إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) North Atlantic Treaty Organization NATO




لورد اسماي
لورد جورج روبرتسون
لورد كارينجتون
مانليو بروزيو
مانفريد فورنر
ويلي كلاس
بول هنري سباك
جوزيف لانز
خافيير سولانا
ديرك ي ستيكر
علم الحلف

الهيكل التنظيمي المدني (1951)
الهيكل التنظيمي العسكري للحلف (1951)
تنظيم قيادة الحلفاء بأوروبا 1952
السكرتارية العامة للحلف
الأقسام المعاونة للسكرتير العام
تنظيم القوة خفيفة الحركة
الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1990
الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1992
هيئة أركان الحلف الدولية
أقسام هيئة الأركان الدولية
اللجان الرئيسية للمجلس
الهيكل التنظيمي العسكري 1992
هيئة الأركان العسكرية للحلف 1992
تنظيم التحالف بوسط أوروبا
الهيكل التنظيمي للحلف 1998
اللجان الرئيسية للحلف 1998
هيئة الأركان الدولية 1998
هيئة الأركان العسكرية 1998
أقسام هيئة الأركان الدولية (1998)
الهيكل العسكري للناتو (1998)
الهيكل العسكري للناتو بأوروبا (1998)
الهيكل العسكري للناتو بالأطلسي (1998)
مؤسسات التعاون والاستشارة
قوات التحالف في أوروبا (2000)
قوات التحالف في الأطلسي (2000)
قيادات مناطق عمل الحلف
قيادة التحالف في أوروبا
قيادة التحالف في الأطلسي
القوات التقليدية لحلف الناتو
القوة النووية لحلف الناتو

مناطق تهديد أمن الحلف
دول الناتو أبريل 1949
دول حلف وارسو 1955
قوات التحالف وسط أوروبا
قوات التحالف جنوب أوروبا
قوات التحالف شمال غرب أوروبا
قوات التحالف في الأطلسي



المبحث الأول

المبحث الأول

نشأة ومبادئ وأهداف الحلف

    كان من الطبيعي بعد الحرب العالمية الأولى (1912 ـ 1918)، والتي صاحبتها خسائر بشرية ومادية وعسكرية كبيرة، بددت قدرات معظم الدول المشاركة فيها، ظهور رغبة شديدة، بين دول الغرب، لنبذ الحرب. وصل الميل نحو السلام إلى مداه، في الثلاثينيات، بينما كانت طبيعة وغايات السلام، للطرف الآخر، على النقيض، إذ بدأت تطلعات هتلر الأوروبية، في الإفصاح عن طبيعتها التوسعية.

    لم يتمكن النظام الدولي، الذي قام بعد الحرب العالمية الأولى، والذي تمثل في عصبة الأمم، من تفادى نشوب حرب عالمية أخرى، فنشبت الحرب العالمية الثانية (أول سبتمبر 1939).

    انتهت الحرب بانتصار الحلفاء، وهزيمة ألمانيا وباقي قوات المِحْوَرْ، وأعيد صياغة النظام الدولي، من جديد، فأنشئت الأمم المتحدة، بدلاً من عصبة الأمم، على أساس التعاون بين المنتصرين في الحرب، والمساندين لهم، من أجل الحفاظ على الأمن الجماعي، والاستقرار العالمي، في إطار التوازنات الجديدة التي ظهرت بعد الحرب.

    غير أنه بالانتهاء الفعلي للحرب العالمية الثانية، اندفعت القوى المنتصرة في استثمار نصرها، فظهرت تكتلات، وتكتلات مضادة، خاصة في أوروبا، هدفت إلى استقطاب دول أوروبا الشرقية إلى جانب الاتحاد السوفيتي، قابله على الجانب الآخر استمرار ترابط التحالف الغربي، واستقطاب باقي دول أوروبا الغربية إلى جانبه، بما فيها قوات المحور السابق (المنهزمة).

    وبذلك ظهرت حرب من نوع آخر، غير معلنة، أطلق عليها الحرب الباردة، وكانت الأحلاف العسكرية أبرز أدواتها ومنها حلف شمال الأطلسي (الناتو).

أولاً: المسرح السياسي قبل نشأة الحلف:

    غيرت نتائج الحرب العالمية الثانية، من توازن القوى في العالم، فقد انهارت دول عظمى (ألمانيا واليابان)، وهبطت دول أخرى لمرتبة أدنى (إنجلترا وفرنسا وإيطاليا والنمسا)، وصعدت دول إلى مصاف الدول العظمى (الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية)، وتغيرت الخريطة السياسية في وسط وشرق أوروبا، نتيجة لأحداث تلك الحرب.

    كان المسرح السياسي العالمي، مازال يستوعب المتغيرات، بينما سارعت الدول العظمى الجديدة، لتأكيد نفوذها، واستثمار مكاسبها في الحرب، وقد وضح أن هناك خللاً، في النظام العالمي يتمثل في:

1. خلفت هزيمة كل من ألمانيا واليابان، فراغاً على جانبي الاتحاد السوفيتي الذي انتهز هذه الظروف غير العادية، ليستغل قدراته العسكرية، ويمارس سياسة توسعية، شكلت من وجهة نظر الدول الغربية تهديداً للسلام وللأمن الجماعي.

    كان القلق من قوة الاتحاد السوفيتي الضخمة، ينتاب ساسة أوروبا الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية، وتبادلا فيما بينهما الرأي، فقد كان الموقف المنتظر، بعد الحرب، أن تخفف كل الدول الأوروبية، من أعباء التعبئة، وتنقص من حجم قواتها تدريجياً، والتي لن تتعدى، بعد عام واحد من انتهاء الحرب، إلى أقل من مليون جندي، بينما يحتفظ الاتحاد السوفيتي، بما يزيد عن 6 مليون جندي في الخدمة العاملة (200 ـ 300 فرقة)، إضافة إلى أنه "أسدل ستاراً حديدياً (Iron Curtain) على حدوده، ولم تعد الدول الغربية، تعلم ما يدور بداخله"[1].

2. كان من الطبيعي، على ضوء استسلام ألمانيا، أن بدأت الدول الغربية في إنهاء حالة التعبئة، وبدأت الولايات المتحدة وبريطانيا في سحب قواتهما من أوروبا، باستثناء القوات الموجودة في ألمانيا الغربية، أو تلك المنتشرة في أماكن أخرى من العالم. كما بدأت الدول الأوروبية في إعداد نفسها لمهام إعادة البناء والتعمير المتعددة، وأنهت حالة التعبئة لقواتها، وهو ما أنقص كثيراً من حجم القوات لدى تلك الدول.

