييراً في نهج سياسة الكويت الخارجية منذ الاستقلال، القائمة على التوازن والحياد. وكان الاندفاع في ذلك التأييد، قد أسهم، دون شك، مع دول مجلس التعاون، في دعم النظام العراقي وتثبيته. إن موقف الكويت من الحرب العراقية ـ الإيرانية، مبني على رأي جماعي لدى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مفاده أن هزيمة العراق في الحرب، وانتصار إيران، يعني خطر السيطرة الإيرانية على المنطقة، ولذلك، وقفت، إعلامياً واقتصادياً، مع العراق، من دون أن تضع في حسابها، أن الأمر نفسه سيحدث، لو انتصر العراق.

    وبينما كان الموقف الرسمي الكويتي يتجه إلى تأييد العراق، فإنه على المستوى الشعبي، كان التأييد لأحد الطرفَين المتحاربَين، يرتكز، في الدرجة الأولى، على أُسُس عنصرية أو طائفية. فالكويتيون السُّنيون، كانوا يؤيدون النظام العراقي. وذلك على عكس الشيعة، خاصة ذوي الأصول الإيرانية، الذين كانوا يساندون إيران، أو يتعاطفون معها، على الأقل. ومن ثَمّ، كان من الطبيعي أن تنظر الدوائر الرسمية الكويتية إلى العناصر الشيعية المتطرفة في الكويت على أساس أنها تشكل"طابوراً خامساً"لإيران. ولعل ذلك مما دفع إيران إلى إرسال وفد خاص إلى الكويت، في مارس 1987، لمناقشة موقفها من الحرب، وما ادَّعته طهران من سوء معاملة الكويت للشيعة فيها. وأبدى الوفد الإيراني اهتمامه بإطلاق الكويت بعض الشيعة، الذين احتجزتهم السلطات الكويتية لنشاطهم ضد استقرار أمنها. وكان من الطبيعي أن ترفض الكويت مناقشة مثل تلك الموضوعات، لكونه يمس سيادتها الداخلية. ومن ثَمّ، طالبت الوفد الإيراني بالرحيل، من الفور.

    وعلى الرغم من مساندة الكويت للعراق، فقد حاولت التوسط بين الطرفَين المتحاربَين. وبطبيعة الحال، لم تسفر الوساطة الكويتية عن نتائج إيجابية، إذ كانت إيران ترتاب في الموقف الكويتي، وكانت تخشى، بصفة خاصة، أن تتنازل الكويت للعراق عن جزيرتَي وربة وبوبيان. وأكدت أنه إذا حدث ذلك التنازل، فإنها ستبادر إلى السيطرة على جزيرة فيلكا الكويتية. وفي الوقت نفسه، كان العراق يخشى من الوساطة الكويتية، لما قد تتيحه من فتح الحوار مع إيران، خاصة أن كثيراً من دول الخليج العربية، كدولة الإمارات العربية المتحدة وقطَر وسلطنة عُمان، ظلت تربطها مصالح، سياسية واقتصادية، بإيران، ولم يطرأ عليها أي تغيير يذكر.

    وإزاء الإصرار الإيراني على مواصلة الحرب، وعدم الإذعان للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن بوقف إطلاق النيران ـ في حين أبدى العراق استعداده للاستجابة لتلك القرارات ـ استمرت الكويت في دعمها للعراق؛ إذ سمحت للإمدادات العسكرية وغيرها، بالعبور، عبْر موانئها، إلى العراق، التزاماً بمعاهدتَي التعاون، الموقعتين بينها وبين العراق، عامَي 1972 و1978. كما استمرت الموانئ الكويتية العميقة، في الشعيبة والشويخ وغيرهما، تؤدي دوراً مكثفاً في خدمة المتطلبات العراقية. وسمحت الكويت، في الوقت نفسه، للمقاتلات العراقية باختراق مجالها الجوي، وهي في طريقها إلى قصف سفن الأسطول الإيراني. فضلاً عن تقديم الكويت قروضاً ومساعدات مالية ضخمة إلى العراق، وإسهامها في بناء خط أنابيب إلى المملكة العربية السعودية، لتصدير النفط العراقي.

    وقد أدى الموقف الكويتي المساند للعراق، إلى استمرار تعرّض الكويت للضغوط الإيرانية. ولسلسلة من العمليات الانتقامية الإيرانية، فتعرضت ناقلاتها النفطية للقصف الإيراني. وإزاء تصاعد تلك العمليات، تقدم وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بشكوى إلى مجلس الأمن، في 17 مايو 1984، ضد الأعمال العدوانية الإيرانية، المتكررة على سفنها التجارية، أثناء إبحارها في الخليج العربي. فأصدر مجلس الأمن قراره الرقم 552، في الأول من يونيه 1984، يدين فيه الهجمات العسكرية الأخيرة على السفن التجارية وناقلات النفط المحايدة، في منطقة الخليج. وطالب بوقف هذه الهجمات، فوراً. وحث جميع الدول على احترام حرية الملاحة وحمايتها، في مياه الخليج. وبهذا القرار، يتضح أن مجلس الأمن، لم يدن إيران صراحة، ولم يوجّه إليها اللوم، على الأقل، لاعتداءاتها على الدول غير المشاركة في الحرب .(أُنظر وثيقة ترجمة القرار الرقم 552 (1984) الصادر عن مجلس الأمن في الجلسة 2546 والمؤرخ في 1 حزيران/يونيه 1984م، في شأن الاعتداءات الإيرانية على السفن التجارية في مياه الخليج) و(وثيقة أصل القرار باللغة الإنجليزية)

