إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المواقف وردود الفعل، الدولية والإقليمية والعربية، خلال مرحلة "عاصفة الصحراء"









المبحث الرابع

المبحث الرابع

ردود الفعل العراقية، خلال مرحلة "عاصفة الصحراء"

1. مع بدء الحملة الجوية (17 يناير 1991 بتوقيت مسرح العمليات)

    في الساعة السادسة وخمس دقائق، من يوم 17 يناير 1991، بتوقيت بغداد، وجّه صدام حسين نداءً إلى الشعب العراقي، يؤكد لهم، أن الله معهم في قتالهم ضد الباطل، ويناشدهم الصمود والصبر، وأن النصر في جانبهم، بإذن الله. وقال: لقد غدر الغادرون، فارتكب زميل الشيطان، بوش، جريمته الغادرة. إن الله مع المؤمنين الصابرين المجاهدين، وإنه ناصرهم، لا محالة، إن شاء الله، مع اشتداد المنازلة وصمود المؤمنين، يقترب الفرج، لينفتح أمام الأمة كلها، لتطيح بالكراسي والعروش (اُنظر وثيقة نداء من الرئيس العراقي، صدام حسين إلى الشعب العراقي يعلن بدء المنازلة صباح يوم الخميس، 17 يناير 1991).

    وأصدر العراق تعميماً إلى بعثاته إلى الدول الإسلامية كافة، حدّد لهم فيه خطوط التحرك على الساحة السياسية، وأهمها (اُنظر وثيقة تعميم صادر عن وزارة الخارجية العراقية إلى سفرائها، وبعثاتها الدبلوماسية في الدول الإسلامية في شأن تحديد أسلوب التحرك السياسي العراقي، خلال هذه الفترة صادر في يوم السبت، 19 يناير 1991) :

·   الاتصال الفوري بالقوى السياسية، والاتحادات الشعبية الإسلامية، والشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية، ولحشد قواها، وإقحامها في المعركة.

·   شن حملة واسعة، لفضح أهداف العدوان الأمريكي، المتحالف مع العدو الصهيوني، من طريق وسائل الإعلام الصديقة.

·   التحريض على ضرب ركائز النفوذ الأجنبي، والتركيز في أن جوهر المنازلة الكبرى، هو من أجل عزَّة الإسلام والمسلمين، وتحرير فلسطين.

·   استثمار أجواء الحماسة الشعبية العارمة، في دفع عملية التطوع للقتال إلى جانب العراق وشعبه وجيشه وقائده المظفر، وتعزيز الجانب النفسي لدى الجماهير الإسلامية.

    وفي 19 يناير 1991، أصدرت القيادة العراقية البيان الرقم 9، أوضحت فيه استمرار المنازلة الكبرى في أمّ المعارك، بين الأبطال المجاهدين من شعب العراق وقواته المسلحة، وبين الغدر والكفر، برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. وأكد البيان قصف طائرات العدوان الأهداف المدنية والسكانية (اُنظر وثيقة البيان الرقم (9) الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية الساعة 2000، يوم السبت، 19 يناير 1991).

    وفي 20 يناير 1991، وجَّه صدام حسين رسالة إلى الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، ردّاً على الرسالة التي تلقاها منه (اُنظر وثيقة رسالة الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف إلى الرئيس العراقي صدام حسين يوم الجمعة، 18 يناير 1991) ، في 18 يناير 1991، أكد فيها، "أن العراق، لم يقم بالعدوان على أمريكا، أو الحرب ضدها. وأنها تحاول مواصلة الابتزاز والعربدة، في منطقتنا، بل وتحاول، أيضاً، إخضاع الجميع لقانون ولايتها. وقد حاول العراق، جاهداً، إظهار نواياه الإنسانية، تجاه تحقيق الأمن والاستقرار في العالم، من خلال مبادراتنا، في الثاني عشر من أغسطس 1990، وإن بوش، هو الذي رفضها، دون أن يكلف نفسه بقراءتها" (اُنظر وثيقة شهادة وزير الخارجية الأمريكية، جيمس بيكر أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب (الكونجرس) في 6 فبراير 1991) و(النص الإنجليزي للوثيقة).  