        من وجهة أخرى، حاولت الدول الغربية، التوصل إلى صيغة سياسية، مع الاتحاد السوفيتي، لتخفيف التوتر الذي بدأ يتصاعد في العلاقات معه. كما حاولت تأكيد فاعلية الأمم المتحدة، كأداة للسلام، إلا أن الوضع الجديد للنظام الدولي[2]، والسياسة التوسعية السوفيتية، التي بدأت تنتشر إلى خارج القارة الأوروبية كذلك، أحبطت كل المساعي.

        كانت الفترة التالية لانتهاء الحرب العالمية الثانية، قد أفرزت عقد عدة اتفاقيات سلام، كما وُقِعْ ميثاق لإنشاء هيئة الأمم المتحدة، في 26 يونيه 1945، من خمسون دولة، كآلية لحفظ السلام العالمي، بدلاً من عصبة الأمم، التي انهارت. ووضح أن هناك مشكلات قد ترتبت على تلك الاتفاقيات، والميثاق:

3. مشاكل اتفاقيات السلام بعد انتهاء الحرب:

أ. لم تمثل بولندا في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945، إذ أن الاتحاد السوفيتي والقوى الغربية لم يتمكنوا من الاتفاق على تشكيل الحكومة البولندية.

ب. وفي مؤتمر لندن لوزراء الخارجية في سبتمبر 1945، رفض وزير خارجية الاتحاد السوفيتي مستر مولوتوف المقترحات البريطانية لمناقشة الموقف في كل من رومانيا وبلغاريا.

ج. وفي نوفمبر 1945، تمكنت الدول الغربية، من الحصول على موافقة السوفيت، للبدء في مناقشة الخطوط الرئيسية لاتفاقيات سلام مع إيطاليا وفنلندا، وكذلك عن الوجود الألماني السابق في البلقان.

د. وفي مارس 1947، فشل مؤتمر وزراء الخارجية في موسكو في التوصل إلى مسودة اتفاقيات للسلام في كل من ألمانيا والنمسا، ولم يتمكنوا من الاتفاق على مستقبل ألمانيا.

هـ. عقدت عدة مؤتمرات، لوزراء خارجية الدول الأوروبية، والقوى العظمى، في لندن وباريس وموسكو، ولم يصلوا إلى اتفاق، حول نقاط الخلاف مع الاتحاد السوفيتي، لترتيبات السلام في القارة الأوروبية، خاصة ما يتعلق بالوضع في دول أوروبا الشرقية والتي كان الاتحاد السوفيتي يحتلها عسكرياً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وينشر فيها أيدولوجيته الشيوعية، بالقوة[3].

و. أدى توقيع ميثاق الأمم المتحدة، في 26 فبراير 1945، إلى انتعاش الأمل لدى شعوب العالم كافة، لإحلال سلام دائم، إلا أن إساءة استخدام حق الاعتراض في مجلس الأمن (Veto)، والذي نص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، كميزة إضافية للدول العظمى والكبرى الخمس، مكافأة على جهودها في الحرب، أضر بفاعلية قرارات مجلس الأمن، وأسقط هيبة المنظمة الدولية، ووأد آمال السلام مبكراً. استخدم الاتحاد السوفيتي، حقه في الاعتراض مراراً، لمنع صدور قرارات إدانة، أو إجراءات عقابية، ضد الدول التي يشملها برعايته، والتي كانت قد دارت في فلك الشيوعية التي صدرها إليها.

4. التوسع السوفيتي في أوروبا الشرقية:

أ. بدأ التوسع الإقليمي السوفيتي، خلال فترة حكم "ستالين"، أثناء الحرب العالمية الثانية من وجهة النظر الفعلية، بضم: "استونيا، ولاتفيا، ولتوانيا"، مع أجزاء من فنلندا، ورومانيا، وبولندا، وشمال شرق ألمانيا، وشرق تشيكوسلوفاكيا، بإجمالي مساحة 180.000 ميل مربع يقطنها حوالي "23 مليون نسمة". كان ذلك التوسع هو الذي حرك رئيس وزراء بلجيكا ووزير خارجيتها "بول هنري سباك" ليعلن في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، أن دولة كبرى ظهرت بعد الحرب، قامت بالاستيلاء على أراضي الآخرين، وحدد هذه الدولة بأنها الاتحاد السوفيتي، وأشار إلى استمرار التوسع الإقليمي السوفيتي حتى بعد استسلام ألمانيا، من خلال إجراءات سياسية، لتعزيز السيطرة على دول أوروبا الشرقية.

ب. استمر الجيش السوفيتي في وجوده في دول شرق ووسط أوروبا ونشر الفكر الشيوعي بها. وأدى ذلك إلى تشكيل حكومات بتلك الدول، تمثل جبهات شعبية تكونت حديثاً بفعل التغلغل الأيدولوجي الشيوعي، ألبانيا، بلغاريا، رومانيا، ألمانيا الشرقية، بولندا، المجر، تشيكوسلوفاكيا نتج عنها الوقوع في قبضة الهيمنة السوفيتية[4]، وتقدر مساحة هذه الدول بحوالي 390.000 ميل مربع يقطنها حوالي "90 مليون نسمة".

        وقد تمكن الاتحاد السوفيتي، في غضون أقل من عام، من فرض سيطرته على الحكومات الشيوعية، في تلك الدول، والتي كانت بدورها، قد قمعت معارضة الأحزاب الديمقراطية، وحولت البلاد إلى تابع للاتحاد السوفيتي، وحذت حذوه في نظام الحكم الشمولي، ذو الحزب الواحد (الحزب الشيوعي).

    مارس الاتحاد السوفيتي، ضغوطاً سياسية، في مناطق كثيرة من العالم، لتحقيق أهدافه السياسية، والايدولوجية، ونشر الفوضى والصراعات المسلحة في تلك المناطق، ففي إيران كانت القوات السوفيتية مازالت رابضة في شمالها، ضاربة عرض الحائط بمعاهدة طهران، والمعارضة التي أبدتها الأمم المتحدة، وفي تركيا تصدى الشعب والحكومة لمحاولات التسلل الشيوعي، بينما ساد اليونان حرب أهلية بين العناصر الشيوعية، والمقاومة الشعبية دامت عدة سنوات. ومد الاتحاد السوفيتي نشاطه نحو آسيا، فاحتل معظم منشوريا، وشمال كوريا، وبدأ في نشر ايدولوجيته الشيوعية في الدول الفقيرة هناك كذلك، في فيتنام ولاوس وكمبوديا، وتايلاند والصين وإندونيسيا.