    وعلى الرغم من ذلك، رفضت إيران قرار مجلس الأمن، ودأبت في أعمالها العدوانية، ضد الكويت، حتى وصل الأمر إلى انتهاكها مياهها الإقليمية، حين أطلقت صاروخاً، في 15 أكتوبر 1987، أصاب ناقلة نفط أمريكية (Sangri) كما أصيبت، في اليوم التالي، ناقلة نفط كويتية، ترفع العلم الأمريكي، بصاروخ سيلكوورم (Silkworm)، داخل المياه الإقليمية للكويت. وإزاء تواصل الاعتداءات الإيرانية على الناقلات الكويتية، التجأت الكويت إلى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، مبدية استعدادها لرفع أعلام تلك الدول على ناقلاتها. وفي 19 مايو 1987، وافقت إدارة الرئيس الأمريكي، رونالد ريجان، على رفع العلم الأمريكي على نصف الأسطول الكويتي، ووضعه تحت حماية البحرية الأمريكية. كما استطاعت الكويت أن تحصل على موافقة الاتحاد السوفيتي على رفع علمه على بعض ناقلاتها. كذلك، وافقت بريطانيا، بدورها، على رفع علمها على ثلاث ناقلات كويتية. بينما اكتفت فرنسا بإعلام الكويت بأنها ستراقب الموقف. في حين اعتذرت الصين عن عدم استجابتها الطلب الكويتي.

    كما اتجهت إيران إلى استخدام وسائل الضغط ضد الكويت، بتشجيع بعض العمليات الإرهابية. ففي الأول من أغسطس 1987، انتهكت إيران حرمة السفارة الكويتية في طهران، التي احتُلت من قِبل السلطات الإيرانية، واحتُجز أعضاؤها، وحولت مقر السفارة إلى مقر لحزب الله، بما يخالف الأعراف الدولية. وفي 5 أبريل 1988، اختُطِفَت إحدى الطائرات الكويتية المدنية، وعلى متنها 111 راكباً. وكانت في طريقها من بانكوك إلى الكويت، حين أُجبرت على هبوط مطار"مشهد"الإيراني. وبادرت السلطات الإيرانية إلى تزويد المختطفين الوقود، والسماح لهم بمغادرة"مشهد"، إلى مطار لارناكا، في قبرص، حتى وصلت الطائرة إلى الجزائر. وفي 20 أبريل، وبعد مفاوضات، استمرت 16 يوماً، تم الإفراج عن الرهائن من ركاب الطائرة، وسلّم المختطفون أنفسهم للسلطات الجزائرية، بطريقة سلمية، ومن دون تنازلات من الكويت. واتضح أنهم كانوا يطالبون بإفراج الكويت عن 17 سجيناً من المتطرفين، عملاء إيران، الذين احتجزتهم سلطات الأمن الكويتية، لإدانتهم بأعمال داخلية، هددت أمن الكويت.(أُنظر جدول الأعمال العدائية الإيرانية ضد السفن الكويتية، والأعمال الإرهابية والتخريبية الإيرانية في الكويت خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980ـ 1988))  

    ومهما كانت الانتقادات، الموجَّهة إلى الكويت، لاستخدامها الأعلام الأجنبية، فإنها استطاعت، بتلك الوسيلة، أن تكون عاملاً حاسماً في تدويل الحرب، بل استطاعت، في خلال عام واحد، من إدخال الأعلام الأجنبية إلى مياه الخليج العربي، أن تنهي حرباً، استمرت ثمانية أعوام.

    ولئن أثرت الحرب العراقية ـ الإيرانية، سلباً في حالة أمن الكويت فإن تأثيرها في اقتصادها كان تأثيراً إيجابياً، إذ ازدادت الكميات، التي صارت تصدرها الكويت من النفط. صحيح أن أسعار النفط انخفضت، غير أن الكويت عوضت ذلك بزيادة معدلات التصدير، وكانت قد نقلت ملكية شركة النفط كاملة إلى الدولة، منذ عام 1977، واستطاعت أن تكوّن مدخرات، أحسنت استثمارها في الخارج، بالقياس إلى دول الخليج الأخرى، وأسست بعض الشركات الكبرى، ومنها شركة النفط البريطانية، إذ تمكنت الكويت من شراء 20% من أسهمها، إلى درجة أزعجت رئيسة وزراء بريطانيا،"مارجريت تاتشر Margaret Thatcher"، فتدخلت لتخفيض نسبة الأسهم. والمهم أن استثمارات الكويت، أصبحت تدر أرباحاً، تكاد توازي عائدات النفط نفسها، وجعلت الحكومة الكويتية تلك المدخرات محجوزة، لا تمس، إذ خصصت للأجيال القادمة بعد عام 2000.



[1] كلمة وزير خارجية الكويت، أمام الجمعية العامة  للأمم المتحدة، حول الأضرار، التي لحقت بالكويت، خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، 24 سبتمبر 1987

[2] طُرد أية الله الخميني من إيران في 4 نوفمبر 1964، فذهب إلى مدينة النجف، في العراق، ثم طرده صدام حسين منها في 6 أكتوبر 1978. المصدر: الموسوعة البريطانية

[3] الثيوقراطية Theocracy : حكومة دينية، أو دولة خاضعة لحكم رجال الدين.