    وفي مساء 20 يناير 1991، وجَّه صدام حسين نداءً إلى الشعب العراقي، من إذاعة بغداد، أكد فيه صمود الشعب العراقي وقواته المسلحة، في مواجهة العدوان. وقال إن العراق لم يستخدم في المعركة سوى جزء ضئيل من قواته. ودعا العراقيين والعرب إلى الجهاد، ومهاجمة مصالح الدول المتحالفة، في كل مكان. كذلك دعا إلى الجهاد ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، في جميع أنحاء العالم. وتعهد أن تكون الحرب طويلة، موضحاً أن القوات البرية العراقية، لم تستخدم بعد في المعركة، ولم يشترك في العمليات سوى جزء ضئيل من القوات الجوية (اُنظر وثيقة خطاب الرئيس العراقي، صدام حسين يدعو العرب والمؤمنين والعراقيين إلى مهاجمة مصالح دول التحالف يوم الأحد، 20 يناير 1991) .

أ. قصف العراق المدن الإسرائيلية

    كان هناك اعتقاد عراقي، أن إسرائيل، سترد، مباشرة على قصف مدنها بصواريخ أرض/أرض، العراقية، مما يؤدي إلى تخلِّي بعض الدول العربية، مثل مصر وسورية عن قوات التحالف. ولكن التدخل الأمريكي، لتحييد إسرائيل، أفشل المخطط العراقي.

ب. العراق ومعاملته لأسْرى الحرب

    في إطار رد فعل إعلامي عراقي، إزاء استمرار القصف الجوي على الأهداف الإستراتيجية العراقية، عرض التليفزيون العراقي مجموعة من الطيارين الأسْرى، تضم أمريكيين وإيطاليين وكويتيين.

    وفي 21 يناير، قالت إذاعة بغداد، إن الطيارين الأسْرى، سيوضَعون في أماكن إستراتيجية، داخل العراق؛ وهو ما حمل العديد من الدول على إدانته، وعده مخالفاً للقانون الدولي.

ج. التهديد الكيماوي العراقي، من خلال حديث صدام حسين مع شبكة CNN

    أجرى بيتر أرنيت حديثاً تليفزيونياً، مع الرئيس العراقي، صدام حسين، في 28 يناير 1991، استمر ساعتَين، وأكد فيه الرئيس العراقي، بمنتهى الثقة: أنه لا يتوقع، ولو بنسبة واحد في المليون، أن تُرغمه القوات المتحالفة على الانسحاب من الكويت.

    وأكد أن الحرب البرية، ستكون صعبة، لو فكرت الجيوش المعتدية في الهجوم على الرجال الموجودين في المحافظة العراقية التاسعة عشرة (الكويت). كما ذكر الرئيس العراقي، رداً على سؤال عن استخدام الأسلحة الكيماوية، أن العراق، سيستخدم الأسلحة، التي تتكافأ مع ما يُستخدم ضدنا، للدفاع عن أرضنا. وأكد أن الصراع الدائر، هو معركة بين الكفر والإيمان، وإن صواريخ أرض/أرض (سكود)، يمكن أن تكون من النوع الكيماوي أو النووي، طبقاً للموقف. وعن لجوء الطائرات العراقية إلى إيران، قال: إنه يحترم قرار إيران إبقاء الطائرات العراقية لديها، حتى نهاية الحرب.

    وقد علق مارلين فيتزووتر، السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، على هذا الحديث، بالقول: "إن أكثر مجالات هذه المقابلة إثارة للقلق، هي ادعاءات الزعيم العراقي، أنه سوف يستعمل أسلحة، كيماوية وجرثومية ونووية؛ مما يبرهن، مرة أخرى، على الطبيعة غير الأخلاقية لمجهوده في هذه الحرب. وبالنسبة إلينا فإن الحقيقة الوحيدة، التي تبرز من هذه المقابلة، هي أنه يجب إيقافه عند حدِّه". وكرر فيتزووتر اعتقاد الولايات المتحدة الأمريكية، أن هناك رجلاً قادراً على استعمال أو مستعد لاستعمال أسلحة الدمار الشامل، ويفخر بإمكانية استعمالها.

د. الحملة الإعلامية العراقية، للتأثير في العالم العربي

    في 30 يناير 1991، بدأ التضليل الإعلامي يشكل جزءاً حيوياً من مجهود العراق، الرامي إلى هزيمة قوات التحالف، التي تواجهه في حرب الخليج. وذلك من خلال نشر تقارير كاذبة، تفيد بأن جنوداً إسرائيليين، متسترين بزي جنود أمريكيين، يخوضون القتال ضد العراق؛ وأن الطائرات الإسرائيلية، تشارك في الهجمات الجوية على الأماكن المقدسة، داخل العراق.