    تصدت فرنسا وهولندا لتصفية العناصر الشيوعية في إندونيسيا والجزر المجاورة، كما حاربت القوات البريطانية المد الشيوعي في الملايو وبورما، وعاونت الولايات المتحدة حكومة الفلبين لمقاومة حرب العصابات التي تشنها العناصر الشيوعية بها.

ثانياً: الصراع الأمريكي، السوفيتي على النفوذ في القارة الأوروبية:

    اتجهت دول أوروبا الغربية، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، طلباً للمساعدة، للوقوف ضد الضغط السوفيتي، والانتشار الأيدولوجي للشيوعية في كثير من تلك الدول[5].

    كانت الولايات المتحدة الأمريكية، تملك القوة العسكرية، والاقتصادية، كما كان لديها نفوذ سياسي، بدأ في الانتشار خلال الحرب العالمية الثانية، في كثير من الدول الأوروبية، ودول العالم الأخرى، وهو ما هيأها لتتبوأ القمة في النظام العالمي الجديد، وتنافس الاتحاد السوفيتي في النفوذ، لذلك، بدأت في مساعدة أوروبا الغربية، وطرحت عدة مبادرات لذلك منها:

1. مذهب (عقيدة) ترومان:  Truman Doctrine

    في 12 مارس 1947 أخطر الرئيس الأمريكي "هاري ترومان ـHarry Truman"، الكونجرس الأمريكي: "بأن يجب على الولايات المتحدة إتباع سياسة مساعدة الشعوب الحرة، التي تقاوم محاولات إخضاعها، من خلال العمل العسكري، أو من خلال الضغط الخارجي". وعلى ضوء بيان ترومان الذي أصبح يعرف باسم "مذهب (عقيدة) ترومان"، اعتمد الكونجرس 400 مليون دولار لمساعدة اليونان وتركيا في يونيه 1948 لمواجهة الضغط السوفيتي على هذين البلدين[6].

    لم يكن الموقف في غرب أوروبا بشكل عام أقل خطراً، فبالرغم من المساعدات التي تلقتها الدول الأوروبية، الحرة، من الولايات المتحدة، للتغلب على الآثار التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، إلا أن أداء الاقتصاد الأوروبي، استمر رديئاً، وظهر أن كثير من الدول الأوروبية على حافة الانهيار اقتصادياً، مما يوقعها في براثن الشيوعية، والنفوذ السوفيتي.

2. مشروع مارشال: (برنامج إنعاش أوروبا)

    في 5 يونيه 1947 أعلن وزير الخارجية الأمريكي، الجنرال جورج مارشال  -George C. Marshall، عن مبادرة لبرنامج إصلاح اقتصادي لأوروبا. بأن تساعد الولايات المتحدة الدول الأوروبية التي عليها أن تعد مطالبها، وأن تعد برامج عامة يتم الموافقة عليها من الدول الأوروبية. كما أوضح أن هذه السياسة ليست موجهة ضد أي دولة أو مذهب، لكنها لمواجهة الجوع، واليأس، والفوضى.

    كانت المعونة الاقتصادية الأمريكية التي تم تقديمها من خلال مشروع مارشال، والتي دعمت في السنوات التالية، هي عملية إصلاح اقتصادي للدول الغربية، وكانت متاحة كذلك للاتحاد السوفيتي، وللدول الدائرة في فلكه. رفض الرئيس السوفيتي "جوزيف ستالين ـJoseph Stalin" كل المساعدات الأمريكية للاتحاد السوفيتي، وضغط على الحكومات التي تدور في فلكه لإتباع نفس السياسة.

    رأى الاتحاد السوفيتي في مشروع مارشال، هدفاً أمريكياً لتقوية الدول الأوروبية وحثها على مقاومة النفوذ السوفيتي في القارة، مما يشكل تحدياً له، أكثر مما يشكل دعوة للمشاركة الاقتصادية في أوروبا. ووصف تأييد بريطانيا وفرنسا للمشروع بأنه يستهدف تقسيم الدول الأوروبية إلى مجموعتين، متواجهتان فهو يعطى الفرصة لبعض الدول، لفرض سيطرتها على الأطراف الأخرى.

    خسرت الولايات المتحدة الأمريكية، صراعها ضد النفوذ السوفيتي في الصين، والتي كانت تمثل أملاً للاقتصاد الغربي، لاتساع سوقها، وأدى انتصار الشيوعيون فيها، بزعامة "ماوتسي تونج ـMao Tse,- Toung (MAO  ZED)ONG، إلى خلل جديد في موازين القوى الدولية، لثقلها الديموجرافي، وإمكاناتها الاقتصادية المتوقعة، خاصة مع الضعف الذي كانت تعاني منه اليابان، عقب هزيمتها في نهاية الحرب العالمية الثانية. كذلك خسرت الولايات المتحدة الأمريكية،الصراع على النفوذ في وسط وشرق أوروبا، بتراجع تشيكوسلوفاكيا، عن موافقتها الاستفادة من مشروع مارشال، تحت ضغط الاتحاد السوفيتي، الذي وضح أنه لن يسمح للدول في تلك المنطقة، بالخروج من دائرته، وكان تراجع تشيكوسلوفاكيا، إنذاراً لباقي دول المنطقة، التزم به الجميع.  

    اتهمت الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي بخرق اتفاقيتي يالتا"Yalta" ، وبوتسدام"Potsdam" ، وتوعدته بالوقوف ضد أي محاولة للتوسع من جانبه، في غرب القارة الأوروبية. وأدى تشدد الجانبان، إلى توقف المباحثات بين الدول الأربع العظمى والكبرى[7]، لتحديد مصير ألمانيا.

3. نشأة الكومنفورم  Cominform:

    اتجهت موسكو إلى تكوين تكتل، يضم جميع الأحزاب الشيوعية باسم الكومنفورم، رداً على مشروع مارشال، وبذلك بدأت مرحلة تقسيم أوروبا إلى كتلتين مختلفتين، من الناحية الأيديولوجية، نشب الصراع بين كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والذي عرف فيما بعد بالحرب الباردة.

    أنشأ ستالين "الكومنفورم" في 5 أكتوبر 1947، بهدف التصدي لمشروع مارشال الإمبريالي، من وجهة نظره. كما كان هدفه التعاون الاقتصادي بين دوله، والعمل على تنسيق النشاطات السياسية للحركات الشيوعية في الدول المختلفة.