    وتعليقاً على هذه الحملة الإعلامية، نَفَت المملكة العربية السعودية، رسمياً، قدوم أي طائرات إسرائيلية إليها. كما نفى السفير الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، زولمان شوفال، أن تكون إسرائيل قد قصفت العراق. أمّا وزارة الخارجية التركية، فقد وصفت الادعاء بوجود طائرات إسرائيلية في تركيا، بأنه جزء من حملة تضليل خطيرة.

    وفي 30 يناير 1991، كذلك، أوضحت جريدة "الثورة" العراقية، أن محاولات إخراج العراق من الكويت، بالقوة، سيعني شن حرب إسلامية مقدسة، وشن الهجمات الفدائية على الأهداف الأمريكية، في جميع أنحاء العالم.

هـ. الهجوم العراقي على مدينة الخفجي السعودية

    في ليلة 29 ـ 30 يناير 1991، شنت قوة عراقية هجوماً في اتجاه مدينة الخفجي السعودية، على الطريق الرئيسي للكويت، غرب الساحل. وتمكنت من السيطرة على المدينة.

    واستمرت المعارك الضارية بين القوة العراقية، التي احتلت المدينة، وبين القوات السعودية ـ القطرية المشتركة، وبمساندة من طائرات التحالف. وبعد قتال استمر 36 ساعة، وبالتحديد بعد ظهر يوم 31 يناير، تمكنت القوات السعودية من تحرير مدينة الخفجي، بعد أن كبدت القوة العراقية المعتدية خسائر كبيرة في الأفراد والأسلحة والمعدات، وأسر أعداد كبيرة من الجنود العراقيين.

    وذكرت وكالات الأنباء، أن الهجوم العراقي على مدينة الخفجي، يعكس يأس الرئيس العراقي من الخروج من المأزق، الذي وضع نفسه فيه، الأمر الذي يدفعه إلى تنفيذ عمليات عسكرية، يتكبّد فيها خسائر فادحة.

    وفي 31 يناير 1991، صدر عن العراق، بلاغ عسكري رسمي، يفيد بأن القوات العراقية، استطاعت، البارحة، أن تحبط هجوماً مضادّاً، شنته قوات التحالف على الخفجي، وأن تكبّدها عدداً من الأسرى والقتلى، بينهم جنود أمريكيون، ذكوراً وإناثاً.

و. العراق يلوث مياه الخليج

    في 25 يناير 1991، بدأ العراق في إغراق مياه الخليج بكميات هائلة من النفط الخام تقدر بملايين البراميل من ميناء الأحمدي الكويتي، ومستودعات النفط الكويتية والعراقية الأخرى، مما هدد المنطقة بكارثة بيئية مروعة. وذلك، كرد فعل على استمرار القصف الجوي لقوات التحالف، وفي إطار إحداث التوتر تجاه دول التحالف، ولا سيما دول مجلس التعاون، بادر العراق إلى إجراءات عديدة لتدمير البيئة، منها:

(1)  ضخ النفط في شمالي الخليج، وإشعال النار فيه.

(2)  إغراق خمس ناقلات محملة بالنفط، كانت راسية في ميناء الأحمدي الكويتي.

(3)  إشعال النار في خزانات الوقود وآبار حقل الوفرة، لإثارة سُحُب دخان، تعوق الطيران الأمريكي عن مواصلة الغارات الجوية.

ز. العراق يقطع علاقاته الدبلوماسية ببعض الدول

    قرّر العراق، بدءاً من 6 فبراير 1991، قطع علاقاته الدبلوماسية بكلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة العربية السعودية ومصر. كما دعا الدول الإسلامية إلى قطع علاقاتها بدول العدوان من حلف شمال الأطلسي وحلفائها من العرب (اُنظر وثيقة بيان الخارجية العراقية في شأن قطع العلاقات مع دول التحالف يوم الأربعاء، 6 فبراير 1991) .