    في 2 يناير 1948، اقترح "أرنست بيفينErnest Bevin" وزير الخارجية البريطاني، فكرة أولية للتعاون الأوروبي، في شكل اتفاقيات ثنائية، على نمط "اتفاقية دنكرك"، التي كانت قد وقعت في 4 مارس 1947 بين فرنسا وبريطانيا، وهي معاهدة تحالف ودعم مشترك، لمدة "50 عاماً"، توحد الدولتان بموجبها جهودهما، في حالة أي محاولات اعتداء جديدة من ألمانيا، كما اتفقتا على استمرار المشاورات بينهما في المسائل الاقتصادية التي تهم البلدين، واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لزيادة فاعلية واستقرار اقتصادهما، حتى يمكنهما القيام بأدوار فعالة، في إطار أهداف الأمم المتحدة، السياسية والاقتصادية.

    كانت معاهدة "دنكرك" المشار إليها، قاصرة على حالة "عودة التهديد الألماني مرة ثانية"، لذلك وجد أنه من الأفضل الأخذ بنموذج "معاهدة ريو"، التي كانت قد وقعت في 2 نوفمبر 1947 بين الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية (باستثناء نيكاراجوا والإكوادور)، كنموذج لتحالف دفاعي ضد العدوان[8]، كتجمع إقليمي في إطار ميثاق الأمم المتحدة.

    بينما دول أوروبا الغربية مازالت تبحث عن الأنسب لأمنها، وقع انقلاب "براغ" في فبراير 1948، وعلى الفور قضى السوفيت عليه بالقوة وأعيدت تشيكوسلوفاكيا إلى المدار السوفيتي، وأعطى الحدث تنبيهاً قوياً للغرب، بأن الدفاع الجماعي أصبح ضرورة.

4. اتفاقية بروكسل  Brussels Treaty:

    في 4 مارس 1948 اجتمع في بروكسل مندوبو بلجيكا، هولندا، لوكسمبرج، فرنسا، المملكة المتحدة، للاتفاق على معاهدة للمساعدة المتبادلة. وفي 17 مارس 1948، وقعت الدول الخمس المعاهدة آخذة على عاتقها بناء نظام للدفاع الجماعي، ولتقوية الروابط الاقتصادية والثقافية[9].

اجتمع في لندن في 30 أبريل 1948 وزراء الدفاع، ورؤساء أركان، دول اتفاقية بروكسل، لبحث كيفية تدبير المعدات العسكرية اللازمة، من مواردهم، وما هي المساعدات الإضافية التي يمكن طلبها من الولايات المتحدة. انضم خبراء من الولايات المتحدة، ومن كندا لهذه الاجتماعات كمراقبين اعتباراً من يوليه 1948.

    بعد توقيع معاهدة بروكسل، حاصر الاتحاد السوفيتي برلين الغربية بدأً من 24 يونيه 1948 واستمر الحصار 323 يوماً، نظم الغرب خلالها جسر جوي لإمداد المدينة باحتياجاتها. أيقنت الدول الغربية بضرورة الإسراع في تنظيم الدفاع المشترك الغربي، والتعاون فيما بينهم لمواجهة التهديدات الأمنية، التي بدأت في الظهور.

ثالثاً: التغيرات التي طرأت في المجالات المختلفة على دول أوروبا الغربية وانعكاساتها على قضية الأمن الأوروبي:

    تعرضت دول أوروبا الغربية، لعدة تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية، أثرت في تصورات هذه الدول لمفهوم الأمن الأوروبي، وكيفية تحقيقه، وكانت أهم التغيرات:

1. نمو الأحزاب اليسارية بصفة عامة، وتزايد نشاطها، مع التطور الذي لحق بمواقفها ومدى تبعيتها للاتحاد السوفيتي، والذي ظل يؤثر سلباً على مواقفها، من خلال الانتخابات العامة، أو من خلال تقييم الرأي العام لهذه الأحزاب، ونوعية نشاطاتها، الأمر الذي أدى إلى وصول العديد من الأحزاب الاشتراكية إلى الحكم في دول غرب أوروبا (ألمانيا الغربية، النمسا، الدانمارك، إيطاليا، بلجيكا)، هذا بجانب تزايد ثقل الأحزاب الشيوعية، في كثير من الدول الأوروبية الغربية، خاصة في كل من فرنسا وإيطاليا.

2. التغير الذي طرأ على مواقف الأحزاب اليسارية، إذ اتجهت إلى التعاون مع الأحزاب الشيوعية، بدلاً من التنافس، وهو ما أضر بموقف الأحزاب الديمقراطية.

3. الضغوط التي زاولتها نقابات العمال، في دول غرب أوروبا، على الحكومات القائمة، والتدخل في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، إلى الحد الذي كاد أن يعصف بالحكومات التي لم تستجيب لتلك الضغوط.

4. الإخفاق في التوصل إلى تسوية، فيما يتعلق بمشكلة برلين، الأمر الذي انعكس على الاستقرار والأمن الأوروبي بشكل عام.

        وإزاء هذا الوضع اتجهت الولايات المتحدة، إلى تقوية نفوذها وسيطرتها على دول القارة الأوروبية، فاتجهت لتكوين اتحاد، يجمع شعوب دول غرب أوروبا، في اتحاد فيدرالي، وتقويته، بحيث يكون رادعاً للاتحاد السوفيتي، إذا حاول فرض نفوذه على الدول الأوروبية بالقوة. وفي نفس الوقت يساند الدول الأوروبية في مقاومتها ضد التغلغل الشيوعي، غير أن هذا الاتجاه لم يحقق النجاح المرجو منه، إذ لم تكن ظروف هذه الدول مهيأة لذلك.

5. مساعدات الدفاع المشترك (1949):  

    أقر الكونجرس الأمريكي، اتفاق للمساعدات العسكرية، بغرض زيادة فاعلية السياسة الخارجية الأمريكية، والدفاع عن البلاد، بإمداد الدول بالمساعدات العسكرية، تمت ادعاء المحافظة على السلام والأمن الدوليين.