ح. ردود الفعل العراقية، حيال قصف المنشآت المدنية

    مع القصف الجوي المستمر للعراق، وظهور الضغط النفسي على الشعب العراقي، بدأت وسائل الإعلام العراقية تتخذ أسلوباً للدعاية، قوامه أن طائرات التحالف، تتعمد قصف المناطق المدنية والمواقع الثقافية والمستشفيات والأماكن المقدسة، في العراق، بما في ذلك الأماكن المقدسة في النجف وكربلاء. وتتلقّف هذه الدعاية وسائل الإعلام المتعاطفة، في اليمن والجزائر وتونس والأردن. ولا يتردد في بثها كلٌّ من باكستان والمغرب وموريتانيا وبنجلاديش، وغيرها من الدول الإسلامية.

    وفي يوم الأحد، 10 فبراير 1991، وجّه الرئيس العراقي كلمة إلى الشعب العراقي والأمة العربية، قال فيها: "إن كل يوم، بل وكل ساعة تمر، منذ بدء الحصار ضد جمع الطليعة المؤمنة في العراق، هو يوم وساعة هزيمة لجمع الكفر والظلم والطغيان". وتعهد بإنهاء إمبراطورية واشنطن، وتجاهل أي إشارة إلى المبادرات السلمية. وأشاد بمقاومة العراق الغارات الجوية، المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع (اُنظر وثيقة كلمة الرئيس العراقي، صدام حسين التي أعلن فيها استعداده "لإنهاء إمبراطورية أمريكا" يوم الأحد، 10 فبراير 1991).

    وفي اليوم نفسه، أكد سعدون حمادي، عضو مجلس قيادة الثورة، نائب رئيس الوزراء العراقي، في مؤتمر صحفي، عقده في عمّان، أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها، يركزون في تدمير المنشآت، المدنية والاقتصادية، والأحياء السكنية. ودعا رجال الإعلام والصحافة، العربية والعالمية، إلى زيارة العراق، ليشاهدوا بأنفسهم حقيقة هذا العدوان ضد المدنيين. وقال إن آلاف المدنيين، قد قتلوا بسبب سياسة العدوان، التي تتبعها قوى التحالف. وأكد حمادي أن الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الاستعمارية، تسعى إلى تدمير العراق، والسيطرة على النفط. كما أنها استخدمت كل الوسائل، من أجْل إفشال أي حل عربي. وتناول حمادي الوضع العربي الراهن، ودعا إلى حشد طاقات الشعوب العربية، في هذه المعركة المصيرية للأمة العربية والإسلامية. كما دعا الدول العربية إلى مقاطعة دول العدوان، سياسياً واقتصادياً، كاحتجاج على هذا العدوان، الذي تتعرض له الأمة العربية.

    وفي 11 فبراير 1991، بعث طارق عزيز برسالة إلى أمين عام الأمم المتحدة، أوضح فيها نتائج القصف الجوي لدول التحالف، ضد المدنيين من شعب العراق، في محافظات بغداد وبابل وواسط والمثنى والنجف والقادسية وأربيل ونينوى والأنبار والبصرة والناميم وذي قار، وضد السدود ومنشآت الري (اُنظر وثيقة رسالة وزير الخارجية، نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز، التوضيحية، إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بغداد، يوم الإثنين، 11 فبراير 1991).

ط. المبادرات العراقية، والتحرك السوفيتي

    هدف لقاء المبعوث السوفيتي، يفجيني بريماكوف، صدام حسين، في 12 فبراير 1991، إلى إيجاد حل سريع، من خلال انسحاب عراقي من الكويت، وإيقاف الحرب، تسفر عنه مبادرة سوفيتية، يوافق عليها العراق.

    وأوضح بريماكوف تفاصيل هذا اللقاء، بالقول: "لقد استهل صدام حسين حديثه، بتوجيه اللوم إلى الاتحاد السوفيتي". فسارع بريماكوف إلى القول: "أريد الانفراد بك". وفي خلوتهما، أكد المبعوث السوفيتي للرئيس العراقي، أن الأمريكيين يميلون، بكل حزم، إلى بدء عملية برية واسعة الأبعاد، تدمَّر خلالها حشود القوات العراقية في الكويت. ثم استطرد بريماكوف قائلاً: "لقد اقترحت على صدام حسين، إعلان سحب القوات من الكويت، على أن يُحدد فيه أقرب المواعيد للانسحاب، الذي يجب أن يكون تاماً وأكيداً".

    وأكد الرئيس العراقي للمبعوث السوفيتي، النقاط التالية:

(1)  العراق دعا، دائماً، إلى معالجة الأوضاع في المنطقة، ومنها الوضع في منطقة الخليج العربي، من طريق الحوار، بالوسائل السياسية والسلمية، وموقف العراق ثابت في هذا الشأن، فهو مستعد، دائماً، للعمل من أجل الوصول إلى حل سلمي، عادل، ومشرّف، لكل قضايا المنطقة، بما يؤمّن حقوق العراق، وحقوق الأمة العربية، خاصة في فلسطين، ويتضمن كرامة الأمة العربية وإرادتها الحرة واستقلالها.

(2)  العراق يتعرض، الآن، لعدوان انتقامي تدميري، تشنه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها وهو يستهدف قتْل أبناء شعب العراق، وتدمير البنية التحتية المدنية والممتلكات، الاقتصادية والثقافية والعلمية، والمراكز الدينية.

(3)  جرائم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، ارتُكبت تحت شعار القرار 678، الصادر عن مجلس الأمن، الذي شارك الاتحاد السوفيتي في إقراره. لذلك، فإن موسكو تتحمل مسؤولية، قانونية وسياسية وأخلاقية، إزاء هذه المسألة.

(4)  المطلوب، الآن، هو العمل الحاسم، لإيقاف هذه الجرائم الوحشية.

(5)  العراق مستعد للتعاون مع الاتحاد السوفيتي، وغيره من الدول، على البحث عن التسوية السياسية السلمية، العادلة.

    ويذكر بريماكوف في مذكراته، "أن الرئيس العراقي، لم يرد على ندائي، الداعي إلى الرد إيجابياً. حتى الإجابة المقتضبة، في شأن الانسحاب، لم تكن مؤكدة".

ي. مبادرة العراق من أجْل وقف إطلاق النار

    أعلن مجلس قيادة الثورة العراقي، في 15 فبراير 1991، من خلال إذاعة بغداد، بياناً، أظهر فيه استعداده للانسحاب المشروط، مع ربطه بقضايا أخرى في المنطقة.

    كما أعلن استعداده لتطبيق قرار مجلس الأمن، الرقم 660، عام 1990، بهدف التوصل إلى حل سلمي مُشرّف، ومقبول، بما في ذلك مبدأ الانسحاب. وطالب البيان بوقف إطلاق النار، وإلغاء بقية قرارات مجلس الأمن اللاحقة، المتعلقة بفرض المقاطعة والحظر، وسحب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى قواتها من الخليج. كما أشار البيان إلى ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة (اُنظر وثيقة بيان مجلس قيادة الثورة العراقي في شأن مبادرة الانسحاب من الكويت الصادر في 15 فبراير 1991) و(النص الإنجليزي للوثيقة).

ك. طارق عزيز في موسكو، لمناقشة خطة السلام السوفيتية

    هدفت الخطة السوفيتية، التي حملها طارق عزيز إلى العراق، بعد مناقشتها مع المسؤولين السوفيت، في موسكو، في 17 فبراير 1991، وعلى رأسهم الرئيس جورباتشوف ـ إلى ما يلي:

(1)  الانسحاب العراقي غير المشروط من الكويت، طبقاً لقرار مجلس الأمن الدولي، الرقم 660.

(2)  توفير ضمانات محددة، تتعلق بمستقبل النظام في العراق ووحدة أراضيه، ورفع العقوبات الاقتصادية عنه.

ل. الخسائر العراقية، الناجمة عن القصف الجوي

    نشرت إحدى الجرائد الإيرانية، في 18 فبراير 1991، بياناً صادراً عن نائب وزير الخارجية الإيرانية، علي أحمد بشارتي، جاء فيه، أن نائب رئيس الوزراء العراقي، سعدون حمادي، قال له، في الأسبوع الماضي، إن العراق، خسر أكثر من 20 ألف قتيل، وستين ألف جريح، خلال الأيام الستة والعشرين الأولى من الحرب.

م. استخدام الأسلحة الكيماوية

    قال السفير العراقي إلى الأمم المتحدة، عبدالأمير الأنباري: "إن العراق يعتبر الأسلحة الكيماوية، أسلحة موازية للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى. وإنه يحتفظ بحق استخدام الأسلحة الكيماوية، إذا ما استُخدم أي سلاح من أسلحة الدمار الشامل".