6. اتفاق الأمن المشترك (1952):

    بعد عامين من اتفاق مساعدات الدفاع المشترك (برنامج العون المتبادل)، كانت الظروف السياسية والاقتصادية، قد اختلفت في أوروبا. كان نجاح برنامج "مارشال" محدوداً، وكانت الحاجة للأسلحة والمعدات العسكرية، الأمريكية، تزداد في أوروبا الغربية، ولم يعد اتفاق المساعدات المشترك كافياً. كانت القوة العسكرية السوفيتية تزداد تضخماً، ويزداد التهديد السوفيتي لأوروبا الغربية، تبعاً لذلك.

    بعد مناقشات عديدة في الكونجرس الأمريكي، وافق الكونجرس عام 1952 على "اتفاق الأمن المشترك" والذي بمقتضاه، تمنح حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، الدول الصديقة، مساعدات عسكرية واقتصادية، وفنية، شملت أوروبا الغربية، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا، بهدف "المحافظة على السلامة الدولية، وزيادة فاعلية السياسة الأمريكية، والنفوذ الأمريكي، في تلك المناطق". وقد أعلن أن ذلك الاتفاق من أجل "تقوية الأمن المشترك، والدفاع الفردي والجماعي، للعالم الحر. وتنمية موارد الدول، بما يمكنها من الاستقلال، واستقرار أمنها، وتحقيق الأهداف الوطنية الأمريكية، وتسهيل انضمام الدول لعضوية الأمم المتحدة، لتقوية الأمن الجماعي".

رابعاً: نشأة حلف شمال الأطلسي:

    أحد أكبر الأحلاف العسكرية في التاريخ. ضم عند نشأته أثنى عشر دولة، أغلبها من دول أوروبا الغربية، ارتفعت إلى تسع وعشرين دولة في نهاية القرن العشرين. نشأت فكرة هذا الحلف عام 1929، بهدف تكتل الدول الديمقراطية، في مواجهة النظم الديكتاتورية، (الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية والشيوعية السوفيتية) إذ فشلت عصبة الأمم، في معالجة المشاكل الدولية، وقد أوقف تنفيذ فكرة قيام الحلف، نشوب الحرب العالمية الثانية.

    بدء التفكير في إنشاء الحلف اثر نشر كتابين في الولايات المتحدة، أحدثا ضجة كبيرة، وكان لهما أثر قوي في الرأي العام الأمريكي. الكتاب الأول بعنوان "الاتحاد في الحال"، ألفه "كلارنس ستريت"، سنة 1939.

    وكان من رأيه، الذي ضمنه الكتاب، أن نظام عصبة الأمم مصيره إلى الفشل، وأنه لا بد أن يحل محلها في الحال اتحاد بين الدول الديموقراطية، الخمس عشرة، التي تربط بينها العوامل الجغرافية والتاريخية والمدنية القائمة على مبادئ الديموقراطية وحرية الفرد، وتربطهم كذلك حالة السلام السائدة بينهم منذ أكثر من قرن. تلك الدول، التي نادى بها كلارنس باتحادها في الحال، هي: الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، أيرلندا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، السويد، النرويج، الدانمارك، فنلندا، سويسرا، استراليا، نيوزيلندا، اتحاد جنوب أفريقيا.

    وأوضح كلارنس، أن هذا الاتحاد ستمثل فيه أكبر قوى العالم، إذ يضم 300 مليون نسمة، وأن هدفه ليس مهاجمة الديكتاتورية، بل الدفاع ضد أي اعتداء يأتي من خارج هذه الدول. قامت على أثر ذلك، عدة جمعيات، في مختلف المدن الأمريكية، سميت "جمعيات الاتحاديين"، وأنشئت لها مجلات شهرية، تحت عنوان "الاتحاد في الحال"، وكلها تروج لتنفيذ فكرة كلارنس، وتنادي باتحاد ديموقراطيات.

    لم تتاح الفرصة لتنفيذ هذه الفكرة، إذ أعلن هتلر الحرب، في أول سبتمبر سنة 1939، فاحتجبت الفكرة، إلى أن بعثت مرة أخرى، على يد الكاتب الثاني والتر ليبمان "Walter Lippmann" خلال الحرب العالمية الثانية.

    نشر ليبمان كتابه، تحت عنوان "السياسة الخارجية للولايات المتحدة" عام 1943، وقد أوضح فيه العلاقة الوثيقة التي تربط الشعوب الواقعة حول المحيط الأطلسي، لا سيما إنجلترا والولايات المتحدة، وهما محور تلك الكتلة. وكان من رأيه، أن المحيط لا يمثل عائق أمام تلك الدول، ولكنه مسطح مائي متسع، على ضفافه عائلة دولية، مرتبطة منذ كشف أمريكا، بروابط تاريخية وجغرافية، وهي راغبة في تنمية هذه الروابط.

    كان للكتابين أثر كبير في توجيه الرأي العام الأمريكي، نحو فكرة التكتل مع الدول الديموقراطية في أوروبا، والتخلي عن سياسة العزلة، التي أسسها الرئيس الأمريكي "جيمس مونرو ـ "James Monroe ، وتبعه فيها من تلاه من الرؤساء.

    بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعد قيام هيئة الأمم المتحدة، وظهور الاتحاد السوفيتي كقوة كبرى، تسعى إلى فرض نفوذها خارج حدودها، عادت الفكرة تتجسد مرة أخرى من أجل تضافر جهود دول أوروبا الغربية، لإنشاء دفاع جماعي عن نفسها، ضد أي عدوان شيوعي محتمل، خاصة بعد أن استولى الشيوعيون، على مقاليد الحكم في تشيكوسلوفاكيا، وإنشاء الكومنفورم، وبعد أن زاد التوتر بين الكتلتين الغربية والشرقية، ووضح عجز هيئة الأمم المتحدة، عن وقف الصراع بين الكتلتين.

    شعرت الدول بمدى الخطر الذي يتهددها، وضعف قدراتها العسكرية إزاء القوة السوفيتية الهائلة، على حدودها الشرقية وكان ذلك من أسباب توقيع الدول الخمس لاتفاقية بروكسل في 17 مارس 1948. وفي نفس اليوم صرح الرئيس الأمريكي هاري ترومان بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستدعم الأمم الحرة، وتقدم لها المساعدة التي تطلبها.    

خامساً: التوقيع على معاهدة إنشاء حلف شمال الأطلسي:

    شهدت المرحلة النهائية للحرب العالمية الثانية ـ بعد استسلام ألمانيا النازية وقبل القصف الذري لمدينة "هيروشيما ـHiroshima" في اليابان في 6 أغسطس 1946 ـ اجتماع مندوبي خمسين دولة ليوقعوا ميثاق الأمم المتحدة في "سان فرانسيسكو ـSan Francisco" في 26 يونيه 1945، والذي شكل أملاً للعالم، بإمكان المحافظة على السلام.