2. مع بدء الحرب البرية (24 فبراير 1991 بتوقيت مسرح العمليات)

أ. ردود الفعل العراقي تجاه الهجوم البري لقوات التحالف

    في 22 فبراير 1991، ورداً على تصريح الرئيس بوش، أدلى الناطق باسم مجلس قيادة الثورة في العراق، بالبيان الرقم 58: "إننا نريد السلام، لا احتراماً لبوش، ولا خشية من قوّته الغاشمة. وإننا ندعو مجلس الأمن لتشكيل لجنة محايدة، للتعرف على مستوى التدمير، الذي لحق بالاقتصاد العراقي" (اُنظر وثيقة البيان الرقم (58) الصادر عن القيادة العامة للقوات العراقية المسلحة يوم الجمعة، 22 فبراير 1991).

    وفي 23 فبراير 1991(اُنظر وثيقة البيان الرقم (59) الصادر عن القيادة العامة للقوات العراقية المسلحة يوم السبت، 23 فبراير 1991)، أصدرت القيادة العراقية بيانها الرقم 59، شرحت فيه مجمل أعمال القتال التي جرت خلال 24 ساعة، والتي كشفت أن قوات التحالف، بدأت بدفع قواتها إلى الهجوم، بعد ظهر 23 فبراير 1991؛ وأن القوات العراقية تهيمن على الموقف، من أجل هزيمة المعتدين.

    وفي 24 فبراير 1991، وجّه صدام حسين كلمة إلى أبناء شعب العراق (اُنظر وثيقة كلمة الرئيس العراقي، صدام حسين يوم الهجوم الشامل على العراق يوم الأحد، 24 فبراير 1991)، حضهم فيها على قتال الأعداء، دفاعاً عن الكرامة والمجد، وأن النصر سيكون للجيش العراقي، وسيعرفون أن الشعب العراقي العظيم، وقواته المسلحة الباسلة، ليسوا مثلما يظنون أو يتصورون.

    وقال: "إنه في الوقت الذي تقرر انعقاد مجلس الأمن الدولي، للنظر في المبادرة السوفيتية السلمية، التي أيدناها، غدر الغادر بوش الخاسئ، من أجل فعل الجريمة والعدوان".

    وفي 26 فبراير 1991، أبلغ العراق مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، رسمياً، أنه مستعد للانسحاب من الكويت. ولكن غالبية أعضاء المجلس، الخمسة عشر، رأوا أن العرض يفتقر إلى المتطلبات الأساسية لإنهاء الأعمال العسكرية. وأكد المندوب الأمريكي، توماس بيكرينج ، الحاجة إلى إعلان العراق قبوله بقرارات المجلس الاثني عشر. وقال المندوب العراقي، عبدالأمير الأنباري، إنه أبلغ المجلس انسحاباً عراقياً من الأراضي الكويتية.

    وفي 26 فبراير، كذلك، أعلن صدام حسين، من خلال خطاب إلى الشعب العراقي، بثته وسائل الإعلام العراقية، أن القوات المسلحة العراقية، بدأت بالانسحاب من الكويت، بعد أن قاتلت جيوش ثلاثين دولة. وبدأ خطابه بعرض الأحداث، التي أدت إلى اتخاذ قرار الانسحاب. وقال موجِّهاً كلامه إلى العراقيين والعراقيات: "حتى الكويت، التي هي جزء من بلدكم، اقتُطعت منه في السابق، وشاءت الظروف، اليوم، لتبقى على الحال الذي ستكون عليه، بعد انسحاب قواتها المجاهدة منها، والذي أساءكم أن يحصل هذا ـ حتى هذه الكويت، التي استذكرنا في يوم النداء، يوم تقرر أن يكون بوابتها إحدى البوابات الرئيسية لردع المؤامرة، والدفاع في وجْه المتآمرين، اليوم، جعلت ظروف خاصة جيش العراق ينسحب من جراء الملابسات، ومنها عدوان 30 دولة مجتمعة وحصارها. وسيذكر الجميع أن أبواب القسطنطينية، لم تُفتح أمام المسلمين في أول محاولة جهادية" (اُنظر وثيقة خطاب الرئيس العراقي صدام حسين الذي أعلن فيه الانسحاب من الكويت في 26 فبراير1991) و(النص الإنجليزي للوثيقة).

    وفي 27 فبراير 1991، صدر تصريح لناطق عسكري عراقي، يفيد أنه على الرغم من إعلان العراق الانسحاب من الكويت، والبدء به، إلا أن الطيران المعادي، شن سلسلة من الغارات الجوية، يومَي 26 و27 فبراير 1991، على القوات المسلحة، والأهداف السكانية والمدنية، استشهد وجرح، خلالها، عدد من أبناء الشعب البررة، بينهم النساء والأطفال.