    لم تكد تمر أربع سنوات على ذلك، حتى وجدت دول أوروبا الغربية نفسها، معرضة للتهديد، الذي كانت طبيعته تحتاج إلى إجراءات حماية، غير واردة في ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعطي الحق لأي دولة، بمفردها أو في إطار مشترك، بالدفاع عن نفسها ضد أي هجوم مسلح[10].

    اتجه الأوروبيون الغربيون إلى الولايات المتحدة وكندا، للبحث عن إمكانية تحقيق الأمن المتبادل، وفي 4 أبريل 1949 وقعت اثنتي عشرة دولة، على معاهدة حلف شمال الأطلسي.

    تأسس حلف الأطلسي في إطار المادة "51" من ميثاق الأمم المتحدة، التي تبيح للدولة الحق في الدفاع عن نفسها، منفردة أو بالتعاون مع دول أخرى. وذلك نتيجة لعجز الأمم المتحدة عن إرساء قواعد بناء لنظام أمن جماعي دولي، وذلك على ضوء الانقسام الإيديولوجي بين القوى الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية، وبروز المعسكرين الغربي والشرقي. (أُنظر ملحق نص المادة الرقم (51) من ميثاق الأمم المتحدة والتي أنشئ حلف شمال الأطلسي في إطارها)

    بدأت الاتصالات في 6 يوليه سنة 1948، بين دول غرب أوروبا ثم توالى دخولها في الحلف الجديد تباعاً، وفي يوم 18 مارس 1949 أعلنت نصوص الميثاق الجديد، وحدد ميعاد التوقيع في أبريل سنة 1949 في واشنطن.

    مارس الاتحاد السوفيتي الضغط على الدول الإثنى عشر التي أعلنت عن مشاركتها في الحلف، مقدماً مذكرة لكل منهم، توصف إقدامها على المشاركة في الحلف بالعدوانية. وعلى الرغم من ذلك، فقد وقعت تلك الدول اتفاقية حلف شمال الأطلسي في 4 أبريل 1949، في واشنطن، وصدقت عليها المجالس النيابية للدول الموقعة، خلال الخمسة أشهر التالية للتوقيع('صدقت المجالس النيابية، لتلك الدول على الميثاق، والذي أصبح نافذ المفعول اعتباراً من 24 أغسطس 1949. وهذه الدول هي: الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، إنجلترا، فرنسا، إيطاليا، النرويج، الدانمارك، إيسلندا، البرتغال، بلجيكا، هولندا، لوكسمبرج. وكانت أولى نتائج ذلك التحالف، إنهاء الاتحاد السوفيتي حصاره لبرلين، في 9 مايو 1949 (أي أقل من شهر).

    تدريجياً، بعد ذلك، انضمت أربع دول أخرى إلى الدول المؤسسة، ليرتفع عدد الأعضاء إلى "16" عضواً، ففي سبتمبر 1951 تم دعوة اليونان وتركيا للانضمام للحلف، وقد انضمتا رسمياً في 18 أبريل 1952. كما دعيت جمهورية ألمانيا الاتحادية (الغربية)، للانضمام للحلف، عقب التوقيع على اتفاقية باريس في أكتوبر 1954، غير أنها لم تصبح عضواً بصفة رسمية إلا في 9 مايو 1955. (أُنظر خريطة دول الناتو أبريل 1949)

    في 10 ديسمبر 1981 وقع بروتوكول انضمام أسبانيا للحلف، وعقب تصديق المجالس النيابية لجميع دول الحلف، أصبحت أسبانيا عضوا بصفة رسمية اعتباراً من 30 مايو 1982.

سادساً: ميثاق حلف شمال الأطلسي: (أُنظر ملحق ميثاق حلف شمال الأطلسي The North Atlantic Treaty) و(ملحق الترجمة العربية لاتفاقية حلف شمال الأطلسي)

    بدأت مقدمة الميثاق، بتأكيد الدول الموقعة عليه، إيمانهم بميثاق الأمم المتحدة، ومبادئه، ورغبتهم في الحياة في سلام، مع الشعوب والحكومات الأخرى، وأكدوا كذلك إصرارهم على حفظ حرية شعوبهم وحضارتهم، القائمة على مبادئ الديموقراطية وحرية الفرد وسيادة القانون، ولذلك فإنهم قد قرروا توحيد جهودهم، للدفاع المشترك، وللمحافظة على الأمن والسلام.

    كان من المهم أن يطمئن الآخرين (الدول خارج الحلف)، على أمنهم الخاص، لذلك، ذكرت المقدمة، تأكيد دول الحلف، بأنه "حلف دفاعي بحت، ليس الغرض منه العدوان على أحد، وأنه غير موجه ضد أحد بصفة خاصة".

من وجهة أخرى، اشترط لعضوية الحلف، توفر نظام ديموقراطي في الدول الأعضاء، قوامه سلطة الدستور، وتعدد الأحزاب، وحرية الفرد، وفيما يلي أهم مواد الميثاق:

1. المادة الأولى:

    نصت على تعهد الدول الأعضاء، بفض المنازعات بالطرق السلمية، وتجنب التهديد أو استعمال القوة، في علاقاتهم الدولية، وهو ما يطابق ميثاق الأمم المتحدة.

2. المادة الثانية:

    نصت على تعهد الدول الأعضاء، بالعمل على توثيق علاقاتهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك لدعم التعاون بين الدول، لتستطيع التصدي للتيار الشيوعي. كما يتعهدوا بالعمل، على استقرار الأحوال الداخلية، في بلادهم، ونشر الرفاهية بها.

3. المادة الثالثة:

    نصت على إقرار مبدأ التعاون المتبادل، لتقوية إمكانيات الدول الأعضاء الفردية، والجماعية، في صد أي اعتداء مسلح، يقع عليها.

4. المادة الرابعة:

    نصت على إقرار مبدأ التشاور فيما بين الأطراف الموقعة على الميثاق، في حالة حدوث تهديد لسلامة أراضي إحداها، أو تهديد استقلالها السياسي، أو أمنها.            

5. المادتان الخامسة والسادسة:

    تشير إلى إقرار مبدأ الضمان المتبادل، ونصتا على أن أي اعتداء مسلح على إحدى الدول الأعضاء، يعتبر اعتداء مسلح على باقي الدول كذلك، ويجب المبادرة بمباشرة حق الدفاع الشرعي، الفردي والجماعي، وفقاً للمادة 51 من ميثاق هيئة الأمم المتحدة.

سابعاً: مبادئ وأهداف الحلف:

    من مواد الميثاق، استنبطت مبادئ الحلف وأهدافه، والتي روعيّ أن تتمشى مع مبادئ وأهداف الأمم المتحدة كذلك:

1. مبادئ الحلف:

أ. تسوية جميع المنازعات الدولية بالطرق السلمية.

ب. الامتناع عن التهديد أو استعمال القوة بطريقة لا تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة.

ج. التعاون المتبادل بين دول الحلف في كل المجالات.

د. ألا تؤثر المعاهدة على حقوق الأطراف والتزاماتها، المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.

هـ. عدم الدخول في اتفاقيات تتعارض مع هذه المعاهدة.

و ـ التشاور مع الأعضاء فيما يتعلق بمسائل الأمن.

2. أهداف الحلف:

    يتضمن ميثاق الحلف مجموعة من الأهداف التي تعكس الأسباب الحقيقية التي أنشئ من أجلها، وأبرزها الآتي:

أ. العمل على توثيق العلاقات الدولية السلمية والودية.

ب. العمل على استقرار ورفاهية دول الحلف.

ج. العمل على تحقيق التعاون فيما بين الأعضاء.

د. توحيد الجهود للدفاع المشترك، والمحافظة على السلم والأمن الدوليين.

هـ. العمل على مقاومة أي هجوم مسلح بشكل فردى أو جماعي، وبكل وسيلة ممكنة، من وسائل الاستعداد الخاص والتعاون المشترك.

3. نقاط هامة في ميثاق الحلف (النقاط التنظيمية):

أ. النطاق الجغرافي للحلف:                

    تعتبر أوروبا بشكل عام، وأوروبا الغربية بشكل خاص، نطاق عمل الحلف. إضافة إلى شمال المحيط الأطلسي، أمريكا الشمالية (كندا، الولايات المتحدة) كذلك، من المنظور التالي:

(1) الأراضي التابعة للدول أعضاء الحلف في أوروبا.

(2) الأراضي التابعة للدول أعضاء الحلف في أمريكا الشمالية.

(3) القوات التابعة لدول الحلف، في أي منطقة شمال المحيط الأطلسي، شمال مدار السرطان، أي السفن والطائرات التابعة لدول الحلف في هذه المنطقة.

ب. يتفق الأعضاء، على أن أي هجوم مسلح، ضد دولة أو أكثر منهم، في أوروبا أو أمريكا الشمالية، سوف يعتبر هجوماً مسلحاً، عليهم جميعاً.

ج. من الممكن لأي دولة الانسحاب من المعاهدة. (غير أنه لم تنسحب دولة واحدة منه منذ إنشائه حتى الآن وقد علقت فرنسا مشاركتها، لكنها لم تنسحب).

د. لا يؤثر الانضمام للحلف، على سيادة واستقلال أي من الدول المشاركة فيه، كما أنه ليس للحلف آلية إجبارية ملزمة لحكومات أعضائه.

4. عضوية الحلف:

    تضع المادة العاشرة من الميثاق، شروط ومواصفات، لا بد من تحقيقها، عند تقدم دولة جديدة لعضوية الحلف. وهي مبدئياً تفرق بين الدول المؤسسة الأثنى عشر، والتي وقعت الميثاق في 4 أبريل 1949، وتلك الجديدة التي ترغب في الانضمام إليه، وتشير المادة العاشرة من الميثاق، إلى شروط خمسة وهي:

أ. موافقة الأعضاء الأصليين بإجماع الآراء.

ب. أن تكون الدولة الجديدة أوروبية.

ج. أن تكون الدولة الجديدة في مركز يساعد على تعزيز مبادئ معاهدة الحلف، أي مبادئ الديموقراطية، وحرية الفرد، وسلطة القانون، كما جاء في مقدمة الميثاق.

د. أن تكون الدولة المراد ضمها (بدعوتها للانضمام) في مركز يمكنها من المساعدة، على تعزيز المحافظة على السلام، في منطقة شمال الأطلسي.

هـ. الشرط الخامس يتعلق بالإجراءات القانونية التي أضيفت بعد إبرام المعاهدة.

        فيما بعد، أصبحت المادة العاشرة، الخاصة بالعضوية الجديدة للحلف، عائقاً، أمام كثير من الدول، رغبت في الانضمام للحلف. فالشرط الثاني منها، ينص على أن تكون تلك الدولة الجديدة الراغبة في العضوية، دولة أوروبية، وهو ما أغلق الباب أمام الدول الأمريكية الأخرى، لتبقى كندا والولايات المتحدة الأمريكية، الدولتان الأمريكيتان الوحيدتان بالحلف. ولاشك أن السياسة الأمريكية، كانت وراء هذا الشرط، إذ كان يربطها بدول أمريكا الجنوبية معاهدة دفاع مشترك (معاهدة ريو)، ولم تكن راغبة في وجود نفوذ لدول أخرى، في فناءها الخلفي[11]، حتى لو كانت دولة حليفة.

        كذلك، فإن دولتي تركيا واليونان، حاولتا الانضمام إلى الحلف منذ عام 1950، إلا أن النرويج والدانمارك عارضتا انضمامهما، بمقتضى الشرط الأول للمادة العاشرة، وذلك استناداً إلى:

أ. الدولتان، من دول البحر المتوسط، وليس لهما صلة بالمحيط الأطلسي.

ب. الموقف الاستراتيجي للدولتان، لا يساعد على تعزيز المحافظة على السلم والأمن (الشرط الرابع)، فكلتا الدولتان لديها حدود مشتركة مع الاتحاد السوفيتي مباشرة (تركيا) أو دول شيوعية، وهو ما يجعل الحلف في مواجهة مباشرة مع الدول الشيوعية.

ج. يمكن المحافظة على سلامة الدولتين، بإنشاء حلف لدول البحر المتوسط، أو بتكتل لهما مع يوغسلافيا، أو بمعاهدات ثنائية مع الولايات المتحدة.

    وقد أمكن في فبراير 1952، اشتراك الدولتان في عضوية الحلف، ووضعت قواتهما البرية والجوية، تحت قيادة الحلف العسكرية[12]. (أُنظر ملحق بروتوكول ملحق باتفاقية شمال الأطلسي بخصوص انضمام كل من اليونان وتركيا الموقع في لندن في 22 أكتوبر 1951).