    وفي اليوم نفسه، وجّه وزير الخارجية العراقي، طارق عزيز، رسالة إلى رئيس مجلس الأمن بالموافقة على القرار الرقم 660، عام 1990، وكذلك امتثال العراق للقرار 662 الرقم، عام 1990، والقرار الرقم 674، عام (1990)، و(661) (1990)، و(665) (1990)، و(670) (1990)، قد زالت، وبزوالها، ينتهي مفعول تلك القرارات.

3. الوضع الداخلي في العراق، خلال مرحلة عاصفة الصحراء

    ذكر المراسلون، الذين عايشوا اليومين الأولين من الحرب، في بغداد، أن العراقيين، بدوا، في أول الأمر، مستعدين لخوض ما أسماه صدام "أمّ المعارك". غير أن ليلة كاملة من القصف، هزت هذه الثقة. كما أكد معظم العائدين من العراق، أن بغداد، أصبحت في ظلام دامس، بعد أن تحولت إلى مدينة أشباح. وذكر بعضهم، أن السلطات العراقية، بدأت توزّع الكمامات الواقية على سكان بغداد، كما أن الشعب العراقي، طفق يخزن السلع الغذائية. وأن العاصمة العراقية، تواجه انقطاع التيار الكهربائي والمياه، وكذلك الخطوط الهاتفية، فتحولت إلى مدينة "مشلولة"، تنتشر جثث القتلى في شوارعها، وتكتظ مستشفياتها بالجرحى والمصابين.

    ومع إطالة أمد الحرب، واستمرار الحصار الاقتصادي العالمي على العراق، أكدت التقارير الواردة من بغداد، تَردّي الحالة المعيشية للمواطنين العراقيين إلى أقلّ مستوى لها. وأن شبح المجاعة، يُهدد البلاد. كما أخذت أسواق المواد الغذائية تبيع أنواعاً منها، كانت مقصورة، في السابق، على الدواب والماشية. كذلك أكدت التقارير، أن المواطنين العراقيين، يرفضون أداء الخدمة العسكرية، وأن عدداً كبيراً منهم، قد هجروا المدن، هرباً من المسؤولين العراقيين، الذين يسعون إلى إقحامهم في معركة خاسرة.

    أما الجيش العراقي، فقال، في صدده، الجنرال نورمان شوارتزكوف، قائد القوات الأمريكية في الخليج، في 30 يناير 1991: لدينا بعض المعلومات، غير المؤكدة، تشير إلى فاعلية ما نفّذناه؛ إذ وصلتنا تقارير عديدة، من الكويت، مفادها أن الجنود العراقيين يستعطون المدنيين الكويتيين الطعام، وغالباً ما يسرقونه منهم. كما أخبرنا الأسرى العراقيون، أنهم كانوا يتلقون وجبة طعام واحدة فقط، في اليوم، تتكون من طبق من الأرز أو الفاصوليا. ولم تكن لديهم مياه للاغتسال، كما كان يعاني العديد منهم تقترح أجسادهم.

    وجاء في تقرير، أُذيع من "صوت أمريكا"، في 3 فبراير1991، أنه على الرغم من قصْر القصف الجوي على الأهداف العسكرية دون غيرها، إلا أن بغداد، تتحول، الآن، إلى شيء يشبه مدينة الأشباح. كما أصبحت تفتقر إلى مياه الشرب والمواد الغذائية، والأدوية نادرة الوجود، وأغلق معظم المحالّ أبوابها. وعن الجنود العراقيين، قال التقرير: "لقد أخذ الطعام والماء ينفد لدى هؤلاء الجنود. كما أن فرص إعادة تموينهم تتلاشى، شيئاً فشيئاً، كل يوم؛ إذ تعمد القاذفات التابعة للتحالف، بصورة منتظمة، إلى تدمير خطوط الاتصال الحيوية بمراكز تموينهم في العراق. وأصبحت تمزق حياة هؤلاء الجنود، يومياً، أصوات الانفجارات الرهيبة". ومع ذلك كله، يقول صدام حسين: "إن الجيش العراقي، هو القلب لقوّته العسكرية، ويحض جنوده على القتال، ويتباهى ببحر الدماء، التي ستسيل حينما عندما يبدأ القتال البري".