        تصدت فرنسا لمحاولة أخرى لانضمام دولة جديدة، إذ رغبت الولايات المتحدة، في انضمام ألمانيا الغربية إلى الحلف، وكانت فرنسا ترى خطورة ذلك استناداً إلى:

أ. ألمانيا الغربية دولة غير محيطية، أي لا تطل على المحيط الأطلسي مباشرة، وإنما من خلال سواحلها على بحر الشمال.

ب. تتخوف فرنسا من بعث ألمانيا الموحدة مرة أخرى في المستقبل، وسياستها دائماً هجومية توسعية، تعتمد على نظرية المجال الحيوي، وهو ما جعلها تُقْدِمْ على بدء حربين عالميتين، في أقل من أربعة عقود، وكانت فرنسا أكثر الدول تأثراً بويلاتهما.

ج. عضوية ألمانيا الغربية في الحلف، سيعطيها حرية كافية لزيادة قدراتها العسكرية، مما قد يهدد سلام دول غرب أوروبا.

د. رفض الاتحاد السوفيتي لتوحيد الألمانيتين، سينعكس على الحلف، الذي يرغب في توحيدهما، في إطار النظم الديموقراطية.

هـ. قبول ألمانيا الغربية، عضوه بالحلف، في ذلك الوقت (بداية الخمسينيات)، قد يعجل بالحرب، والحلف لم يستعد بعد.

        رغم الاعتراضات الفرنسية، فقد تمكنت الولايات المتحدة، من ضم ألمانيا الغربية إلى الحلف في 5 مايو 1955، حيث رأت، وكذلك معظم أعضاء الحلف، أهمية موقع ألمانيا الغربية، عند قيام حرب مع الكتلة الشرقية، وكذلك أهمية إمكانياتها التصنيعية والبشرية. (أُنظر ملحق بروتوكول ملحق باتفاقية شمال الأطلسي بخصوص انضمام جمهورية ألمانيا الاتحادية الموقع في باريس في 23 أكتوبر 1954).

        بالمثل، فقد قبلت عضوية أسبانيا، في 10 ديسمبر 1981، في الحلف، وأصبحت عضويتها سارية، بصفة رسمية، اعتباراً من 30 مايو 1982، بعد إيداع الوثائق الرسمية اللازمة لذلك، بالإدارة المختصة، وإعلان الأعضاء بها. (أُنظر ملحق بروتوكول ملحق باتفاقية شمال الأطلسي بخصوص انضمام أسبانيا الموقع في بروكسل في 10 ديسمبر 1981).



[1] أرسل ونستون تشرشل ` Winston Charchill` ، رئيس وزراء بريطانيا، في نهاية الحرب العالمية الثانية (12 مايو 1945)، برقية إلى الرئيس الأمريكي هاري ترومان، بهذا المضمون، مبدياً تخوفه من عدم قدرة بريطانيا والولايات المتحدة وكندا من التصدي للاتحاد السوفيتي. وقد أطلق تعبير `الستار الحديدي` في خطابه في فلتون Fulton في ميسوري بالولايات المتحدة، في 16 مارس 1946.

[2] كان النظام العالمي ذو قطبية ثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وكلاهما له صلاحية الاعتراض في مجلس الأمن ( Veto)، وهو ما يمكن أي منهما الاعتراض على مشروعات القرارات التي تدينه أو تدين الدول المتحالفة معه، مما أفقد الأمم المتحدة فاعليتها مبكراً، وأصبح الصراع في قمة النظام العالمي هو الذي يحرك الأحداث، ويحكم العلاقات الدولية.

[3] واقعياً، يعتبر مؤتمر وزراء الخارجية في موسكو (مارس 1947) نهاية التعاون بين الاتحاد السوفيتي والغرب، والذي كان قد بدأ   أثناء الحرب العالمية الثانية، ونما خلالها لأقصى حد سياسياً، وعسكرياً.

[4] 7 دول، تقدر مساحتها الإجمالية بحوالي 390 ألف ميل مربع، يقطنها 90 مليون نسمة، وهي: ألبانيا وبلغاريا ورومانيا، وبولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا الشرقية.

[5] كانت الأحزاب الشيوعية، المدعومة من الاتحاد السوفيتي في كل من إيطاليا وفرنسا، من القوة بحيث كادت أن تصل إلى الحكم، وتسيطر على البلاد، لولا التدخل الأمريكي السياسي، والدعم المادي للأحزاب الأخرى.

[6] اقترح ترومان إعادة تنظيم اقتصاد اليونان، ومعاونة الحكومة في السيطرة على أقاليمها الداخلية، أما تركيا، فقد كان يرى إعدادها كقاعدة عسكرية، يمكن منها مهاجمة الاتحاد السوفيتي، إضافة إلى قدرتها على الدفاع عن نفسها.

[7] الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، والاتحاد السوفيتي.

[8] عرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة `العدوان`، في قرارها الرقم 3314، الصادر في 14 ديسمبر 1974، المادة الأولى بأنه `استعمال القوة المسلحة، من قبل دولة، ضد سيادة دولة أخرى، وضد سلامة أراضيها أو استقلالها السياسي، أو كل وسيلة أخرى تتعارض وميثاق الأمم المتحدة.

[9] نص البند السابع من معاهدة بروكسل على أن: أياً من الدول المتعاهدة في حالة تعرضها للعدوان المسلح في أوروبا، فإن على باقي الدول الموقعة على المعاهدة أن تقاوم القوى المهاجمة بكل إمكانياتها العسكرية، بالإضافة للمساعدات الأخرى، وقد حددت مدة المعاهدة `50 عاما`. وتعتبر تلك المعاهدة النواة التي نتج عنها اتفاق حلف شمال الأطلسي فيما بعد.

[10] في 6 يوليه 1948، بدأت محادثات بين دول معاهدة بروكسل، والولايات المتحدة، وكندا، لبحث إنشاء نظام دفاعي في شمال الأطلسي، أسفرت عن اتفاق وزراء الدفاع على إقامة منظمة دفاعية للدول الغربية، في اجتماعهم يوميّ 27، 28 سبتمبر 1948.

[11] مصطلح سياسي، يطلق على دول أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، والذي تعتبرهما الولايات المتحدة، في نطاق أمنها الداخلي، ولا يحق لأحد التدخل في تلك المنطقة سواها.

[12] كان القائد العام لقوات الحلف في ذلك الوقت، الجنرال داويت أيزنهاور، الرئيس الأمريكي فيما بعد.